“الحمضيات”.. الزراعة المظلومة في سوريا
Share
المزارعون: بسبب خساراتنا المتكررة اضطررنا لقلع الأشجار
تراجع انتاج الحمضيات بنسبة 27% هذا العام
خبير زراعي: يجب إنشاء شركات متخصصة بتسويق وتصدير الحمضيات
ميليا إسبر
يُطلق على زراعية الحمضيات في سوريا، “الزرعة المظلومة”، فهي لا تلقَ الدعم الحكومي المناسب لتطويرها وتصريف الانتاج بطريقة تعود على المزارعين بالفائدة. وقد كانت آخر خيبات مزارعي الحمضيات، إعلان وزارة الصناعة أنه لا جدوى من إقامة معمل للعصائر في الساحل، علمًا أن حجر الأساس سبق ووضع مرتين لهذا المعمل منذ سنوات طويلة، إلا أن فكرة المعمل لم تبصر النور. نقطة ثانية تتكرر كل سنة، وهي منافسة الموز للحمضيات في السوق، حيث يُفتح باب استيراد الموز أثناء نزول انتاج الحمضيات إلى الأسواق، فيباع بأسعار رخيصة تصل إلى ألفين وخمسمئة ليرة، رغم أنه يكون قد تجاوز العشرة آلاف ليرة قبل أسابيع من موعد قطف الحمضيات وتسويقها!
زراعة الحمضيات في الساحل السوري، تعاني مشاكل كبيرة منذ أربعين عامًا وحتى تاريخه. فهناك قطبة مخفية في هذا المحصول. قبل الحرب كان مُزارع الحمضيات في بعض السنوات ينعم بقليلٍ “البحبوحة”، لكنه لم يكن يمرّ بعصور ذهبية على الإطلاق. وكما يقول المزارعون لموقع “الفينيق”، فإن العرض كان دائمًا أكبر من الطلب. الوضع خلال سنوات الحرب، زاد سوءًا، نتيجة ارتفاع سعر الصرف بشكل كبير، وعدم توفر مستلزمات الانتاج ومن أهمها الأسمدة ومياه الري، ما أدى إلى تراجع الانتاج بشكل ملحوظ لاسيما هذا العام بنسبة 27% مقارنة بالأعوام السابقة. حيث كان من المتوقع أن يصل الانتاج إلى 1.2 مليون طن، إلا أنه لم يتجاوز 770 ألف طن.
يتحدث المزارعون عن مشكلة الحمضيات التاريخية: أسبابها، والخسائر التي يتعرضون لها بشكل شبه دائم، دون وجود حلول منصفة للمزارع، ليبقى المستفيد الأكبر هو الحلقة الوسيطة بين المزارع والمستهلك. لذلك وبسبب الخسائر المتكررة للمزارعين لم يكن أمامهم إلا اقتلاع الكثير من أشجارهم والاعتماد على زراعات أخرى كالتبع والخضار البلاستيكية.
الحمضيات لم تشهد عصورًا ذهبية
علي دغمة، من أقدم مزارعي الحمضيات في محافظة طرطوس، أكدّ أن مشكلة الحمضيات تاريخية، فعلى مدى أربعين عامًا، كان الفلاح يمر بفترة “بحبوحة” في بعض السنوات، بمعنى انتاج المزارع يغطي تكاليفه، مع ربح بسيط. وذلك عندما كان سعر الصرف يعادل 50 ليرة، البحبوحة لا تعني أنه كان عصرًا ذهبيًا أبداً. فالفلاح طوال حياته لم يكن سلطانًا، بل محروم وفقير.
وأشار دغمة إلى أنّ بعض مزارعي الحمضيات، اضطروا لاقتلاع الكثير من الأشجار بسبب الخسائر المتكررة، وذلك بهدف الاعتماد على زراعات أخرى، مثل زراعة الخضار البلاستيكية، بدلاً من التركيز على الحمضيات فقط. فإذا كان المزارع الكبير يتعرض للجوع، فما بالنا بالمزارع الصغير؟
وقال المزارع دغمة إنه يملك 150 دونمًا من الحمضيات أي حوالي 6000 غرسة. علماً أنه منذ سنتين والحكومة تعطي السورية للتجارة امكانيات لاستجرار المحصول وهذا الحل كان مقبولاً، لكنه لم يكن حلًا جذريًا. يضيف دغمة:
“عاد موضوع دفع الأتاوات على كل حاوية حمضيات، وأن حل مشكلة الحمضيات يقع خلف الكواليس. في كل عام تأتي لجان من وزارة الاقتصاد من أجل طرح موضوع الاعتمادية، وهو عبارة عن برنامج علمي يتطلب بأن يكون لدى الفلاح برنامج عمل مناسب للبيئة بحيث ينتج حمضيات نظيفة خالية من الرواسب والمشاكل، لكن الموضوع اقتصر على اجتماعات بدون فائدة، وعلى ما يبدو يحاولون مجاراة دول العالم التي تتبع هذه الطريقة لكن بالشكل فقط وليس بالمضمون.”
خسارات متكررة
يقول المزارع مالك خوندة:
“إنّ أسباب خسارة مزارع الحمضيات متعددة، أهمها عوامل الطقس، إضافة إلى عدم وجود مياه الري كما هو الحال في اللاذقية. كذلك صعوبة تأمين الأسمدة في وقتها، مثلاً نحتاج الـسمدة في تشرين، بينما كانت تصلنا في شهر آذار، وأيضاً هناك صعوبة تأمين المحروقات. إن مزارع الحمضيات خاسر تاريخيًا، حيث العرض دائما أكثر من الطلب لاسيما قبل الحرب، ولم يكن هناك تسويق خارجي، وقد كانت الأسعار متدنية، وأحيانا كثيرة لا تباع، مشيراً إلى أنه يملك 150 دونم حمضيات، حوالي 4 آلاف شجرة، لكن الربح قليل جدًا أي ما يعادل الخسارة أو أكثر بقليل، وربما يأتي يوم لا نجد فيه زراعة حمضيات في سورية.”
وذكر خوندة أن الحلول تكمن من خلال تأمين مياه الريّ، عن طريق آبار احتياطية مثلاً. وكذلك تأمين المحروقات بسعر مناسب للمزارعين حيث إنها تشكل مادة أساسية في الزراعة، علماً أن المعاناة تتكرر سنوياً دون أية حلول، منوهًا أن براد الحمضيات المعد للتصدير عند الحدود، يطلب منه رسومًا، بينما براد الفواكه والخضار لا يطلب منه ذلك، إضافة لعدم وجود كفالة أو ضمان لسنوات معاومة الحمضيات، حتى إقامة معمل العصائر نسمع به منذ 30 سنة دون تحريك ساكن على أرض الواقع. مؤكداً أنه لو تم تنفيذ مشروع معمل العصائر، لكان استجر كل الحمضيات واستفاد من الإنتاج.
انخفاض الانتاج بنسبة 27%
مصادر مطلعة، فضلت عدم ذكر اسمها، أوضحت لموقع “الفينيق” أن واقع انتاج الحمضيات هذا العام لم يتوافق مع المجهود المادي والجسدي الذي بذله فلاحو الساحل لزيادة إنتاجهم وتسويق محصولهم للأسواق المحلية والخارجية، حيث انخفض الانتاج بنسبة 27.3 % مقارنة مع المتوسط العام للسنوات الخمس الماضية، وذلك نتيجة العطش والتغيّرات المناخية التي أثرت على الإنتاج الزراعي ككل، ولفتت المصادر إلى أن انخفاض إنتاج محافظة اللاذقية بنسبة 31.7 % وطرطوس بنسبة 12.5 % سيؤدي إلى خروج إنتاج اللاذقية لهذا العام من سباق التصدير، لاسيّما أن ثمارها ستتعرض للتلف لاحقًا.
وبينت المصادر أن الإنتاج المحلي للحمضيات، رغم انخفاضه هذا العام، إلا أنه يغطي حاجة السوق المحلية. وأشارت إلى “ضرورة تأمين عقود تصديرية دائمة بدلاً من العقود الخارجية المعمول بها خلال الأعوام الأخيرة. إضافة إلى ضرورة وجود مراكز توضيب للحمضيات وفرز الأنواع ذات الجودة العالية للتصدير والأنواع الجيدة للاستهلاك المحلي، إضافة إلى الجزء الأهم والذي يشكّل 20-25% من جميع الأصناف للعصائر. لاسيّما أن فكرة المعمل قائمة منذ أكثر من خمسة أعوام لمساعدة الفلاح في إيجاد قنوات تسويقية دائمة لمحاصيله وتصريف إنتاجه. وعلى الرغم من طرح المشروع للاستثمار عدة مرات إلّا أن أحداً لم يتقدم لتنفيذه. علماً أن حمضيات سورية خضعت لاختبارات مطلوبة “نسبة السكريات، نسبة حموضة” وجاءت بالإيجابية وصلاحيتها المضمونة للعصير.”
اجمالي الانتاج 786 ألف طن
تقديرات الإنتاج الأولية حسب الواقع الراهن لموسم الحمضيات2021- 2022 حوالي 786.885 طناً على مستوى سورية منها 213687 طنًا في طرطوس و563665 طنًا في اللاذقية، وبمساحة قدرها 41575 هكتارًا مزروعة بحوالي 14.5 مليون شجرة منها 13.9 مليون شجرة مثمرة. وقالت المصادر إن تقديرات إنتاج مجموعة الحامض 105932 طنًا وتعادل 14% من إجمالي إنتاج الحمضيات السورية منها 60% في طرطوس، ومجموعة البرتقال 465362 طنًا وتعادل 60% من إجمالي إنتاج الحمضيات السورية منها 80% في اللاذقية، ومجموعة المندرين 162912 طنًا وتعادل 21% من إجمالي إنتاج الحمضيات السورية منها 71% في اللاذقية، ومجموعة الليمون الهندي (الجريب فروت والبوميلو) 43147 طنًا وتعادل 6% من إجمالي إنتاج الحمضيات السورية منها 67% في طرطوس. مضيفة أنه من المتوقع أن يكون صنف
البرتقال أبو صرة الأعلى إنتاجًا للموسم الحالي بحوالي 181236 طنًا يليه البرتقال اليافاوي بحوالي 129800 طن، والأقل إنتاجًا الكريفون الملون والأبيض بحوالي 10600طن و10800طن على التوالي.
تصدير 200 ألف طن
وزارة الزراعة قالت في وقت سابق، إنه من المتوقع أن يبلغ انتاج سورية في الموسم الحالي 770 ألف طن من الحمضيات، وإنه تم تكليف وزارة الاقتصاد وضع الاجراءات اللازمة لتصدير 200 ألف طن. ولفتت الوزارة إلى أن معدل الانتاج السنوي من الحمضيات من المفترض أن يكون مليون و100 ألف طن لكن التغيرات المناخية وعدم توافر المياه وانخفاضها في السدود وانخفاض معدلات الامطار وتوقف هطولها في نيسان، إضافة إلى انخفاض المياه في السدود بنسبة 50%، كل ذلك أثر في الإنتاج.
زراعة مظلومة
الخبير في تسويق الحمضيات المهندس مهند الأصفر، قال: “إن الحمضيات زراعة مظلومة في سورية وشجونها كثيرة، ولابدّ من إعطائها حقها حتى يستمر مزارعها بالإنتاج والديمومة بعمله. فالموضوع ذي شقين الأول: الاهتمام بزراعتها وتأمين مستلزماتها كاملة من أصناف جديدة للمائدة وأصناف تصديرية ذات مواصفة عالية. والثاني: الاهتمام بالجانب الفني من ارشادات ومحروقات وأسمدة ومصائد حشرية.. وهناك جانب تسويقي وتصديري محليًا وخارجيًا. إضافة إلى ضرورة التركيز على بعض الحلول منها تأمين خط بحري دائم للتصدير إلى الدول الصديقة وأيضًا تأمين النقل البري للدول المجاورة دون أي عقبات، وتخفيض أجور النقل وتقديم دعم مالي عن كل كونتينر تصدير أسوة بالدول المنتجة، بالإضافة إلى إنشاء اتحاد نوعي للحمضيات يعنى بالحمضيات من الزراعة حتى التسويق محليًا وخارجيًا، لافتاً إلى ضرورة إنشاء شركات متخصصة بتسويق وتصدير الحمضيات ذات مشاغل وبرادات وأسطول نقل متكامل. وكذلك تأمين حوامل الطاقة لمنشآت الفرز والتوضيب، وإقامة معمل عصائر طبيعية ومكثفات حسب الأنواع المتوفرة والمتاحة من خطوط الإنتاج، والمشاركة في المعارض الزراعية الخارجية للترويج للحمضيات السورية.”
معضلة الموز والحمضيات
عند بدء موسم الحمضيات، يتم استيراد الموز وتنخفض أسعاره بشكل كبير جدًا، مما يؤثر سلبًا على تسويق الحمضيات وعلى المزارعين. وهذا ما بات يُعرف في السوق السورية بالحرب بين الموز والحمضيات. حول هذه النقطة قال المهندس مهند الأصفر:
“إن انتاج الموز متزامن مع انتاج الحمضيات في شرق المتوسط، لا تعارض بين المنتجين، فلكل منهما مستهلكه. أما موضوع السعر فلا يقارن، فالموز أعلى سعرًا بشكل دائم. ولكن هنا يجب التركيز على تغير ثقافة المستهلك وتنشيط الإعلام لأهمية استهلاك الحمضيات الطازجة والابتعاد عن المكثفات والعصائر الضارة. فهي عبارة عن سكر وأصبغة إضافة لارتفاع سعرها أمام الحمضيات الطازجة.”
العديد من المزارعين أشاروا إلى أن هناك مستفيدين من استيراد الموز في وقت انتاج الحمضيات. فمع بداية موسم الحمضيات كل عام، تبدأ أسعار الموز بالانخفاض، وتعاود ارتفاعها بعد انتهاء موسم الحمضيات.
تحقيق عائد للفلاح
وختم الأصفر بالقول: “إن تحقيق عائد للفلاح عند التصدير، فهو دور هيئة تنمية الصادرات بعد اعتماد برنامج الاعتمادية. فيجب التفكير بآلية لعودة جزء من أرباح المصدّر للفلاح الذي يعتني بأشجاره وينتج حمضيات بمواصفات تصديرية جيدة. كما يفترض التوجه نحو المنتج العضوي بسبب الطلب عليه وارتفاع سعره عالميًا. هذا التوجه يترافق اليوم مع وجود شركات تعتمد المنتح العضوي، وتمنح الشهادات اللازمة لتصديره.”