LOADING

Type to search

الإصلاح الديني وإشكالية تخلف المجتمعات العربية؟

موضوع العدد

الإصلاح الديني وإشكالية تخلف المجتمعات العربية؟

الفينيق
Share

تفتح “الفينيق” ملف الإصلاح الديني للنقاش بين المهتمين، وتحاول من خلاله الاجابة عن الأسئلة الكثيرة التي ترافق هذه القضية. لماذا لم يتمكن العالم العربي من إنجاز الإصلاح الديني؟ وهل هو ضرورة لنهضة المجتمعات العربية؟ هل ساهم الغرب بإفشال عملية الإصلاح حتى يبقى التخلف مسيطراً على المنطقة؟ أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح في هذا الشأن. البداية في هذا الملف للمفكر العراقي خزعل الماجدي، والشيخ حسين شحادة من الشام، والباحث المصري منير أديب. وهنا دعوة للمهتمين بهذا العنوان، من أجل المشاركة.

الزمن مازال متوقفاً عند الشعوب العربية، فهي لم تتجاوز عملياً مرحلة “الاقتتال على السماء” التي أنجزتها الشعوب الأخرى قبل أن تلحق بركب التطور. وبالتالي فإن “خسارة الأرض” نتيجة طبيعية لاستمرار الخلاف على السماء. لماذا لم يتمكن العرب من إنجاز الإصلاح الديني؟ وهل من مصلحة الغرب إنجاز العرب لهذه المهمة؟ لماذا تم إقصاء وإعدام المفكرين المبشرين أو الداعين لانطلاق العملية الإصلاحية؟ ولماذا تمكن الفقه واللاهوت الذي وضعه البشر من الحلول مكان الدين الأساسي حتى ظهرت الرسالة مغايرة لحقيقتها؟ هل يمكن للعرب عموماً أن يتطوروا من دون إنجاز الإصلاح الديني؟ وما أثر ذلك على مفهوم الانتماء القومي وانتشار الصراعات الطائفية؟

أثارت دعوات الإصلاح الديني منذ بداية القرن الماضي، خلافات وانقسامات بين مؤيدين يرونه ضرورة للنهوض بالمجتمع واللحاق بركب الحضارة والتطور، ومعارضين يرون أن الإسلام ليس بحاجة لإصلاح بل إلى تعبئة وتجنيد بين الناس من أجل امتلاك زمام السلطة. القسم الإصلاحي ركز على الجانب المعرفي، فيما انشغل القسم المحافظ بالجانب السياسي. وبسبب دعوات الإصلاح، كبرت الخلافات ووصلت حدّ التكفير والاغتيال الذي طال العديد من المفكرين والعلماء.

وتعود دعوات الإصلاح الديني إلى بدايات القرن الماضي، ويذكر من روادها الشيخ محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني، إلى جانب دعاة النهضة اللاحقين مثل عبد الحميد بن باديس ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي، حتى أصبح بالإمكان الحديث عن عدة أجيال من دعاة الإصلاح، الذين لم يتمكنوا من إنجاز مشروعهم بسبب قيامه على أفراد وليس على مؤسسات لها تأثير. حيث بقي السؤال حتى اليوم مطروحاً: هل نحن بحاجة للإصلاح الديني لنتمكن من اللحاق بركب التطور؟ أم أن الدين مكتمل لا يحتاج أي إصلاح؟.

يقول الدكتور خزعل الماجدي، الباحث المختص في علم وتاريخ الأديان والحضارات القديمة، لـ”الفينيق”:

” التركيز على الإصلاح الديني وترك بقية شؤون العرب سائبة، يحيلنا إلى عملٍ معقّدٍ وطويل سيستمر زمناً طويلاً دون جدوى، وسيكون هناك ضياعٌ في الجهود والأموال دون الحصول على نتيجة جيدة. نرى أن الإصلاح الحضاري هو الأهم، والذي يبدأ بالتعليم والعلم والعمل بطريقة مترابطة، ثم بقية مظاهر التحضر من صناعة وتجارة واقتصاد وسياسة ومجتمع.. الخ. وسيكون الإصلاح الديني ضمن هذه المنظومة وليس خارجاً عنها”.

ويذكّر الشيخ حسين أحمد شحادة، بالانقسامات التي سبّبتها دعوات الإصلاح التي ارتكزت إلى عقائد المذاهب والأحزاب، في حين كانت الأمة تخسر الكثير في مواقع أخرى. يقول شحادة لـ”الفينيق”: “ترعرع الإصلاح في جو فكري ملتهب بانقسامات دينية وسياسية وثقافية يلطم بعضها بعضاً. وارتفعت رايات الإصلاح مستخلصة شعاراتها الحادة من عقائد المذاهب والحركات والأحزاب. ودار الخلاف بينها حول أولويات النهوض، بذهنيات معلبة وقلوب مقفلة. وهنا اندلعت الفتن التي لم يسلم من سيئاتها أحد. كذلك تمادى الجميع بدحض الجميع. فإذا هم بحكم العداوة فيما بينهم، يقطعون رأس الإصلاح الضحية”.

الخوف من تداعيات الإصلاح وإمكانية تسبّبه بتعميق الشرخ بين المسلمين، ساهم بتأجيل هذا المشروع، خاصة أنه لم يصل إلى نتائج حقيقية ومؤثرة طيلة قرنٍ من الزمن. وكان لتورط الإصلاح في نقاشات غير جوهرية، سبباً في نشوء جدل كرّس الخلافات واستهلك الوقت والجهد في غير القضايا الجوهرية، وصنع نوعاً من الردّة باتجاه معاكس تماماً. يقول الدكتور خزعل الماجدي:

“ظهرت حركات الإصلاح الديني، على مدار التاريخ الإسلامي، وفشلت كلّها، بل وكانت السبب لمزيد من التعصّب والتطرف الديني في نتائجها. ظهرت في العصر الحديث في الهند ودخلت في موضوعات لا أهمية لها، منها أن الإسلام غير متعارض مع التقدم ومع العلم والحضارة الحديثة.. واستمر الجدل العقيم في هذه الأمور، حتى التقت مع التيار الوهابي في تنقية العقيدة من البدع والخرافات، وصار الموضوع داخل الإسلام مؤدياً للتناحر والكراهية بين المذاهب الإسلامية، ودعا جمال الدين الأفغاني إلى الأسلوب الثوري ضد الغرب، وحاول محمد عبده تنشيط التربية الإسلامية، وهكذا انتهى كل شيءٍ إلى الفشل، وكان مضيعة للوقت، بل وطريقاً مؤدياً للتخلف. ومع زوال الخلافة العثمانية ظهر تيار جديد من الإصلاح الديني بدأ تقدمياً ثم انتهى بظهور حركة الإخوان المسلمين، أمرٌ محيّرٌ فعلاً”.

ويؤكد تلك المخاوف الشيخ حسين أحمد شحادة عندما يستعيد مجريات المئة عام الماضية، حيث كبرت خسارات الأمة على صعيد الجغرافيا والثقافة والوحدة الدينية. يقول شحادة: “مهما يكن ثمة من تبريرات واهية، فقد تحول الإصلاح في برامجهم من حالة الوعي بضروراته، الى حالة اللاوعي بنتائج اغتياله. بحيث لا تسمع من هنا وهناك إلاّ ضجيج الإنشغال بحفر خنادق التخوين والتكفير بفظاظة دموية أشعلت المعارك الطاحنة بين الإخوة الأعداء وفتحت شهية المستعمر فانقضّ على خرائطنا واستولى على قدس أقداسنا بفلسطين. والتفتنا إلى ما كسبت أيدينا فوجدنا الإصلاح المرتجى غائراً في شبه غيبوبة عقلية لا تريد أن تفقه شيئاً عن معنى تكامل الأمة الواحدة في التعدد والحوار. ولايزال المشهد العربي رازحاً تحت وطأة التبعية العمياء لا لفكر الإصلاح الواعد، بل لهزال الذين حفروا خنادق التخوين والتكفير”.

 الدينية الإسلاموية من فرصة إلى ورطة!

ويذهب منير أديب، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منحى مختلفاً، فيناقش الإصلاح الديني من حيث ضرورته لتطور المسلمين حضارياً، يقول أديب لـ”الفينيق”:

“الإصلاح الديني ضرورة حتمية لتطور المجتمع لكن لا بد أن يقوم به الدعاة والمفكرون. ولا أحب أن استخدم مصطلح رجال الدين، لأنه ربما يعني أن هناك رجال بعينهم لهم حق التحدث باسم الدين، أو هم المنوطون دون غيرهم بالإصلاح الديني أو التغيير وتجديد الأفكار الدينية التي لا تعبر عن حقيقة الدين. لقد أصبح الناس لا يفرقون بين التراث والأفكار التي أنتجها بشر أو رجال دين، وبين الدين نفسه. وهنا دور الإصلاح الديني ليصلح ما أفسده هؤلاء وليقدم القراءة الحقيقية للدين وفق معطيات الحاضر والمستقبل، خاصة أن الدين الإسلامي حضاري يدعو الى الرحمة لا إلى القتل والعنف. هناك الكثير ممن قرأ الدين قراءة سطحية، فأوّل نصوصاً دينية وأعطاها طابعاً مغايراً تحت مسميات الجهاد وغيره”.

ويعترف أديب بالحملات التي يتعرض لها دعاة الإصلاح، لكنه لا يرى مفراً من الإصلاح الديني، يقول: “هناك محاولة لتشويه دعوة الإصلاح.. ولكن إذا حاولنا أن نغير مفاهيم الحياة ونغير من مفاهيم العرب والمسلمين ونصل إلى ما وصل اليه الغرب، علينا بالإصلاح الديني. نحن نواجه تحديات كبيرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية منها الإرهاب على سبيل المثال، لا نستطيع أن نواجه الإرهاب إلا إذا آمنا بحقيقة الدين الإسلامي بأنه دين سلام لا دين عنف، ولا تختفي هذه الظواهر الدينية إلا عند الإصلاح الديني، لذلك أنا أعذر من يقول إن الغرب يدعو إلى تأصيل المفاهيم الدينية الخاطئة وليس القراءة الصحيحة للدين”.

ويشير أديب إلى أن المؤسسات الدينية والمجامع الفقهية في عالمنا العربي والإسلامي، يسيطر عليها بعض الدعاة الذين لا يدركون أهمية الإصلاح الديني، وبالتالي يخلطون بين ما أنزل رب العالمين وما كتبه الدعاة والبشر وما قاله نبي الرحمة محمد “ص”. ويضيف: “إذا أردنا ان نصلح الدنيا بالدين، فلابد أن يكون ذلك وفق الدين الذي نزل على محمد “ص”، وليس دين دعاة الجهل والتخلف الذين ربما نجحوا بمهمتهم من خلال تصدير مفاهيم دينية غير حقيقية عن الإسلام”.

قضية الإصلاح الديني، وشرح علاقة الدين بالدنيا وأحوال المجتمع، تبدو إشكالية وتنطوي على الكثير من التشعبات والمحاذير وعلى رأسها اشتغال الدين بالسياسة. يقول الدكتور خزعل الماجدي:

“الإصلاح الديني الحقيقي يكمن في حظر العمل السياسي الديني، وتجنيب الدين الإسلامي ويلات وأحابيل السياسة. الدولة الحديثة المناسبة للعصر يجب ألا تكون دينية، وأن تعتمد على معايير الدولة الحديثة والمعاصرة، وأن يُترك الدين عفوياً بسيطاً بين الناس. وأن تنهض عوامل التحضر على أسس علمية صحيحة”.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.