إنه عيد للعمال وليس عيداً للعمل
Share
بمناسبة أول أيار عيد العمال، عدنا لنشهد بعض القوميين الاجتمايين يصرون على أنه عيداً للعمل وليس عيداً للعمال! وفي أحسن الحالات أنه “عيد العمل والعمال”.
لقد تعرضت عقيدة سعاده لـتأويلات غريبة، ليس فقط من خصومها، بل أيضاً من أتباعها أنفسهم. والسبب الرئيس في ذلك هو استشهاد سعاده باكراً جداً وهو لم يكد ينهي الشروح الأولية لمبادئه الأساسية.
إن تاريخ الفلسفة مليء بالأمثلة عن تعرّض الفلاسفة وفلسفاتهم لسوء التأويل، وأغلبه يأتي من تلامذة هؤلاء أنفسهم، قبل خصومهم. فها هو سعاده يتعرّض لسوء التأويل في مسألة هامة جداً وحساسة كثيراً هي مسألة العمل والعمال.
لا أدري كيف ولماذا ومتى صار من القوميين الاجتماعيين من يرفض تسمية عيد العمال بعيد العمال، ويصر على أنه عيد العمل! لكن بحثاً متروياً في كتابات مسؤولي الحزب بعد استشهاد سعاده يوصلنا الى ما يمكن اعتباره مصدراً لهذا الرفض وهذا الإصرار.
1 – في مقالة لجورج عبد المسيح بعنوان “تمجيد العمل” كتبها أول ايار 1953 يقول: “… ولهذا نعمل على أنصاف العمل ولا نقول بإنصاف العمال، لأن القومية الاجتماعية ترى وجوب القيام بواجب العمل المنتج الطبيعي في كل مواطن على الاطلاق”. وبعد ذلك انتشرت أفكار مثل: نحن لا نهاجم الاقطاعيين بل نطالب بإلغاء الإقطاع، نحن لا نهاجم الرأسماليين بل نهاجم الرأسمالية…ألخ.
فهل صحيح أننا لا نقول بإنصاف العمال بل نعمل على إنصاف العمل!؟ وكيف يمكن إنصاف العمل دون إنصاف العمال؟ هكذا كان البعض يفهم المبدأ الاصلاحي الرابع الذي يقول “بإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة”، فبدل من أن يعني له أن كمية العمل المبذول هي ما يعطي للإنتاج قيمته، وليس العرض والطلب هو ما يعطيه إياها، كما في الأنظمة الرأسمالية الفردية، صار هذا المبدأ لبعض السطحيين يعني أننا نقول بإنصاف العمل وليس إنصاف العمال!! وكأن العمل هو شيء مستقل عن العمال، وكأن إنصاف العمل لا يشمل إنصاف العمال، كأن العمل يتم بدون عمال يجب إنصافهم! وكأننا لم نقرأ سعاده يقول بإنصاف العمال. كأننا لم نقرأه في شرح المبادئ يقول:
“أن هذه الاقطاعات كثيراً ما يكون عليها مئات ألوف من الفلاحين يعيشون عيشة زرية من الرق يرثى لها. وليست الحالة التي هم عليها غير إنسانية فحسب بل هي منافية لسلامة الدولة بإبقائها قسماً كبيراً من الشعب العامل والمحارب في حالة مستضعفة… إن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يستطيع السكوت على هذه الحالة… وإذا ترك للفرد الرأسمالي حرية مطلقة في التصرف بالعمل والإنتاج كان لا بد من وقوع إجحاف بحق العمل والعمال.” وأيضاً: “نقول بالحق والعدل الذي يجعل مجموع الشعب في حالة خير وبحبوحة فلا يكون أناس في السماء وأناس في الجحيم”. وأيضاً: “ونهضتنا تريد أن تضع حداً لهذا الاستعباد ولأصحاب الرساميل الفردية الذين يستعبدون بواسطتها الناس“.
العقيدة القومية الاجتماعية تقول بإنصاف العمل ككل وليس فقط إنصاف العمال الصناعيين (البلوريتاريا)، وأن إنصاف العمل يتضمن ويعني إنصافاً لكل العاملين صناعة وغلالاً وفكراً وفناً، وضمنهم العمال الصناعيين. أما أن نقول بأننا ننصف العمل وليس العمال فهو قول يدل على تقصير في فهم العقيدة وحرفية مميتة في قراءتها لا زال منّا لحد اليوم من يقع فيها، ولا يمكن تفسير هذا التقصير وهذه الحرفية إلا بضيق الأفق أو بالإنفعال تجاه الشيوعيين المغرقين في تبني مصالح الطبقة العاملة الصناعية دون النظر الى مصلحة المجتمع حيث المجتمع هو وحدة حياة، أي وحدة مصالح ووحدة مصير.
سعاده خاطب العمال في عيدهم وتوجه إليهم بشكل خاص وقال لهم أن مصلحتهم هي من مصلحة مجتمعهم وبلادهم وأن حق العمل ونوال النصيب العادل من الإنتاج لا يمكن تأمينه في مجتمع فاقد السيادة على نفسه وعلى أرض وطنه مصدر حياته وموارده ومصالحه.
إن سعاده كان حريصاً جداً على إنصاف العمال وتأمين مصلحتهم المستمدة من مصلحة أمتهم ومجتمعهم، ففي مقالته بعنوان “العمال” كتبها بتاريخ 11/11/1937 في جريدة النهضة، وبعد أن نبه من خطر صرف العمال السوريين عن القومية وعن الإهتمام بمصلحة مجتمعهم، قال: “أما مسألة إنصافهم باعتبارهم شركاء في الإنتاج القومي فهي من المسائل القومية التي تجد حلها في المبادئ القومية” (الأعمال الكاملة 2 ص 257).
كما أن سعاده في مكان آخر أعتبر أن “صيانة مصلحة العامل التي جعلها الحزب السوري القومي في صلب مبادئه هي من ضمن الأفكار التي يقلدنا فيها الشيوعيون، إلى جانب محاربة الإقطاع واستعارة فكرة القومية” (الأعمال 2 ص 156).
2 – إن عيد العمال العالمي له وقت وموعد كل سنة في أول أيار، أما عيد العمل فغير موجود في الحزب السوري القومي الاجتماعي رسمياً. لم يحدث أن إتُّخِذ في الحزب، لا خلال وجود سعاده ولا بعد استشهاده، أي قرار بتخصيص عيد للعمل. ومن غير المفهوم كيف صار بعض القوميين يقلدون الدول الغربية الرأسمالية ويلغون عيد العمال ويقيمون مكانه وفي وقته وموعده عيداً للعمل!
إن بحثاً سريعاً وسهلاً في خزائن المعلومات التي توفرها لنا الشبكة العنكبوتية تفيدنا أن عيد العمال قد تم إحياؤه لأول مرة في 5 أيلول سنة 1982 في مدينة نيويورك الأميركية على أثر إضرابات عمالية متكررة للمطابة بتخفيض عدد ساعات العمل اليومية. أمّا تاريخ أول أيار فهو تاريخ الإضراب الكبير الذي قام به عمال شيكاغو في أميركا وعمال تورنتو في كندا تحت شعار “ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، وثماني ساعات راحة واستمتاع”، وقد سقط يومها 11 عاملاً برصاص الشرطة الأميركية و7 من رجال الشرطة قضوا بشظايا قنبلة تبين لاحقاً أن الشرطة نفسها هي من ألقتها. وفي سنة 1904 دعا إجتماع مؤتمر الإشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية في جميع أنحاء العالم الى عدم العمل في الأول من أيار من كل عام والسعي لجعله يوم إجازة رسمية. وفي العام 1955 باركت الكنيسة الكاثوليكية الأول من أيار عيداً للعمال وإعتبرت القديس يوسف بارا، أو يوسف النجار، شفيعاً للعمال والحرفيين. أمّا حكومة الولايات المتحدة الأميركية فلم تعترف بأول أيار عيداً للعمال بل أقرت أول يوم إثنين من شهر أيلول يوم إجازة لهم، وكذلك الأمر في كندا. وفي سنة 1958 عاد الرئيس الأميركي إيزنهاور وأعلن الأول من أيار يوم إجازة رسمية ولكن تم تسمية ذلك اليوم بيوم “عيد العمل” وليس عيد العمال.
ولا زالت لحد اليوم بعض الدول الغربية الرأسمالية ترفض أن تقيم عيداً للعمال بل تقيم بدلاً منه عيداً للعمل، ورغم ذلك فإن هذا التاريخ هو بالنسبة لعامة الشعب في تلك الدول، وفي ذاكرته، هو يوم للعمال وعيداً لهم. في مقابل ذلك نرى باقي دول العالم، وخاصة الشيوعية والإشتراكية منها، تحيي عيداً للعمال في أول أيار وتسمّيه “عيد العمال العالمي”.
إن هذا الأمر قيد يبدو تفصيلاً صغيراً، وقد يبدو شكلياً عند البعض الذي يقول: وما الفرق في أن نحيي عيد العمال في أيار أم في أيلول، وما الفرق بين أن نحيي عيد العمال أو أن نحيي عيد العمل طالما أن هذا اليوم هو يوم إجازة للعمال. لكن لا يخفى أن وراء هذا الإختلاف أسباباً جوهرية تتعلق بالصراع بين نظرتين وفلسفتين وموقفين من قضية العمل والعمال وحقوقهم، ووراءه تاريخ من الصراع والنزاع بين هاتين النظرتين.
أمّا بالنسبة لنا كقوميين إجتماعيين فعقيدتنا هي قومية إجتماعية مستقلة تقدم نفسها بديلاً للفلسفات “الأنانية”، كما يسميها سعاده، ويقول: “إن العالم الذي أدرك الآن بعد الحرب العالمية الأخيرة مبلغ الهلاك الذي جلبه عليه قيام الفلسفات الجزئية الخصوصية، الفلسفات الأنانية التي تريد أن تحيا بالتخريب، فلسفة الرأسمالية الخانقة وفلسفة الماركسية الجامحة، التي انتهت في الأخير بالاتحاد مع صنوها المادية الرأسمالية بقصد نفي الروح من العالم، وفلسفة الروح الفاشية وصنوها الإشتراكية القومية (النازية) المحتكرة الروح، الرامية إلى السيطرة به سيطرة مطلقة على أمم العالم. هذا العالم يحتاج اليوم إلى فلسفة جديدة تنقذه من تخبط هذه الفلسفات وضلالها. وهذه الفلسفة الجديدة التي يحتاج إليها العالم، فلسفة التفاعل الموحِّد الجامع القوى الإنسانية، هي الفلسفة التي تقدمها نهضتكم”.
لا يخفى أنه في فترة الخمسينات من القرن الماضي كانت سياسة الحزب تتسم بالعداء الحاد للمعسكر الإشتراكي، والميل للتعاون “بشروط” مع الدول الغربية الرأسمالية، ويظهر ذلك جلياً في الأدبيات الحزبية لتلك الفترة (راجع بيان الحزب بعنوان: الوضع السياسي في الوطن والعالم العربي- سنة 1955). ونعتقد أن إعتماد قيادة الحزب في تلك الفترة “لعيد العمل” بدلاً من عيد العمال، كان متأثراً بتلك السياسة. فلا ندري ما هو الخطأ في أن يكون للعمال عيد، وهم “أكثرية الشعب” كما يقول سعاده. فالحزب، خلال وجود سعاده كما بعد استشهاده، كان يقيم للمغترب عيد وللفلاح عيد وللأم عيد وللمعلم عيد وللطفل عيد وللشجرة عيد، فمن أين أتت هذه البدعة برفض أن يكون للعمال عيد، وبرفض تسمية عيد العمال بعيد العمال، والإصرار بدلاً من ذلك على تسميته عيداً للعمل؟!
إن سعاده في يوم عيد العمال أول أيار سنة 49 وجه نداءً إلى منتجي ثروة الأمة وبنائي مجدها استهله بمخاطبة العمال والفلاحين السوريين (الفلاحون هم أيضاً عمال). وإذا كان سعاده بعد ذلك أضاف في مخاطبته للعمال والفلاحين مخاطبته لأصحاب الفنون والحرف ومخاطبته للمنتجين علماً وفكراً وغلالاً وصناعة، وشمولهم في ندائه بمناسبة عيد العمال، فلأن هؤلاء هم أيضاً عمالاً، وإن كانوا غير صناعيين، ولأن عقيدته أجتماعية تقول بالمجتمع وحدة حياة ووحدة مصالح ووحدة مصير، وليس لأنه يرفض أن يكون للعمال عيد وهم أكثرية الشعب كما يقول في هذا النداء نفسه.
إن كون عقيدة سعاده اجتماعية قومية لم يمنعه في ندائه من تخصيص مخاطبة العمال والمزارعين السوريين دون غيرهم أكثر من مرة. تماماً كما أن كون المجتمع وحدة حياة ووحدة مصالح ووحدة مصير لم يمنع سعاده والحزب من أن يحيي عيد المغترب في بيروت أو عيد الفلاح في بعلبك أو المعلم أو الأم أو غيرهم، فلماذا يمنعه من أن يحيي عيد العمال؟! لماذا نغيِّر عيد العمال ليصبح عيد العمل ولا نغير عيد الفلاح أو المعلم أو الأم أو المغترب لتصبح هذه أعياد الفلاحة والتعليم والأمومة والاغتراب؟!
3 – ورب قائل أننا نحن من أساء فهم مضمون مقالة “تمجيد العمل” وأن كاتبها لم يقصد أن يغمط العمال حقهم ولا يرفض إنصافهم. لكننا نجيب أنه اذا كنا نحن قد أسأنا الفهم والتأويل فالذنب ليس ذنبنا بل ذنب الكاتب وحده، لأنه مسؤول وحده عن سوء الفهم هذا. فهو لم يستطع إيضاح العقيدة وأبعادها الحقيقية. فقد أساء إليها بدل أن يشرحها ويبيِّن صوابها. ودليلنا هو أنه في مقالته ذاتها يمعن في إساءة تفسير العقيدة حيث يقول: “بتمجيدنا للعمل نرفض تحقير مستغلي طاقة المجتمع. فمستغلو طاقة المجتمع إذا كانوا منه فهم مرضى يتوجب علينا العمل لشفائهم، وإذا كانوا أغراباً فعلينا أن نفهِمهم بقوتنا المادية- النفسية أن إنتاجنا يجب أن يكون بمجمله لنا”. هكذا فإن الكاتب ليس فقط يرفض القول بأنصاف العمال بل أيضاً يرفض تحقير مستغليهم. إنه يرفض تحقير الإقطاعيين والرأسماليين الفرديين المغرقين في فرديتهم فاقدي الوجدان القومي والشعور بمصلحة الأمة والوطن الذين يستغلون العمال والمنتجين (طاقة المجتمع). إنه بذلك كان يرفض قول سعاده عنهم أنهم “حقيرين” و “ذليلين في عظمة الباطل”.
إذا كان البعض يتجنب مهاجمة أصحاب الرساميل ممن أصابوا في عملهم نجاحاً إقتصادياً ومالياً، كي لا يخسرهم الحزب، خاصّة وأن منهم من آمن بالعقيدة القومية الاجتماعية وناضل في صفوفها وبذل من ماله من أجلها وضحّى في سبيل نصرتها، فسعاده لم يقصد هؤلاء بتحقيره وحملته، ولم يكن يريد إبعاد الأغنياء عن الحزب، بل كان يحمل على الإقطاعيين منهم وعلى الذين لم تعن لهم مصلحة الأمة ومصير الشعب في شيئ. كان يحمل على “الإقطاعي والرأسمالي المتحالفين مع الإقطاع والرأسمال الإنترنسيوني“، ولم يكن يحمل على الأغنياء أصحاب الرساميل من المواطنين بشكل مطلق. ومعروف أنه حتى الحركات الشيوعية التي تقول بالحرب الطبقية هي نفسها قد ضمت في صفوفها أغنياء ومتمولين وأصحاب رساميل “قد خانوا طبقتهم” حسب التعبير الماركسي.
إن مقالة “تمجيد العمل” لم تكن دفاعاً عن هؤلاء، ولم تكن حرصاً عليهم وعلى عدم خسارتهم وخسارة عملهم ودعمهم للحزب وللأمة، بل كانت دفاعاً عن “مستغلّي طاقة المجتمع” واعتبرت هؤلاء الأخيرين مجرد مرضى يتوجب علينا العمل لشفائهم، بل والعطف عليهم، أليس المريض يستوجب العطف؟ المرضى بالنسبة لكاتب المقالة هم مستغلو طاقة المجتمع وليس المرضى هم ضحاياهم، أو من خاطبهم سعادة قائلاً لهم: “وما أحقر الحياة التي تحيونها بالكدح والشقاء، الأمراض تساوركم والإعياء يلازمكم والازدراء يحدق بكم فكأنكم عبء على الحياة والحياة تفيض من در معاولكم ومطارقكم” (نداء الزعيم إلى منتجي ثروة الأمة وبنائي مجدها).
إننا عندما نرفض تحقير مستغلي طاقة المجتمع لأنهم مرضى يجب السعي لشفائهم، كأننا لم نقرأ سعاده ولم نفهم الحرب التي أعلنها وقال أننا حركة هجومية نهاجم الحزبيات الدينية ونهاجم الإقطاع المتحكم بالفلاحين ونهاجم الرأسمالية الفردية الطاغية”، وهل يمكن مهاجمة الإقطاع والرأسمالية الفردية الطاغية وبنفس الوقت مهادنة الإقطاعيين والرأسماليين الفرديين الطاغين؟ طبعاً لا، فها هو سعاده يخاطب العمال والفلاحين ويقول لهم: “أن صراعنا القومي أيها العمال والفلاحون هو صراع مزدوج. إنه صراع ضد الإقطاعي والرأسمالي المتحالفين مع الإقطاع والرأسمال الإنترنسيوني” (من ندائه إلى منتجي ثروة الأمة وبنائي مجدها). إن سعاده لم يأت لشفاء المرضى المستغِلين (بكسر الغين) بل أتى لشفاء المرضى المستغَلين (بفتح الغين). إنه جاء ليغير “النظام الاقتصادي السيء الذي يجعل مئات وألوفاً من الفلاحين في حالة من شظف العيش، في حالة من الجهل، في حالة من المرض والبؤس…خمدت في نفوسهم عوامل الحياة وشوهتهم الأمراض وأقعدهم الذل… وسن القوانين إلى أقصى حد ينمي حيوية الشعب ويعطي الخير العام مهما تذمر بعض الخصوصيين لما سيحرمون منه” (من شرح المبدأ الإصلاحي الرابع). ” يضع هذا المبدأ حداً للتصرف الفردي المطلق في العمل والإنتاج الذي يجلب أضراراً اجتماعية كبيرة” وأيضاً: “الرأسمالي عندنا أشد الناس ابتعاداً عن الإهتمام بأية قضية قومية أو وطنية أو بأي مصير للجماعة القومية. إن تخطيطه تخطيط فردي محض والمصلحة مصلحة فردية محضة، ولذلك لا يحجم حتى عن التحالف مع أي رأسمال أجنبي ضد مصلحة المجموع الذي هو أحد أفراده… إن وضع حد لحالة من هذا النوع أمر ضروري جداً” (نفس المصدر). “نحن نقول بحياة الأمة لا بقتلها ليحيا أفراد ليسوا من الأمة في شيء، ولا يمكن أن يكونوا، لأنهم جعلوا قضيتهم قبل مصلحة الأمة، لأنهم يعملون في سبيل باطلهم” (من خطاب الزعيم في البقاع الأوسط 23-4-48).
إننا إذا رفضنا تحقير مستغلي طاقة المجتمع ورفضنا محاربتهم، واهتمينا بمحاربة أمراضهم فقط من أجل شفائهم، فكأننا نرفض كلام سعاده التالي: “أن الذين يطلبون الفخفخة ويطلبون جاهاً لأشخاصهم يشترونه بآلام الشعب يبيعونها ليشتروا ذلك الجاه، هم في حقارة تعلو لتظهر بأقبح ما يمكن أن تظهر به حقارة في المجتمع الإنساني… حولنا ذل يكتسي ثوب العظمة، ذل حقير أناني يحاول أن يكوّن عظمة حقيرة أنانية! ما أكثر ما حولنا من هذه العظمات الحقيرة الأنانية التي لا يمكن أن ترى ذل الشعب ولا أن تتألم لآلام الشعب. أن هذه العظمة الأنانية لا تزال تفتك بموارد حياة هذا الشعب وتهلك موارد الأمة في حربها اللئيمة الذليلة لتقيم عظمة ذلها! أن الحرب قائمة بيننا وبينها وهي حرب ضرورية ليكون لنا الانتصار الذي نسير إليه. لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم، الذليلين في عظمة الباطل. نحن في صراع مع الإرادة الأجنبية ومع الإرادات الخصوصية المتحالفة معها ونأبى أن نهادن الواحدة أو نهادن الأخرى. ونابى إلا أن نحارب الاثنين معا لأن لنا القدرة على محاربة الفئتين المتحالفتين معا. إن لنا في الحرب سياسة واحدة هي سياسة القتال، هذه سياستنا الواحدة في الحرب، أما السياسة في السلم فهي أن يسلم أعداء هذه الأمة للأمة بحقها ونهضتها. إننا نريد أن يسلم الرأسماليون الجشعون بحق الشعب الذي يمتصون دماءه، إننا نريد أن يرتدع الإقطاعي الذي باع الوطن والأمة ويعترف بحق الفلاح والكادح. إننا نريد الإقطاعيين والرأسماليين أن يسلموا للشعب بحق الأمة ويعترفوا بحق العمال وحق الفلاحين، بحق هذا المجموع العظيم (الجماهير!) في الحياة والعز. هذه هي حربنا وهذا صراعنا. هكذا نفهم الحرب ونفهم السياسة وأننا واثقون أن فهمنا هو الفهم الصحيح وأن النصر الأخير لهذا الفهم، لهذه الحقيقة، لهذه الحركة القومية الاجتماعية” (من آخر خطاب لأول أذار 49).
إن سعادة يهاجم، يحارب، يقاتل، يصارع، ويرى الحرب ضرورية ضد “يهودنا الحقيرين في ماديتهم”، وضد “الفئتين المتحالفتين معاً”، ورغم ذلك لا يزال بعضنا يرفض تحقير هؤلاء ولا يرى فيهم ألا مرض يجب أن نسعى لشفائهم منه.
إن مبدأ “إنصاف العمل” ووجود مؤسسة “عمدة العمل”، لا يبرران أبداً الإجهاز على حق العمال في أن يكون لهم عيد، واستبدال عيد العمال “بعيد العمل”.