أشباه الألبان والأجبان… د. زهير جبّور
Share
تمهيد
تفتح الفينيق ملف ما يسمى بأشباه المأكولات في الشام! هذا الملف القديم الجديد، أحياه وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السيد طلال البرازي عبر القرار رقم 1293. ولكن وعلى أثر الضجة التي رافقت صدور القرار، تم الإعلان في وكالة سانا عن وقف العمل به، فيما أعلن الوزير أن تجميد القرار هو بقصد “حماية المستهلك“. وقد كان للدكتور زهير جبور الاستاذ في جامعة تشرين – كلية الزراعة – والذي يعمل في حقل فيزيولوجيا العقم والخصوبة عند الثدييات وعلى نحو خاص دور مضادات الأكسدة في ذلك، رأي في الموضوع. وللدكتور جبور ما يزيد عن 300 مقال وبحث في الدوريات العربية في حقول ثقافية وعلمية مختلفة. ويخشى عدد من الاختصاصيين والنقّاد أن ما يسمى بـ “التداول مع المختصين” ما هو سوى تمهيد لإعادة تمريره لاحقا.
أشباه الألبان والأجبان هو الإبداع العجيب لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السوري!!! ففي الوقت الذي يهتم فيه العالم بالنظام الغذائي المتوسطي الذي يشكل النظام الغذائي السوري عماده الرئيس، نظراً لأهميته في حماية صحة الانسان من الأمراض القلبية والعصبية التدهورية والسرطان، ولغناه بزيت الزيتون وبتنوع واسع من الخضروات والفواكه والحبوب والأسماك، التي تمد الجسم البشري بطيفٍ واسع ٍمن مضادات الأكسدة والعناصر الغذائية المختلفة، يطلع علينا الوزير طلال البرازي بالقرار رقم 1293،تاريخ 11/5/2021 ،الذي نشر بتاريخ 14/6/2021، ويسمح بموجبه بإنتاج أشباه الألبان والأجبان، وهي منتجات غذائية يدخل في تركيبها الأساسي الحليب ومشتقاته، ويضاف إليه حسب الرغبة الزيوت النباتية غير المهدرجة، النشاء المعدل، أملاح استحلاب، منكهات غذائية مسموحة”.!!!!
هذه المكونات لا تمتُّ بصلة إلى الأغذية الوظيفية التي تُعَدّل عادةً لتناسب صحة البشر الذين يعانون من أمراض واضطرابات وظيفية محدّدة بتخفيض مستوى الدهون أو السكريات، أو غيرها، بل إن هذه المنتجات من أشباه الألبان والأجبان سترفع نسبة المصابين بالسرطانات والأمراض القلبية والسكري، ولا يجوز أن يتم تداولها أو السكوت عليها، لأن نظيراتها الحقيقية من المنتجات في وضعها الراهن تسبب الكثير من الأمراض. وما دامت مخابر وزارة حماية المستهلك نائمة عن ثعالب الغشّ الفاحش والمتعدّد، فإن هذه الثعالب تتكاثر. بل ربما تعمدُ الوزارة إلى تسويق غشٍّ جديد، أو التشجيع على أنماط من الغش لم تكن مألوفة سابقاً!!!
غريبة تمظهرات الفساد في سوريا وأنماطه التي لا تنتهي، ولكن أن يصل الأمر إلى شرعنة وقوننة ما يدمّر صحة المواطن السوري بعبثية واستهتار ولا مسؤولية، فهذا أمر يفوق كل التصوّرات!!! وما يثير الأسى والحزن بل والسخرية في آن واحد أنهم يبررون هذا الخطوة بتيسير تناول ذوي الدخل المحدود لهذه المنتجات، لأنهم عاجزون عن شراء منتجات الألبان والأجبان الحقيقية !!!! يبدو أننا في سوريا أحدثنا تطويراً مدهشاً لاشتراكيتنا، وذلك بترسيخ التمايز الطبقي في المجتمع السوري بين طبقتين: طبقة تتناول الألبان والأجبان الحقيقية، وطبقة تتناول الألبان والأجبان الشبيهة أو المزيفة، ولا تكتمل الحلقة إلا بإنتاج اللحوم المزيفة !!!! ولا أشكّ أنّ أصحاب هكذا قرارات يرضعون حليباً حقيقياً من ببرونات الاقتصادي الأميركي الشهير لورنس سومرز (وزير المالية أيام كلينتون) الذي اقترح عبر مذكرته الشهيرة، “مذكرة سومرز” ترحيل الصناعات الملوثة من بلدان الشمال إلى بلدان الجنوب الفقيرة، لأن السرطانات الناتجة عن التلوّث من المواد الصناعية، ليس لها إلاّ الأثر القليل على صحة مواطني الجنوب، مادام أمل سكان العالم الثالث في الحياة، أقلّ من أملنا نحن الأميركيين (حسب تعبير سامرز !!!!) وهذا حال السوريين الفقراء، الذين لن يؤثر على صحتهم تناول أشباه الألبان والأجبان، ما داموا مصابين بكل علل الدنيا!!!!