مرحلة مصيرية
Share
تمر الأمة بلحظات حرجة لم تعهدها، منذ الجلاء السلطاني وإعلانها دولاً وممالك. فقد لمسنا التقهقر الشامي والفراتي، رغم أن الدولتين أدارهما أصحاب الفكر القومي المشدود للعروبة لأكثر من نصف قرن. ولولا التدخل الدولي والاقليمي لصالح النظام الشامي، للحق بنظيره العراقي ودخلت دمشق دائرة الشرذمة والتفتيت الذي تشهده بغداد. أما المقلب اللبناني فلا يسر الخاطر، رغم ما حققته المقاومة من انجازات بدحرها للصهاينة وعملية التحرير، الأمر الذي لم تستسغه القوى الغربية ومن خلفها الشركات العابرة للقارات لا سيما كارتيل النفط الذي من أجله تدور معارك الشرق الاوسط منذ إعلان بلفور. فأدخلت لبنان بمتاهة الفوضى منذ اغتيال الرئيس الحريري. أما الداخل الفلسطيني المدار من قبل أوسلو، فلولا أسود الضفة والمخيمات التي تزنرها، لما بقي للقضية أثر، رغم البطولات الغزاوية التي تذكر العالم بعدالة القضية.
تغيير هذا المشهد ليس بالأمر اليسير، لا سيما بعد الاستشراس الدولي لبقاء مصادر الطاقة تحت المظلة التي تدير هذا الملف منذ بدايات القرن الماضي لا سيما بعد إلغاء التغطية الذهبية للعملة الأميركية. إن القوى الغربية ذات المنهج الاستعماري التي تعيش شعوبها، لا سيما الاوروبية منها، تحت وطأة الحرب الروسية الاوكرانية مع شح مصادر الغاز، بدأت وكأنها مكبلة اليدين لعدم قدرتها على كبح جماح الولايات المتحدة الاميركية باعتبارها الخاسر الأكبر جراء اندلاع هذه الحرب، أولًا لاهتزاز الاستقرار الذي نعمت به بعد الحربين، وثانيًا لتمويلها القسري لتلك الحرب ناهيك عن الأسعار الفلكية للطاقة التي تدخل الخزينة الاميركية.
يمكن اعتبار التوسع في رقعة المواجهة بملف الطاقة، فرصة لالتقاط الأنفاس منذ حرب ال48، لكن مع الحالة الراهنة التي تسيطر على كيانات المنطقة لا يبدو أن عملية الالتقاط تحمل ايجابية ما، فالجميع يخبّص بالوحول من بغداد لدمشق ومن بيروت للقدس وليس هناك من بارقة أمل لتغيير قواعد اللعبة، لاسيما أن الدولتين الاقليميتين التي يمكن لهما لعب دور بإجراء خرق ما، كليهما لا تحظيان بإجماع عربي حول تدخلاتهما (ايران وتركيا).
في الخلاصة، لا بد من التنويه بقوى المقاومة ذات الامكانيات المتواضعة والذين يقاومون باللحم الحي لإبقاء الشعلة مضاءة وتذكير الجيل المنخرط بالعولمة دون فقه العواقب التي يمكن أن تجلبه لشعوبهم وبلدانهم، إن بإبقاء الشعب تحت سيطرة الرجعيين المشدودين للسلطة أكثر من الاستقلال والتحرر، كما وبقاء الحال النهبوي الدولي على ما درج عليه منذ اكتشاف القارة الجديدة.