يوميات إعلامية (2)- اعداد صوفي نادر
من المفترض أن يكون الأول من أيار يوم احتفال لعمال العالم أجمعين. احتفال بحقوق لم تأت بسهولة. اضرابات، مظاهرات، اصطدامات مع قوى الأمن واستشهاد العديد منهم. أتت بعد ثورات وسقوط أنظمة وتغيير أوطان. والحقوق التي حصل عليها العمال لا تعنى بحقوق العمل فقط. إنها حقوق احترام انسان منتج يساهم في نمو مجتمعه، وفي تربية أجيال تحمل مشعل الحق عاليا، ويساهم في حياة آمنة وخيِّرة
.
احتفال الأول من أيار هذه السنة كان ذكرى نضال العمال الطويل والشاق، وتذكيرا أن هذا النضال لم ولن ينته طالما هناك ظالم ومظلوم، عامل ورب عمل. فالصور التي تناقلتها الصحف وفيها الاعتقالات والاصطدامات في دول متحضرة منها ونامية تثبت أن الانسان لم ينل بعد كافة حقوقه على الإطلاق بل أنه ما زال محروما من نواتها ألا وهي حق التعبير عن الرأي.
المؤسف في هذا، أن النضال لم ولن ينته طالما لم تتغير نظرة العالم إلى العالم. ما زال العالم يرى أن هناك فرقا شاسعا بين الرئيس والمرؤوس، بين العامل ورب العمل وأن الحقوق التي أعطيت للمواطن كانت عطفا ممن يستطيع العطف على أفراد ملزمين بالعمل لخدمتهم. ما زال رئيس الشركة، مدير المدرسة، النائب والوزير وحتى رؤساء الأحزاب ذوي الأيديولوجيات، يتصرفون على أساس طبقية مهنية وفكرية، ويدعون أن الحقوق موجودة ومطبقة. ما زال رب العمل يأذن ويمنع، ما زال رب البيت يأذن ويمنع، ما زال المجتمع برمته يأذن ويمنع. وطالما هناك أرباب تأذن وتمنع سيبقى الانسان يطالب ويناضل للحصول على حقوقه. وطالما المجتمع في تحول مستمر ستكون المطالب كذلك في تحول وتغير مستمر لأنها ليست ثابتة. إنها متحركة بحركة المجتمع ونموه وتطوره، ترافق تطور الأفكار، ترافق تطور التقنيات، وترافق تطور المفاهيم بأكملها.
المشكلة ليست في حقوق أعطيت أم سلبت؛ المشكلة في نظرتنا إلى الانتاج وتعريفه. علينا أن نعيد التفكير في العمل والانتاج ودور الانسان المنتج أيا كان مجال انتاجه. المجتمع المنتج هو صورة طبق الأصل عن المجتمع بشكل عام. كل منا منتج بطريقته. فإذا كان الفرق واضحا مثلا بين من يعمل في مؤسسة مالية وآخر في مؤسسة ثقافية فذلك ناتج عن الفارق الموجود في المجتمع نفسه وفي الفكر الذي يحرك هذا المجتمع القائم على خاصية واحدة من الانتاج: المال. إذا كان الفرق موجودا بين رب الأسرة وربته فهذا يعود إلى الفكر الذي يحرك المجتمع إذ يعتبر هذا منتجا للمال وتلك غير منتجة على الإطلاق.
إن تطور المجتمعات يحتم علينا تطوير أفكارنا وتوجهاتنا. لا يحق لأي فرد في مجتمع أن يعطني حقا طالما هذا الحق حقي. فبمجرد أن أعطى حقا فذلك يعني أنه ليس لي في الأصل وأعطيت إياه كرما وحسن أخلاق. وبمجرد أن يفكر أحدهم أن يعطني حقا فذلك يعني أنه أفضل مني وأعلى مني طبقة وهذا أمر مرفوض في مجتمع متساو في الانتاج؛ متساو في فكر الانتاج وليس في مال الانتاج.
نمو المجتمعات دليل قاطع على نمو فكر الانسان. وفي فكر الانسان هناك الانسان الفكر، الانسان المتحضر، الانسان المجتمع. فإذا تناسينا أنه أنسان مجتمع وعملنا فرادا سنبقى نطالب بحقوقنا ممن لا يحق له إعطاء حقوق لأنه مثله مثل أي فرد يعمل فرادا، يعمل لمصلحته الخاصة على حساب مصالح أفراد آخرين ينتمون إلى مجتمعه.
المجتمع هو الانتاج، هو العمل. فلا يجوز إعطاء حقوق لمجتمع لأن حقوقه ولدت بولادته.