قراءة جديدة في التعديلات الدستورية لعام /2001/ وما يليها-الأمين ميشال الحاج*
ومناقشة نفاذها في ضوء أداء المؤسسات
حفلت التعديلات الدستورية التي طرأت على نص الدستور الأساسي الذي وضعه حضرة الزعيم الجليل بجملة ثغرات ومغالطات تجافي قواعد العلم الدستوري وتمس بأساسات الأحكام التي تبنى عليها الدساتير. هذا فضلاً عن الاختلاطات في حشد قوانين لا علاقة لها بالدستور وجمعها في كتاب واحد أطلق إليه دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي.
نلفت هنا الى أن هذه المناقشة إنما تنحصر في التعديلات الدستورية التي حصلت في العام / 2001/ وما يليها والتي أقرها المجلس الأعلى بموجب قوانين لم ينشرها وفقاً للمادة السابعة من الدستور الأساسي مما أفقدها فاعلية نفاذها كقوانين صالحة للتطبيق. وستعمد في دراستنا الى مناقشة القواعد التي انبنى عليها الدستور المعمول به راهناً مستهدفين تصحيح الخلل البنيوي الذي شاب هذا الدستور وأدى بالتالي الى تشوهات في الأداء النظامي للمؤسسات الحزبية.
وعليه،
لم ينص الدستور المعمول به منذ العام /2001/ على أن السلطات الحزبية موزعة كما كل دساتير العالم الى ثلاث سلطات وهي: السلطة التشريعية ويمثلها المجلس الأعلى، السلطة التنفيذية ويمثلها رئيس الحزب. لكن دستور الحزب لم ينص على السلطة القضائية وفقاً للمادة العاشرة من الدستور المعدل التي تنص على ما يلي: ” للحزب السوري القومي الاجتماعي سلطة تشريعية يتولاها المجلس الأعلى وسلطة تنفيذية يتولاها رئيس الحزب يعاونه مجلس عمد. تنظم بقوانين خاصة صلاحيات واختصاصات كل سلطة وأصول انتخاب وتعيين أعضائها “.
ينهض من نص المادة العاشرة من الدستور المعدل أنها تعين السلطات الاساسية في الحزب وتحددهما بأنهما السلطة التشريعية والتنفيذية دون الإلماع الى السلطة القضائية التي يقتضي ضمها الى السلطتين المذكورتين ليستقيم بناء النظام الأساسي الذي يشكل المؤسسات السلطوية في الحزب.
جاء في مقدمة القانون الدستوري عدد / 13/ 2001/ والذي يعالج أحكام التنظيم القضائي أن الزعيم أنشأ المحكمة الحزبية المركزية في خطابه التاريخي أول حزيران سنة /1935/ وفق تعميم عمدة الثقافة والفنون الجميلة.
من المعيب القول إن المحكمة الحزبية المركزية أو أية محكمة في أكثر دول العالم تخلفاً أنها تنشأ بخطاب. وأن نشوء المحكمة عممته عمدة الثقافة والفنون الجميلة دون بيان رقم هذا التعميم وتاريخه ودون بيان ماهية اختصاص وصلاحية عمدة الثقافة لتعميم هذا الإنشاء ودون بيان كيفية نفاذ إنشاء المحكمة بتعميم. فكأن إنشاء المحكمة تم بعلم وخبر عممته عمدة الثقافة.
علماً أن المحاكم تنشأ بقانون يصدر عن سلطة صاحبة صلاحية كما جاء في القانون الدستوري / 13 / 2001 / المختص بالمحكمة الحزبية لكن الأسباب الموجبة لصدور هذا القانون لا تأتلف مع القواعد التي انبنى عليها هذا القانون ذلك أن المحكمة الحزبية المركزية أنشأها الزعيم بموجب قانون دستوري في شهر أيار من العام / 1949 / ولم يصل الينا ما إذا كان هذا القانون قد نشر أو لم ينشر ولا ندري لماذا لم يدرج هذا القانون بالدستور.
من المعلوم في علم القانون أن القانون ليصبح نافذاً ومعمولاً به ويخضع له المواطنون يجب أن ينشر في الجريدة الرسمية العائدة للدولة. وليخضع له القوميون يجب أن ينشر في النشرة الرسمية العائدة للحزب ويقتضي بالتالي عند نفاذ القانون ذكر رقمه وتاريخه ومكان وتاريخ نشره.
إن جميع القوانين الصادرة في العام / 2001 / والتي بموجبها تم تعديل الدستور لم تنشره النشرة الرسمية لأن هذه النشرة لم تكن تصدر في ذلك التاريخ مما يجعل من هذه القوانين الدستورية مشوبة بعيوب تطال صحة نفاذها وتطبيقها على القوميين الاجتماعيين لعلة عدم نشرها. إلا أذا اعتبر التعميم لهذه القوانين بمثابة النشر علماً أن الفرق التقني والعلمي بين مفهومي التعميم والنشر واضح وواسع.
هذا مع الإشارة الى ان القوانين الدستورية المتعلقة بالإنتخابات وقانون العقوبات وأصول المحاكمات وهيئة المنح وغيرها ليست في حقيقتها قوانين دستورية كالقانون المتصل بالمجلس الأعلى من حيث كونه سلطة تشريعية كما القانون المتصل برئاسة الحزب كونها السلطة التنفيذية حيث يحدد هذا القانون تأليفها وإنتخابها وسلطتها وصلاحياتها وكيفية إقامة التوازن فيما بينها. حتى القانون الدستوري عدد (12) والمتعلق بالنظام الداخلي للمجلس الأعلى لا يندرج في نطاق المفهوم القانوني للقانون الدستوري.
هذه القوانين المشار اليها أعلاه والتي حشرت في الدستور لا تتصف من حيث مبناها وماهيتها وصلاحيتها وأهدافها بصفة القوانين الدستورية فهي قوانين مكمّلة وبذات الوقت مستقلة عن القوانين الدستورية المحددة والمنحصرة بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وعليه يقتضي تعديل المادة العاشرة من الدستور بادخال السلطة الثالثة وهي السلطة القضائية في الدستور الى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية لاستكمال هيكلة التنظيم القومي الإجتماعي وذلك بالاسترشاد بقانون المحكمة الذي وضعه الزعيم ومقاربته بالقانون الدستوري عدد /13/2001/ في صلب الدستور لكونه يشكل المبنى القانوني للسلطة القضائية التي يقتضي توزيع مهامها وصلاحيتها بين الأعمال الإدارية والأعمال القضائية. علماً أن هذا القانون تشوبه ثغرات بنيوية يقتضي تعديلها وهذا ليس مجال الكلام فيه هنا.
في وجوب الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية:
نصت الفقرة /16/ من المادة /19/ من القانون الدستوري عدد/9/2001/ المعدل بصلاحيات المجلس الأعلى على ما يلي:
“صلاحيات المجلس الأعلى:
16- تعيين رئيس وأعضاء المحكمة المركزية وفق قانون التنظيم القضائي، وقبول استقالاتهم وإقالتهم وإعفائهم“
ينهض من هذا النص سلطة المجلس الأعلى في إقالة وإعفاء رئيس وأعضاء المحكمة الحزبية المركزية دون أي إجراء تمهيدي يطال هؤلاء المسؤولين المركزيين الذين يتولون شؤون القضاء في الحزب ودون النص على وجوب إجراء تحقيق بما ينسب إليهم من إخلال يطال أعمالهم أو وجوب محاكمتهم مسلكياً لإساءتهم استعمال سلطتهم ودون مراجعة رئيسهم.
إذا كان الإعفاء أو الإقالة تطال أحد أعضاء المحكمة فحكم الإقالة والإعفاء لهؤلاء المسؤولين جاء باتاً وجازماً دون قيد أو ضابط. ليستقطب المجلس الأعلى لنفسه سلطة الإقالة والإعفاء بدون أية محاسبة. أن النص المشار إليه أعلاه ينال من مؤسسة المحكمة بالذات ومن مكانة رئيسها وأعضائها في سلم الوظائف والمسؤوليات الحزبية فضلاً عن هيبة القضاء وما يوجبه من احترام ونزاهة عن الشوائب والسقطات.
هذا فضلا عن أن حكم الإعفاء أو الإقالة يجب أن يتناسب مع حجم الارتكاب المنسوب لعضو المحكمة أو الرئيس وليس بسبب سجال حصل بين عضوي المحكمة وأعضاء من المجلس الأعلى كما حصل في إقالة عضوين من المحكمة بسبب سجال لا يتصل بالحكم الذي صدر عن المحكمة عام / 2016 /.
وعليه يقتضي تعديل هذا النص من أجل إقامة التوازن بين السلطتين التشريعية والقضائية وبالتالي إقامة الفصل بينهما فلا تسلط من إحداها على الآخر وفق النص القانوني المخالف لقاعدة فصل السلطات وذلك بإضافة اجراء تحقيق ومساءلة عما ينسب الى رئيس المحكمة والعضو فيها من لجنة مؤلفة من ممثلين عن المجلس الأعلى والمحكمة للبت فيما يشكل اساءة لاستعمال السلطة.
في الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية:
لا يختلف اثنان من متابعي حركة الحزب في السنوات الأخيرة الى أن الحزب خضع في دوائره العليا لأزمة مؤداها تسلط المجلس الأعلى على السلطة التنفيذية. وبحيث منع وبدون وجه حق رئيس الحزب من تشكيل مجلس عمد متدخلاً وبدون صلاحية في أمر الموافقة على عمد يختارهم الرئيس.
في المبدأ من حق رئيس الحزب أن يختار فريق العمل من القوميين الذين يرتاح الى التعامل معهم ويثق بكفاءاتهم وقدراتهم في انجاح الخطة الحزبية التي يقترحها وليس من حق المجلس الأعلى أن يفرض على الرئيس عميداً أو أكثر ممن لا يوافق الرئيس على التعامل معهم. إن رفض المجلس لعمد يختارهم الرئيس من صلاحياته الدستورية يجعل من المجلس الأعلى متسلطاً على السلطة التنفيذية متدخلاً في إنشاءها وتعيينها من قبل الرئيس بما يسقط الفواصل بين السلطات ويجعل من السلطة التنفيذية فاقدة لأهم المرتكزات الدستورية التي توفر لها الحرية في تقرير العمل التنفيذي.
وكيف يكون الرئيس مسؤولاً تجاه المجلس الأعلى عن أعمال عمد غير مختارين ومعيين منه.
إن علاقة المجلس الأعلى كسلطة تشريعة برئيس الحزب كسلطة تنفيذية تنحصر تحديداً في مسألتين:
- الموافقة على الخطة الحزبية التي تضعها السلطة التنفيذية في متناول المجلس الأعلى للدراسة والموافقة أو التعديل.
- مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها عن كل خلل قد يحصل في مجرى تنفيذ الخطة الحزبية أو في الخروج عن النظام والقواعد الدستورية النافذة.
ولهذا يعود لرئيس الحزب حضور جلسات المجلس الأعلى ومناقشة سائر المسائل السياسية والإدارية والإقتصادية والمالية والأمنية والإعلامية والثقافية والتربوية والبيئية وشؤون عبر الحدود وغيرها …
وإن كل غياب لرئيس الحزب عن مناقشة هذه المسائل يجعل من سائر القرارات الصادرة بموجبها القرارات مشوبة بعطل دستوري قابل للطعن والمراجعة.
وعليه،
فإن تدخل المجلس الأعلى في صلاحيات رئيس الحزب يجعل من مبدأ فصل السلطات مفقوداً أدى الى خلل أصاب مسار الحزب بالتعثر والشلل في السنوات الأربع الماضية نتج عنه أربعة رؤساء للحزب مع خامس بالإنابة وهي فترة زمنية قصيرة وقياسية.
نلخص مما تقدم أن المجلس الأعلى يتعارك بالخطأ مع الدستور منذ التعديل الدستوري الأول عقب انتخابه في العام / 2016 / بغية جعل ولاية الرئيس تبلغ ثلاث دورات الأمر الذي استوجب الطعن بهذا التعديل أمام المحكمة الحزبية العليا التي فصلت به وأبطلت تعديل الدستور ذلك أنه لا يجوز قانوناً تعديل الدستور ليتناسب مع حالات ليست استثنائية وليست طارئة وليست موجبة.
كما التجاوز للنصوص الدستورية المتصلة بالمؤتمر القومي بحيث دعى الى انتخابات حزبية من خارج صلاحياته الدستورية ومغيباً بالكامل لمؤسسة المؤتمر القومي الواجب انعقاده في السنة الرابعة والاخيرة على انتخاب المجلس الأعلى وهيئة منح رتبة الأمانة. وعلى هدي ما تقدم تبرز الصورة الحزبية العامة أننا أمام أزمة دستور وأزمة أداء حزبي وأزمة حلول وعلى القوميين ابتداع المخارج للحالة المأزومة وذلك بتفعيل مؤسسة المؤتمر القومي وإنعقاده وفقاً للأصول وانبثاق سلطة حزبية جديدة عنه تتولى إدارة الحزب للسنواب القادمة.
في الفصل بين صلاحيات المجلس الأعلى وصلاحيات المؤتمر القومي:
مما لا شك فيه أن المشترع الحزبي وضع في القانون الدستوري عدد /17/2001/ النظام الأساسي للمؤتمر القومي العام الذي ينبثق بالإنتخاب العام من أعضاء المؤتمر لمدة أربع سنوات وهو مؤلف من رئيس ونائب رئيس وثلاثة نواميس ينتخبون بالإقتراع السري وحدد المشترع القومي صلاحيات هذا المؤتمر في المادة الثالة من ذلك القانون.
وقد عين المشترع صلاحيات المجلس الأعلى فيما يتصل بالمؤتمر القومي في حالة واحدة تتمثل بتعيين مكان وزمان المؤتمر بالتشاور مع رئيس الحزب. أما سائر الأعمال التحضيرية والمؤتمرات الفرعية وتلقي الدراسات وتنسيق محاورها وتنفيذ أعمال المؤتمر فكلها مناطة برئيس وهيئة مكتب المؤتمر. ولا ندري ماهي الأسباب الموجبة التي حدت بالمشترع الحزبي الى تكليف رئيس الحزب بإفتتاح أعمال المؤتمر بدلاً من رئيس المؤتمر علماً أن رئيس الحزب ليس من المؤسسات المكونة للمؤتمر كما هو ثابت بالمادة الثانية من القانون الدستوري عدد /17/2001/ وهذا ما يشكل خللاً في التشريع بحيث أعطي من لا صلاحية له في أعمال المؤتمر أن يفتتح أعماله بدلاً من رئيسه.
وأكثر من ذلك عصفت الفوضى الدستورية بمراكز الحزب العليا فيما يخص المؤتمر بأن دعا رئيس الحزب الى مؤتمرات فرعية في منفذيات مستبعداً دور وصلاحيات رئيس المؤتمر الدستورية ومتعدياً على صلاحياته. كما دعا المجلس الأعلى الى حضور المؤتمر القومي العام بموجب القرار /09/88/ تاريخ 8/5/2020 عممه عميد الداخلية بالتعميم رقم /35/ تاريخ 10/7/2020 في حين أن صلاحية المجلس الأعلى تنحصر في تحديد زمان ومكان المؤتمر وليس بالدعوة الى حضوره والفرق واضح وكبير بين المسألتين كما أن المجلس الأعلى حدد جدول أعمال المؤتمر بما يلي:
- انتخاب هيئة مكتب المجلس القومي.
- انتخاب أعضاء المجلس الأعلى.
- انتخاب هيئة منح رتبة الأمانة.
علماً أنه ليس من صلاحية المجلس الأعلى تحديد ووضع جدول أعمال المؤتمر وذلك أن هذا الجدول منصوص عنه في المادة الثالثة من القانون الدستوري عدد /17/2001/ والتي تنص على ما يلي :
مهام المؤتمر العام:
- الاستماع الى بياني المجلس الأعلى ورئيس الحزب ومناقشتها.
- مناقشة الأوضاع السياسية القومية والعربية والأنترنسونية.
- تقديم الاقتراحات الخطية في الشؤون الدستورية والعقدية ومختلف المواضيع التي تطرح لمناقشة وابداء الرأي.
- رفع التوصيات الى السلطات الحزبية المختصة من الأوضاع والشؤون المذكورة.
يتبدى من دعوة المجلس الأعلى الى حضور المؤتمر القومي العام وبين النص الدستوري المتصل بمهام المؤتمر أن دعوة المجلس الأعلى تنحصر فقط بالعملية الانتخابية ولاعلاقة لهذه الدعوة بمضمون مهام المؤتمر. فتوصيف دعوة المجلس الأعلى لا تخرج عن كونها لقاءاً انتخابياً وليست مؤتمراً. علماً أن المؤتمر يدعو له رئيسه المنتخب دستورياً وقانونياً في المؤتمر العام المنعقد في العام /2016/ وهو من يتولى تنسيق أعماله حتى الانتخابات التي هي من ضمن أعمال المؤتمر تجري في ظل رئاسة المؤتمر ومكتبه إلا أن المجلس الأعلى أسقط تعسفاً وتحكماً مؤسسة دستورية كاملة من دورها وصلاحياتها الدستورية ونصب نفسه مكانها خلافاً للدستور وخلافاً للأعراف والتقاليد الحزبية علماً أنه ليس من صلاحية المجلس الاعلى الدعوة الى إجراء انتخابات.
هذا مع الإشارة الى أن المجلس الأعلى دعا الى انتخاب هيئة المجلس القومي مع الاشارة الى أن انتخاب هذه الهيئة لايتم في المؤتمر بل في جلسة خاصة للمجلس القومي.
وهكذا يستقطب المجلس الأعلى لنفسه ويستولي على كافة مؤسسات الحزب من محكمة حزبية عليا ورئاسة الحزب ورئيس هيئة مكتب المؤتمر خلافاً للدستور مع أن الزعيم الجليل أعلن “إن أعظم أعمالي بعد وضع العقيدة هي إنشاء المؤسسات” فهل أن الصورة المرسومة أعلاه تشهد على وجود مؤسسات.
هيئة منح رتبة الأمانة:
ضج الصف الحزبي من قرارات هيئة منح رتبة الأمانة التي يستولدها المؤتمر القومي العام كل أربع سنوات بنتيجة علمية انتخابية من المجلس القومي.
ويتفاجأ الصف الحزبي بقرارات هيئة المنح الفاقدة للمعايير الدستورية في تقييم من تمنحهم هذه الرتبة الخطيرة.
ويتفاجأ القوميون الاجتماعيون بالأعداد المتزايدة للممنوحين رتبة الأمانة حتى أصبح عدد الأمناء يساوي أم يزيد عن عدد الأعضاء العاملين بالحزب.
ويشار هنا الى أن قرارات هيئة منح رتبة الأمانة غير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن أو المراجعة أمام أي سلطة حزبية أخرى.
علماً أن القانون الدستوري عدد /7/ لعام /1937/ المعدل الخاص لمنح رتبة الأمانة نص في مادته الثانية على شروط تكاد تكون تعجيزية يقتضي توفرها للمرشح لرتبة الأمانة نظراً لخطورة هذه الرتبة وللدور المناط بها في حركة الحزب العامة.
إلا أن ما صدر عن هيئة منح رتبة الأمانة من قرارات تتصل بمنح أعضاء الحزب هذه الرتبة الهامة يخالف الشروط والمعايير الواجب توافرها في منح هذه الرتبة واستبدالها بمعايير أخرى تكاد تكون متوافرة لمرشح للعضوية الحزبية فتدنى مستوى أداء هذه الرتبة حتى صار الأمين بمستوى الرفيق العادي فهماً وثقافةً وصراعاً وتضحيةً وإيماناً ونضالاً وقدرةً.
وعليه إن الخلل الحاصل في المعايير المعتمدة من قبل هيئة منح رتبة الأمانة المنصوص عنها في المادة الثانية من القانون الدستوري عدد /7/1937/ المعدل جعل من رتبة الأمانة فاقدة لجوهرها ودورها الريادي في حركة الحزب بما يستوجب إعادة النظر في قرارات هيئة المنح الممتدة من عشرين عاماً حتى اليوم من أجل إعادة مشروعية هذه الرتبة وألقها ومكانتها الراقية ومنحها لمن يستحقها وفق المعايير والشروط التي يقتضي توفرها لمنح هذه الرتبة وفق المادة الثانية المشار إليها أعلاه.
لكن ما يجدر الاشارة اليه وبقوة هو أن العمل الخطير الذي مارسته هيئة منح رتبة الأمانة أدى الى نسف أعظم أعمال الزعيم والتي ميزته عن سائر الباحثين والمفكرين في علم القانون الدستوري وعلم السياسة في العالم بأن أدخل الزعيم مفهوم الديموقراطية التعبيرية في تقرير المسائل السياسية والأدارية والأعلامية والمالية والدفاعية والثقافية وغيرها في الحزب والدولة عن طريق اعتماد منهج الأداء الحزبي من قبل النخب الفكرية والثقافية والعلمية والذين امتازوا بنجاح تجاربهم وعمق فكرهم وصدق توجهاتهم وصلابة عزيمتهم وصواب حكمتهم وحنكتهم وشمول ثقافتهم والتزامهم وسعة علمهم وقوة جرأتهم. وهذا ما عبر عنه حضرة الزعيم من معنى في منح رتبة الأمانة وهذا التوصيف المتوافر الشروط يتيح للأمين التعبير بجدارة عن الارادة العامة الهادفة الى تحقيق مصالح الحزب وغايته كما يسمح لمن توافرت في شخصهم هذه الشروط من حسن اختيارهم بأن يكونوا هم مختارين لقيادتهم الحزبية.
إلا أن ما نلاحظه في أرض الواقع هو خلاف ذلك تماما فالمعايير التي اعتمدت من لجنة المنح لا تتيح لمعظم من منحوا رتبة الأمانة التعبير بجدارة عن الارادة العامة للقوميين بما يجعل من القدرة التعبيرية عن ارادتهم مفتقدة. وهذا ما يدعو بقوة الى اعادة نظر جديّة في القرارات الصادرة عن هيئة منح رتبة الأمانة كما يدعو الى إعادة النظر في المعايير المعتمدة في اختيار رئيس وأعضاء هيئة المنح لأن ما كان قائماً وما هو قائم لا يدعو الى التفاؤل بمستقبل حزبي زاهر وواعد. لا سيما وإن رتبة الأمانة هي شهادة بمؤهلات صاحبها والمؤهلات لا تقرر بالإنتخاب بل بالامتحان في أرض الصراع.
وأخيراً إن التعديل الدستوري الذي أجراه المجلس الأعلى والذي تناول فيه تمديد مهلة المؤتمر القومي شابه الكثير من الثغرات الدستورية فضلاً عن اعتماده معايير من خارج النص الدستوري ولم يجر الطعن بهذا التعديل لا سيما وأن المحكمة التي تنظر بمثل هذا الطعن هي عاطلة عن تحقيق العدالة القومية بسكوتها عن البت بالطعون الإنتخابية بحيث سينتخب أعضاء في المجلس القومي مطعون بإنتخابهم وبالتالي بعضويتهم، هؤلاء سيساهمون في تقرير من سيكون في عداد أعضاء المجلس الأعلى القادم وهؤلاء سيساهمون أيضاً في تقرير من هم رئيس وأعضاء هيئة منح رتبة الأمانة. ومن هم رئيس وهيئة مكتب المؤتمر القومي العام.
وفي المحصلة يستفاد من المشهد الحزبي المرسوم أعلاه أن الحزب في أزمة كبرى مسؤول عنها مباشرة المجلس الأعلى بتفرده اختزال مسار الحزب مستقطباً لنفسه سائر الصلاحيات الحزبية. علماً أن التعديل الدستوري الأخير على ما شابه من ثغرات جعل السلطة الحزبية في حالة فراغ دستوري لا يمكن تلافيه إلا بتفعيل مؤسسة هيئة مكتب المؤتمر ودعوته الى مؤتمر قومي عام ينعقد وفق الأصول الدستورية بغية لملمة ما سقط من ثغرات وأخطاء دستورية.
نلخص في كل ما تقدم أن الحزب لا يدور على محوره الطبيعي ولا يوصل للغاية التي أنشئ لأجلها وأن حصر القرار المركزي بالمجلس الأعلى ينقض القواعد الدستورية الملزمة كما يجافي القول إن الحزب هو حزب مؤسسات.
* الأمين ميشال الحاج. انتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1966، تسلم مسؤوليات مدير كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية عام 1968 ثم ناظر إذاعة في المنفذية الكورة عام 1971 ثم تسلم مسؤولية منفذ عام الكورة عام 1973. خلال الحرب الأهلية تدرج في مسؤوليات عديدة في نطاق المنفذية طرابلس. بعد الحرب انتخب عضوا في المحكمة الحزبية المركزية عام 1994. في العام 2009، انتخب رئيسا للمحكمة الحزبية حتى العام 2016 حيث استقال. محام بالاستئناف في طرابلس. متزوج من الرفيقة غادة وجيه الأيوبي. له دراسات وأبحاث في القانون والفكر القومي الاجتماعي بعضه منشور وبعضهم لم ينشر بعد.