تاريخنا… لنا
ليست الفقرات التي سأدونها أدناه مرتبطة بأزمة الحزب السوري القومي الاجتماعي المتفاقمة. فالذي لا يعترف بوجود هذه الأزمة وبمخاطرها على مستقبل الأمة، إما أنه هبط علينا في هذه اللحظة من كوكب المريخ أو أنه بحاجة إلى مجمع أطباء لا لفحص قواه العقلية… وإنما للتأكد مما إذا كان يتمتع بقوة عقلية في الأساس.
هذه الأزمة استدعت أن يتنادى القوميون الاجتماعيون في الوطن وعبر الحدود للبحث في سبل الخلاص والمعالجة. ولأن السكين قد بلغت العظم، كما يقولون، فمن الطبيعي أن تتنوع الأفكار والمشاريع وأن تتناقض أيضاً. إن التوصل إلى صيغة موحدة جامعة تتطلب جهداً دؤوباً. ولا شك عندي في أن العقل القومي الاجتماعي الجمعي أكثر من مؤهل لتلك المهمة، طالما أننا ننطلق من قاعدتين جوهريتين حددهما سعاده: المبادئ هي قواعد لانطلاق الفكر، والعقل هو الشرع الأعلى. فالذين يجتهدون ويخطئون لهم شرف المحاولة، والذين يجتهدون وينجحون لهم عرفان الأمة وتقديرها العميق.
ما لفت نظري في بعض الأفكار المتداولة على وسائط التواصل الاجتماعي نقطة تتعلق بتاريخ الحزب في مرحلة سعاده، وفي الفترات التي أعقبت استشهاده. إذ يرى بعضهم أننا لسنا مسؤولين عن سبعين سنة من عمر الحزب، وما تحمله من خبرات وتجارب بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات. أي أن أصحاب هذا الرأي يدعون إلى قطيعة زمنية ومعرفية مع تاريخ مئات الألوف من القوميين الاجتماعيين الذين سجلوا صفحات ناصعة في سياق العمل النهضوي التأسيسي، وغيّروا بشكل أو بآخر وجه العمل الحزبي في الأمة السورية.
إن مسببات الأزمات الحزبية تختلف بين طرف وآخر، غير أنها تسعى جميعاً إلى النيل من تاريخ القوميين. كل المنحرفين يميناً ويساراً، لبننة وعربنة ومَرْكَسَةً وبعثنة، فساداً وإفساداً، يهمهم أن تترسخ صورتهم هم بالذات (المشوهة بمقياس المناقب القومية) لدى الرأي العام على حساب المثال القومي الراقي الذي يجسده القوميون الاجتماعيون بغالبيتهم الساحقة. فعن طريق تغييب أو إلغاء إنجازاتنا المعترف بها حتى من خصوم النهضة، يجد الفاسدون المُفسدون المبرر لحرف الحزب عن بوصلته الدقيقة.
ولطالما شدد سعاده على دراسة تاريخ الحزب كجزء حيوي من عملية البناء القومي، بما تتضمنه من أخطاء وانحرافات. وأعتقد أن بين القوميين الاجتماعيين اليوم، على رغم التردي الإداري، مَنْ هو أهل للتعامل مع مراحل تاريخنا الحزبي بمنظور نقدي مجرّد، بل وبعملية نقد ذاتي جدية وشاملة. فنتمكن من التفريق بين القمح والزؤان، بين الأصالة والانحراف، بين الإنسان النهضوي الجديد ورموز التسلط والفساد.
وفي الختام، أراني أسترجع عبارة لأديبنا القومي الاجتماعي سعيد تقي الدين في كتابه “أنا والتنين” إذ يقول: “من الفاجعة أن تبقى بطولات الكثيرين من الرجال والنساء مخفية”.
نحن نتحمل مسؤولية تاريخ هؤلاء جميعاً.