بياض العيون

image_pdfimage_print

“لا تطلقوا النار حتى تروا بياض عيونهم.”

يُعزى هذا القول إلى ضابط في القوى الأمريكية الثائرة ضد الحكم البريطاني أثناء حرب الاستقلال الأميركية. والدافع الى الأمر هذا هو الشحّ في ذخيرة الثوار، ما اقتضى عدم إطلاق النار إلا من ضمن مسافة قصيرة حرصا على إيقاع إصابات فعّالة في صفوف المهاجمين من البريطانيين. هذا الأمر – انتظار رؤية بياض العيون قبل اطلاق النار – يحتاج إلى قدرات عالية لضبط الأعصاب فلا يطلق الواحد النار بدافع الحماس، أو بدافع الخوف، فالحماس أو الخوف عاملان مسببان للفشل.

الدافع الى هذا الكلام اليوم، هو الانهيارات المتلاحِقة والمتوَقَعة في القيادات المهيمنة على الحزب السوري القومي الاجتماعي، ما قد يغري البعض لاتخاذ مواقف متسرعة تتسبب في هدر للطاقات، وفشل في تحقيق الأهداف البعيدة.

أن تُنكر القيادات الحالية وجود أزمة في الحزب السوري القومي الاجتماعي هو شأنها. أما ما يراه أكثر من تسعين بالمائة ممن أجابوا على استبيان مجلة الفينيق حول أوضاع هذا الحزب، أنها موجودة، فهذه هي الحقيقة التي لا بد من مواجهتها. السؤال هو، كيف نواجِهها ومتى؟ لنرى ماذا يقول القوميون في هذا الخصوص.

قالت غالبية القوميين إنها انتمت الى الحزب لتحقيق غايته ونظرته الى الحياة. هذه حقيقة أساسية يجب إبقائها نصب أعيننا جميعا، خاصة أولئك الذين يريدون إعادة الحزب الى موقعه السليم. وقال القوميون إن عدم تحقيق الحزب لأهدافه بعد مضي أكثر من ثمانين سنة على تأسيسه هو دليل إلى وجود أزمة عميقة تطال ثقافة المؤسسات ونهج العمل في هذا الحزب، وهذان عابران للقيادات والتنظيمات، ويشملان جميع مستويات المؤسسة وغالبية القوميين.

لهذه الأزمة مظاهر وأسباب. أهم مظاهرها، حسب نتائج الاستبيان، وبالتساوي، الانحراف العقائدي والفساد. أما أهم أسبابها، فأولاً، عدم محاسبة المسؤولين على الفساد والممارسات اللاأخلاقية، يليها ثانيا وثالثا، وبالتساوي، إهمال نظرة الحزب وغايته، وميعان القيادات وعدم قيامها بواجباتها.

هل بالإمكان الخروج من هذه الأزمة؟   الغالبية العظمى قالت، “نعم”. هل تستطيع القيادات الحالية إخراج الحزب من هذه الأزمة؟ الغالبية العظمى قالت، “كلا”. كيف المخرج من هذه الأزمة؟ هنا بيت القصيد.

الغالبية قالت،عبر مؤتمر تدعو إليه حركة إنقاذية من الصف الحزبي عامة، تضم رفقاء من مختلف التنظيمات تحت شعار وحدة السوريين القوميين الاجتماعيين لتحقيق غاية الحزب ونظرته. الأقلية قالت، عبر تأسيس حركة جديدة لا علاقة لها بأي من التنظيمات التي تحمل اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي على الإطلاق. غير ان عددا كبيرا من القوميين قال إنه في حال فشل الخيار الأول فلا غنى عن الثاني.

هل تكفي الدعوة الى مؤتمر ولو تحت شعار نبيل مثل، “تحقيق غاية الحزب ونظرته” لإنقاذ الحزب؟ الجواب البديهي هو حتما، “كلا”. المؤتمر يجب ان يكون مدعوما بأوسع جسم حزبي مُنَظَّم ومتراص حول تحقيق غاية الحزب ونظرته، ويرى في المؤتمر الآلية الاستثنائية لنقل الحزب من الحالة المزرية التي يتخبط فيها إلى الحالة التي ينشدها القوميون الاجتماعيون المؤمنون بالنهضة القومية الاجتماعية خلاصاً لأمتنا. وهذا يتطلب وعيا مشتركا لطبيعة الأزمة، وحجم المهمة وطول المسافة والمهام الضرورية المطلوبة لقطع تلك المسافة.

الكلمتان اللتان تختصران المهام الضرورية هما الاستقطاب والتنظيم، استقطاب القوى القومية الحيّة وتنظيمها. الاستقطاب هو للقوميين سواء أكانوا منتظمين في وحدات أو أفرادا منقطعين عن العمل الحزبي. التنظيم هو إعادة بناء المؤسسات من اصغرها حتى أكبرها وفق منهجية دستورية نستفيد فيها من مرسوم الطوارئ عدد أربعة الذي وضعه سعاده سنة 1936، والذي ينص على كيفية اختيار القوميين لمسؤوليهم استثنائيا.

 (يرجى مراجعة المقال، “حزب بلا قيادة” المنشور في مكان آخر.)

لا شك عندنا في أن مؤتمرا ما سوف ينعقد في وقت ما. هذا المؤتمر يجب ان يضع مخرجات انتقالية أساسية له، ويضع لها الآليات الدستورية والعملية الضرورية لنجاحه. مسؤولية إنجاح المؤتمر كبيرة جدا وتقع على عاتق كل سوري قومي اجتماعي مخلص لقضيته وقسمه. المهم هو التخطيط المدروس والهادئ بعيدا عن الانفعالات وردّ الفعل.

نحن نريد النجاح، ولا يجوز أن نفرّط بذخيرتنا قبل رؤية بياض العيون.

في هذا العدداستبيان الفينيق التقرير الأولي >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نذير ميداني
نذير ميداني
6 سنوات

المهم هو التخطيط المدروس

الفينيق
6 سنوات

أكيد