السلطة التشريعية في الشام، ثغرات وحدود- آلاء دياب
كانت السلطة التشريعية في الشام، تحتل موقع الصدارة بين السلطات بما تتولاه من وظائف: (الوظيفة التمثيلية، الوظيفة التشريعية، والوظيفة الرقابية على عمل الحكومة). لذلك فإن كل الدساتير التي ظهرت في الشام قبل الاستقلال وبعده سواء منها التي أخذت بالنظام البرلماني للحكم أو بالنظام الرئاسي أو بالنظام شبه الرئاسي، راعت ذلك في أحكامها.
تمتد الدورة التشريعية أربع سنوات ميلادية، تبدأ من تاريخ أول اجتماع للمجلس وفق المادة 64. يُدعى المجلس للانعقاد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء ولاية المجلس القائم أو من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب في حال عدم وجوده، ويجتمع حكماً في اليوم السادس عشر، إذا لم يصدر مرسوم بدعوته. ويبادر المجلس في اجتماعه الأول لانتخاب رئيسه وأعضاء مكتبه، ثم تعاد عملية الانتخاب سنوياً. يُمثّل رئيس المجلس مجلس الشعب، ويوقع عنه، ويتكلم باسمه، ويأتمر حرس المجلس بأمر رئيسه فقط. بعد إقرار الدستور الصادر بالمرسوم رقم 94 بتاريخ28/5/2012 ، وبناءً على أحكامه تمّ إجراء انتخابات تشريعية بتاريخ 7/5/2012 ؛ ليبدأ الدور التشريعي الأول، وتلاه الدور التشريعي الثاني في 2016.
بدايةً، أكد الدستور على أن كل عضو من أعضاء مجلس الشعب، لا يُمثّل فقط دائرته الانتخابية، وإنما يمثل الشعب بأكمله بوكالةٍ تمثيليةٍ دون أي قيد أو شرط، إلا بما يمليه عليه ضميره وشرفه، ولا يتصرف بناءً على أية توجيهات أو تعليمات من ناخبيه، ولا يخضع للعزل من قبلهم وفق المادة 58 من الدستور.
يجتمع المجلس في ثلاث دورات برلمانية عادية في كل سنة، من الدور التشريعي الذي يمتد لأربعة أعوام (المادة 65). أي لا تقل مدة اجتماعات المجلس في دوراته العادية في كل سنة عن ستة أشهر. ومع أن مقر البرلمان هو في الصالحية – دمشق، فإن الدستور لم يلزم مجلس الشعب بمكان الاجتماع، ما يفتح باب السؤال ما إذا كان يمكن عقد اجتماعاته في مكان آخر. وحسب المادة 67 من الدستور، على أعضاء مجلس الشعب أن يؤدوا القسم الدستوري الوارد في المادة 7 من الدستور، قبل أن يباشروا مهامهم. يؤخذ على مجلس الشعب ضعف الفاعلية السياسية والتشريعية وذلك من خلال المحاور الآتية:
المحور الأول: المادة الثامنة من دستور1973
تنص هذه المادة “الملغاة” و”المفعّلة” في آن معا على أن “حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع و الدولة… ويقود جبهة وطنية تقدمية”
وهو ما انعكس على الثقل السياسي للسلطة التشريعية خاصةً والسلطات عامةً. إن بقاء هذا النص مفعّلاً يؤثر على كافة مناحي الحياة السياسية والإدارية في الشام. فليس هناك من إطار دستوري أو قانوني لهذه المادة، كما انه لا يوجد آليات إجرائية وقوانين تنفيذية تنظم قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع والجبهة. عدم تحديد الأطُر الدستورية، أَوجد لدينا مشكلة “العُرف”. فرغم إلغاء المادة 8 في دستور 2012، بقي تطبيقها مفعلاً، فمثلاً: يجب أن يكون رئيس مجلس الشعب عضواً في القيادة القطرية، وكذلك رئيس مجلس الوزراء المسمّى من رئيس الجمهورية، وكذلك وزير العدل الذي ينوب عن رئيس الجمهورية في رئاسة مجلس القضاء الأعلى، وفي وقتٍ سابقٍ وزير المالية أيضاً، وذلك تدبراً ثم عُرفاً دون وجود أي مسوغ قانوني أو دستوري، وينسحب هذا على المستويات القيادية الإدارية في المؤسسات الحكومية كافة. إذاً بقيت تفصيلات إدارة الدولة بيد القيادة القطرية (القيادة المركزية حالياً) بموجب قرارات إدارية نافذة، وهذا خَلَق لدينا ما يسمّى بـ (الدولة العميقة)، فالقيادة المركزية هي الصانع الفعلي لكل السياسات الداخلية والخارجية.
أثر القيادة المركزية في تعطيل فاعلية أداء السلطات
التركيبة السياسية لمجلس الشعب
يتألف مجلس الشعب من أغلبية بعثية، أعداد قليلة من أحزاب الجبهة، وبعض المستقلين. لكن ماذا عن توزيع الأدوار ونسب التمثيل داخل المجلس لجهة عدد الأعضاء ومكتب المجلس واللجان البرلمانية؟ فأعضاء البعث في مجلس الشعب يصلون إلى 133 أو 134عضواً، من أصل 250. بهذا الشكل تتحقق لحزب البعث أغلبية برلمانية، فتكوّن تنظيماً حزبياً يدعى الشعبة البرلمانية. ترتبط مباشرةً هذه الشعبة مع مكتب التنظيم القطري في القيادة القطرية، ويتم تشكيلها مع بداية كل دور تشريعي، وكان يرأسها حتى الدور التشريعي السابع رئيس مجلس الشعب نفسه وهو عضو في القيادة القطرية لحزب البعث قبل أن يكون عضواً في مجلس الشعب. لا يوجد مسوغ قانوني لهذا الأمر ضمن أحكام النظام الداخلي لمجلس الشعب، وإنما بقي عبارة عن قواعد عرفية متفق عليها، نشأت تدبراً وتطبيقاً لنص المادة الثامنة من دستور 73.
في الدور التشريعي الثامن بدأ بتولي رئاسة الشعبة أحد أعضاء مجلس الشعب بقرار من القيادة القطرية كأمين للشعبة البرلمانية باستثناء السنة الثانية من الدور التشريعي الثامن، حيث تمّ انتخاب أمين ومكتب الشعبة انتخاباً، ثم تم توزيعهم في كل لجنة برلمانية بحيث يشكلون أغلبية داخل اللجنة. يتم التوجيه من القيادة القطرية إلى رئيس المجلس وإلى الشعبة البرلمانية فيما يتعلق بأمرين: أولاً: اسم رئيس المجلس المرشح عن الأغلبية البرلمانية (البعث) وأسماء (نائب رئيس المجلس وأمناء السر) من المستقلين والجبهة، وثانياً: أسماء المرشحين لرئاسة كل لجنة برلمانية ونائب الرئيس فيها ومقرّها، وبعد ذلك تلتزم الأكثرية البرلمانية التصويت لهذه الأسماء. لذلك لم تكن القيادة القطرية بحاجة للتوجيه الخطي أبداً، لكن هذا حدث مرة واحدة في الدور التشريعي الثامن، حيث بُلغ التوجيه باجتماع لأعضاء الشعبة البرلمانية بقبول المادة 137 من مشروع القانون، كما وردت من الحكومة، وذلك بعد أن شعر رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب آنذاك بأن الأكثرية البرلمانية، لم تكن مع إقرار جواز النظر دستورياً بمشروع القانون الأساسي للعاملين في الدولة، لما تضمنته المادة 137 منه من مخالفاتٍ دستوريةٍ.
الصكوك التشريعية للقوانين
يظهر دور “الحزب القائد” في منحىً آخر أيضاً، إذ يتم إعداد مشروع القانون المقترح في الوزارة المعنية بموضوعه مرفقاً بموجباته، ويحال إلى رئيس مجلس الوزراء. يقوم رئيس مجلس الوزراء وهو عضو بالقيادة القطرية بإرسال نسخة من القانون إلى المكتب القانوني في القيادة القطرية دون عرضها على أحزاب الجبهة، فتؤشر القيادة القطرية بحاشية أنه ( تمّ الاطلاع ولا مانع)، ثم يُدرج مشروع القانون على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، وتتم الموافقة عليه روتينياً، ثمّ يحال إلى رئيس الجمهورية؛ ليقرر إما إحالته لمجلس الشعب وإصداره بقانون أو إصداره من قبله كمرسوم تشريعي. لكن الواقع يشير إلى قدرة الحكومة على التحكم بالآلية التشريعية التي سيصدر فيها التشريع (مرسوم أم قانون) من خلال الصكوك التشريعية المعدّة في الوزارات المعنية كـتمّ إعداد مشروع المرسوم التشريعي المرافق ضمناً …..يرجى التفضل بالاطلاع باستكمال أسباب صدوره.” من هنا كانت المداولات في مجلس الشعب من دون جدوى. إنها لا تتعدى بضع ملاحظات، تتعلق بالتعديلات اللغوية أو الصياغة القانونية البسيطة دون المساس بجوهر مشروع القانون. ولم يتمكن المجلس أن يرد مشروع قانون للحكومة بتصويت داخل الجلسة العامة سوى مرة واحدة في الدور التشريعي الثامن، عندما لم يصوت سوى ثلاثة أعضاء في مجلس الشعب على الانتقال لمناقشة تقرير اللجنة حول مشروع قانون رفع السقوف الرقمية للمعاشات التقاعدية لذوي المناصب، وحسب المادة 100 من النظام الداخلي للمجلس، يعدُّ ذلك رفضاً للمشروع.
المحور الثاني: مبدأ فصل السلطات:
لم يشر الدستور صراحةً إلى مبدأ فصل السلطات، لكنه نصّ من حيث الشكل على الفصل في الأحكام بين السلطات لكن كل السلطات تتمحور حول صلاحيات رئيس الجمهورية استناداً للمادة 113. فقد مُنح الرئيس بعض الاختصاصات التشريعية في أوقات محددة وظروف معينة تعيناً فضفاضاً يتسع للتأويل، فهو يشرّع في حالة الضرورة القصوى بوجود برلمان منتخب (خارج أو أثناء) دورات الانعقاد بمراسيم تشريعية تصدر عنه، ومشرّعاً في كل الحالات عندما يكون المجلس منحلاً. وقوة المراسيم التشريعية الرئاسية تكمن في نفاذها مباشرةً، وفي صعوبة تعديلها لجهة النصاب المطلوب قياساً مع ما يتطلبه أي تعديل مقترح على قانون، أقرّ من قبل المجلس. إذاً، الفصل بين السلطات غير قائم، ومجلس الشعب ضعيف دستورياً، فهو يتشارك مهامه التشريعية مع رئيس الجمهورية، الذي يمتلك حق حلّه. (المادة 111) كما أن الطعون الخاصة بانتخابات مجلس الشعب عائدة إلى المحكمة الدستورية. ولكن، بما أن رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وهو من يعين أعضاء المحكمة الدستورية، كما يملك حق (إصدار العفو الخاص والعام وإعادة الاعتبار، فإن هذا يجعل السلطة القضائية غير مستقلة أيضاً وفاقدة لقوة البت في أمر الطعون بشكل مستقل.
المحور الثالث : دستور 2012
عُدلت اختصاصات مجلس الشعب وفق المادة 75من الدستور الجديد، التي ألغت البند الأول عمّا كان في دستور 73 (ترشيح رئيس الجمهورية بسبب تغيّر الآلية والإجراءات المتبعة لانتخابه)، وعدلت في صياغة باقي البنود وترتيبها. كانت المادة 70 من الدستور المُلغى تتيح الخيار وفق هذا النص: “لأعضاء مجلس الشعب حق اقتراح القوانين وتوجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء وفقاً لأحكام النظام الداخلي للمجلس.” أما نص المادة 74 من الدستور الجديد يتضمن نوعا من الإلزام:” يمارس أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح القوانين وتوجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء وفقاً لأحكام النظام الداخلي للمجلس”. لكن المشرّع لم يميز بين القوانين التي يقرّها مجلس الشعب بناءً على الإحالة الواردة إليه، وبين تلك التي يبادر المجلس، (المبادرة التشريعية)، من تلقاء نفسه، لإقرارها، ولا الإجراءات المتبعة في وضعها. وعند مراجعة الاقتراحات بالقوانين التي قدمت للدور التشريعي الأول، نجد أنه لم يقر أي اقتراح منها. وهذا يدل على ضعف الفاعلية التشريعية عن طريق المبادرة من مجلس الشعب، وقد ساهم الدستور الجديد في زيادة ضعف مجلس الشعب للأسباب الآتية:
- التداخل العضوي والوظيفي الذي شرّعه دستور 2012: لأول مرّة، أصبح بالإمكان الجمع بين عضوية المجلس وعضوية الوزارة التي يعود لرئيس الجمهورية تسمية رئيس مجلس الوزراء والأعضاء فيها بموجب المادة 97 منه، ودون أي ربط بين هذا التشكيل أو التسمية بشروط أو قيود كنسبة التمثيل للكتل السياسية أو للمستقلين في البرلمان. فقد تضمن قانون الانتخابات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 101 تاريخ 3/8/2011 ( يجوز للوزراء أن يرشحوا أنفسهم لعضوية مجلس الشعب مع استمرارهم بمناصبهم)، وكذلك (المادة 126) من الدستور( يجوز الجمع بين الوزارة وعضوية مجلس الشعب).
- ضمانات العمل البرلماني: يحاط عمل المجلس عن طريق إحاطة أعضائه بعدة ضمانات محددة، ومن هذه الضمانات التي نص عليها الدستور:
- الحصانة البرلمانية: وفق (المادة 70-71) وهي نوعان: حصانة ضد الإجراءات الجزائية، وحصانة ضد المساءلة عما يبديه العضو من أفكار وآراء. ولا تشمل هذه الحصانة ما يبديه العضو من آراء وأفكار خارج الحيز المكاني الذي نص عليه الدستور، في الشام لسنا بحاجة للحيز المكاني، فنحن كما يقول رئيس مجلس الشعب السوري دائماً: “أننا زملاء: نحن والحكومة في خندق واحد.”
- عدم جواز استغلال العضو لعضويته في عملٍ من الأعمال (المادة 72). لكن الصياغة غير المحددة تركت المجال مفتوحاً للتجاوزات. وكان يستحسن لو تمّ تحديد النص (بمنع التعامل المالي المباشر أو غير المباشر مع الدولة)، كما ذُكر في المادة 123 من الدستور التي نصت على منع الوزراء من ممارسة أي نشاط تجاري أو عمل حرّ.
المحور الرابع: دور رئيس الجمهورية
- قوة التشريع : إن المراسيم التشريعية الصادرة عن رئيس الجمهورية، تعدّ نافذة بمجرد إصدارها ونشرها في الجريدة الرسمية. أما القوانين التي يقرهاّ المجلس، فترسل إلى رئيس الجمهورية الذي يحقّ له الاعتراض عليها خلال مدة شهر من تاريخ ورودها إلى رئاسة الجمهورية وفق أحكام المادة 100. ولا يمكن بعد إعادتها إلى مجلس الشعب، تجاوز هذا الاعتراض إلا إذا أقرّها المجلس ثانيةً بأكثرية ثلثي أعضائه المسجلين لحضور الجلسة على ألا يقل عن أكثرية أعضائه المطلقة، وهو الأمر الذي لم يتحقق أبداً طيلة الأدوار التشريعية التسعة التي رافقت دستور 73 والدورين التشريعيين الذين رافقا دستور 2012، لأسباب عديدة منها: عدم وجود سوابق، والحرص على المصالح والمطامح الشخصية، وعدم الفصل بين موقع رئاسة الجمهورية الدستورية والقانونية في هيكلية الدولة، ومكانة الرئيس وما يحيط به من الاحترام. إن أغلب أعضاء مجلس الشعب مدينون للقيادات الحزبية لوجودهم في المجلس، بما فيه المستقلون والذين هم إما من المقربين للسلطة، أو من الأغنياء الجدد أو من شيوخ العشائر والزعامات المحلية والتقليدية. مع الأسف، فإن أعضاء مجلس الشعب يبدون كمجرد واجهات فقط، وهذا ليس خياراً لهم، إنما أمرٌ واقعٌ محتومٌ عليهم. فقد حدث في الدور التشريعي الثامن أن وصل عدد من الكوادر البعثية التي بلغ عددها 40 عضواً من أصل الكتلة البعثية البرلمانية، وقدّموا رؤية مختلفة للأداء البرلماني، ممّا دفع بالقيادة القطرية إلى تفادي إعادة هذه الأسماء مجدداً إلى مجلس الشعب لضمان عدم تكرار تجربة التعامل مع رؤيا مختلفة عن رؤيتها. إذاً، الوظيفة التشريعية للمجلس في إقرار القوانين مشروطة بموافقة رئيس الجمهورية، كما أنّ رئيس الجمهورية يتفوق بقوة التشريعات لجهة التعديل والكثافة العددية، فخلال الدورين التشريعيين الثامن والتاسع صدر 373 قانوناً، في حين أصدر الرئيس 539 مرسوماً.
- مدة التشريع: يعقد مجلس الشعب ثلاث دورات في السنة إجمالي مدتها 172يوما تقريبا. فقد نصت الفقرة أ/ المادة 2 من النظام الداخلي لمجلس الشعب لعام 1974 على: ” أ- يعقد المجلس ثلاث دورات عادية في السنة، الأولى في أول ثلاثاء من شهر تشرين الأول وحتى نهاية شهر كانون الأول، والثانية من منتصف شهر شباط وحتى نهاية شهر آذار، والثالثة من منتصف شهر أيار وحتى نهاية شهر حزيران”. يستطيع مجلس الشعب خلالها أن يمارس وظيفته التشريعية بمناقشة وإقرار مشاريع القوانين المحالة إليه من الحكومة، وكذلك اقتراح القوانين، والنظر في المراسيم التشريعية الصادرة عن رئيس الجمهورية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن يُنظر في هذه المراسيم ككتلةٍ واحدةٍ، فإذا لم يكن هناك اقتراحات للتعديل أو الإلغاء لها من قبل الأعضاء فإنها لا تحتاج إلى تصويت. وهذا ما يحدث دائماً. فـ 90% من وقت المجلس منحصرٌ في إقرار مشاريع القوانين المقدّمة من قبل الحكومة وإقرارها رغم أن بعض موادها تخالف الدستور، في حين وحسب المادة 113 فإن باقي أيام السنة والبالغة تقريباً 193 يوم، يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع منفرداً، بصرف النظر عما إذا كان قد سبق لمجلس الشعب أن شرّع في موضوع ما أم لا، تنظيماً لأول مرة أو تعديلاً لما هو قائم. كما ينفرد رئيس الجمهورية بسلطة التشريع في المدة الفاصلة بين ولايتي مجلسين، 105 يوم تقريباً، ولا تعرض هذه التشريعات على مجلس الشعب الذي يأتي بعد صدورها.
المحور الخامس: المحكمة الدستورية
- تمارس المحكمة الدستورية العليا الرقابة السابقة أو اللاحقة على دستورية القوانين التي تضعها السلطة التشريعية والتي يسمّى أعضاؤها لأربع سنوات من قبل رئيس الجمهورية. وتمارس كذلك الرقابة على دستورية المراسيم التي يضعها رئيس الجمهورية. ولكن، كيف لمحكمة عُين أعضاؤها جميعهم من قِبَل الرئيس أن تقضي بعدم دستورية مراسيم تشريعية، تصدر عنه أو أن تحاكمه؟
- تتحمل المحكمة الدستورية مسؤولية الفصل في الطعون المتعلقة بانتخابات أعضاء مجلس الشعب وذلك وفقا لأحكام المادة 66 من الدستور الجديد وهذا نصها: “تختص المحكمة الدستورية العليا في النظر في الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الشعب، فتقدم الطعون من قبل المرشح خلال ثلاثة أيام تبدأ من إعلان النتائج، وتبت المحكمة بها بأحكام مبرمة خلال سبعة أيام من تاريخ انتهاء مدة تقديم الطعون”. هذه المادة حلت محل المادة 62 من دستور 1973، حيث كانت هذه الصلاحية منوطة المجلس النيابي.إن هذا الاتجاه يحلّ ثغرات الاتجاه السابق لناحية المؤهلات القانونية المطلوبة للفصل بموضوع الطعن من جهة، واحتمال غلبة الطابع السياسي على قرارات المجلس. ولكنه لا يحل عقبة تعيين القضاة من قبل السلطة التنفيذية حصرا. يمكن حل هذه العقب\ عبر تسمية مجلس الشعب لعدد من القضاة يختار الرئيس من بينهم أعضاء المحكمة. أخيراً، إن مجلس الشعب يمثل الدولة وقياداتها أكثر مما يمثل الشعب، ويعبر عن مصالح رجال السلطة أكثر ممّا يعبر عن مصالح الأمة. فهو لا يملك أية سلطة فعلية، ما أدى إلى تكريس ثقافة الأمر الواقع في المجتمع، والمساهمة في هيمنة السلطة التنفيذية من خلال الخضوع لتقديراتها، فنال ذلك من مبدأ دولة القانون والمؤسسات. إن الوطن بحاجة إلى سلطة تشريعية مستقلة تعيد لنا الثقة بها وأعضاء يدركون أن السلطة لا تحدّها إلا سلطة موازية، والسلطة المطلقة مفسدة حُكماً.
المراجع:
- تعزيز الأداء التشريعي لمجلس الشعب السوري، حنان حمد عمرو، أطروحة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق-جامعة دمشق، 2014
- الحصانة البرلمانية في النظام الدستوري السوري، د. حسن البحري، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية المجلد 34 العدد الأول 2018
- العلاقة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في النظام السياسي السوري، أ. غسان سليم عرنوس، طالب دكتوراه ، جامعة دمشق
- مجلس الشعب البنية والوظيفة والآليات ، ميشيل كيلو