التقاط اللحظة-غسان عبد الخالق
لم يتسن لحزب سعاده منذ الثورة الاولى وملحمة الشهادة ان يلتقط أنفاسه. فالإرث كبير والحمل أكبر، بحيث لم تستطع قيادة من تلك التي تعاقبت على حمل الراية ان توظف الإرث والملحمة معاً للمضي ببناء الانسان الجديد، وفي الوقت ذاته عدم ترك ساحات الوغى، لا سيما ما اتصل منها بالمسألة الفلسطينية، التي شكلت العنصر الاساس برأينا للثورة الاولى بعيد النكبة.
إن العودة لتلك المرحلة، عودة سعاده من مغتربه القسري، وما سبقها وما تلاها من احداث، وبعيد إعدامه، ودراستها بعين فاحصة ملتزمة هو واجب ضروري الهدف منه استخراج العبر والدروس للوصول إلى حزب يشبه مؤسسه كما ويشبه اهل الايمان الذين اعتدنا عليهم بالأمة في تضحياتهم وتفانيهم للقضايا التي اؤتمنوا عليها منذ فجر التاريخ.
رحلة العودة من مغتربه القسري كانت لتكون رحلة هانئة لولا الانحراف الذي طاول كبار القيادات ممن ائتمنهم على الحزب وعلى مصير القوميين الاجتماعيين. فقد بدأ بمعالجة الانحراف منذ وصوله الى القاهرة. وتابع، فور أن حط رحاله في بيروت، التذكير بثوابت النهضة في خطاب العودة الشهير حين طلب من جموع القوميين العودة الى ساح الصراع. وبعد فشل الحوار مع الذين فرّطوا بالثوابت امتشق قلمه وسن قرارات الطرد للبعض والتأنيب للبعض الاخر، ووضع القطار على السكة وأدار المحركات بالاتجاه الذي أقسم قسم الزعامة لأجله: إعادة إحياء أمة ظنها اعداءها مندثرة. فكانت الملاحقات وكانت الجمّيزة وكانت الشهادة.
خروج الزعيم من المشهد سرعان ما كشف ضحالة الورثة، حيث يمكن اعتبار ان من خصهم بعنايته الفكرية من الرعيل الاول قد طردوا او تركوا لسبب او لآخر. ومن كان يعمل عليهم من وكلاء عمد وغيرهم من الشباب، كانوا لا يزالوا في طور الإعداد. اما باقي المخضرمين فكانوا رجال مواقف أكثر منهم رجال ادارة وفكر وتنظيم، وكان المأزق الاكبر شخصية جورج عبدالمسيح الذي أطلقت في وجهه مقولة “لا زعيم بعد الزعيم “. مقولة تختصر ما كان الرجل الاقوى آنذاك يسعى من اجله، ومذكرات الامينة الاولى لخير دليل على ان تلك المقولة كانت في محلها. ان ما أقدم عليه سعاده بنسجه علاقة مع نظام حسني الزعيم بدا وكأنه فاتح الشهية للعديد ممن تولوا القيادة من بعده للرهان على هذا النظام او ذاك. وآخر العنقود كان أسعد حردان. ولم يتبين لتاريخه إن كان هناك عنقود جديد وأعني بذلك الظاهرة الاخيرة التي برزت مع ما سمي مؤتمر العجلة. بين ظاهرة عبد المسيح وظاهرة حردان كان هناك ظواهر عدة يمكن وضعها بنفس السياق اي الرهانات الخارجية (قو من خارج الحزب).
ان البلبلة الحالية للجسم القومي الاجتماعي مسألة لا يمكن إنكارها ولا القفز فوقها، والخروج منها للوضوح والجلاء واليقين. كما إن إعادة ثقة القوم بأنفسهم أمر ليس باليسير، ولكنه ليس بالمستحيل ايضاً. وما يمكن فعله امام المشهد الحالي للأمة، فيما لو قُدّر للمجموع القومي ان ينفض عنه الغبار والتقاط اللحظة، من الممكن وضعه في خانة المعجزات. يبقى ان تتوحد الارادات الفاهمة العاقلة الفاعلة المتفاعلة وتطلق العنان لحناجرها وتبرهن أن سعاده هو نحن العائدين من مغتربنا القسري غافرين للراكلين ركلهم مرددين مع سعاده “اننا نعمل من اجل الحياة ولن نتخلى عنها ابداً”.