“الأخوة والأخوات السيريانز”، رسالة جوابية
تمهيد
وجدت الرسالة أدناه والتي تعود إلى سنة 2003، بين ملفاتي الالكترونية فيما كنت أبحث عن ملف آخر. لم أعد أذكر من هو “عبدالله الحمصي” صاحب “الرسالة إلى الأخوة والأخوات السيريانز”، ولا أين نشرها. ولكن المؤكد أن شخصًا بهذا الاسم نشر رسالة في مكان ما في العشرين من شهر شباط سنة 2003، استدعت رسالتي أدناه، والتي لم أعد أذكر حتى أين نشرتها. ما أذكره أنني كنت أخوض الكثير من النقاشات على مواقع الانترنت الحوارية في تلك الأيام، لعل هذه الرسالة منها.
لماذا إعادة نشرها الآن؟ لأن تهم العنصرية لا تزال تلاحق أنطون سعاده والحزب الذي أسسه، سواء في الإعلام اللبناني أو الغربي. والمفارقة، أن هذه التهمة التي حاول عملاء الفرنسيين في لبنان إلصاقها بسعاده حين انكشف حزبه سنة 1935، لا تزال تتكرر بالرغم من كل ما كشفته الأيام والأحداث والوثائق عن فكر هذا الرجل المناهض للعنصرية. أما لماذا تصر بعض وسائل الأعلام على الكذب عوضًا من التركيز على الحلول التي وضعها سعاده لتخليص بلاده من آفاتها، فهذا من شأن الإعلام وشأن الكاذبين.
لم أجد نسخة عن رسالة السيد حمصي، ولكن يمكن استخلاص زبدة ما ورد فيها من الرد.
إلى السيد عبدالله الحمصي
تحية طيبة وبعد
قرأت رسالتك إلى “الأخوة والأخوات السيريانز” بتاريخ 20 شباط فشعرت بحزن شديد للّغة الجارحة التي استعملتها وللأحكام والاستنتاجات التي أطلقتها.
ما الفرق بين أن تكره لأنك عنصري أو أن تكره لأنك غير عنصري؟ فِعْلُ الكره هو المهم وهو الذي ضدّه تشرّع الدول الراقية قوانين “منع الكراهية”. هذا الفعل تكرر أكثر من ثلاث مرات في أقل من خمسة سطور من رسالتك. من هنا كان سؤالي، ومن هنا يقوم الفرق بين شخص يكره من لا يحبه، وشخص يعمل بتعاليم يسوع القائلة، “أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا لمن أساء إليكم.” ويسوع، على حد ما شرح العلاّمة إبراهيم متري رحباني في كتابه القيّم باللغة الإنجليزية The Syrian Christ سنة 1916، كان “سوريًا وابنًا للسوريين.”
أحببت البدء بهذا المدخل لأنه من السهل على الواحد منا أن يعمى عن الشجرة في عينه إذ يبحث عن القذى في عين سواه. أو أنه في حمأة دفع تهمة “إطراق الرأس” خوفًا من العنصرية، ومحبة “بطهر الأنبياء” يقوم بتحطيم رؤوس سواه أو “يتقيأهم” أو “يبصقهم” لأنه يعتقد أنهم عنصريون، أو ربما لأنه لا يحب أسمهم أو رأيهم أو وقفتهم أو تحيتهم!
هل ترى الآن خطر “الكراهية” في كلماتك؟ أو ليس هكذا تبدأ كراهية العنصريين لمن ليس من عنصرهم؟
لا أود مناقشتك في أحكامك ولكن بودي تسليط الضوء على كلمة واحدة أساسية تكررت في محاولتك إلصاق تهمة العنصرية بسعاده وفكره وتلامذته، عنيت بها كلمة “التفوق.”
تقول: “…..قبل ان تزينها صور الانسان السوري ذي الجبهة المتميزة والمتمايزة والمتفوقة على غيره من العناصر البشرية الاخرى..” ثم تكرر بعد عدة أسطر: “الم تقرؤوا تحليل شكل الجمجمة السورية وان هذا الشكل هو الدليل القاطع على تفوق الانسان السوري البيولوجي على جميع الأجناس الأخرى منذ فجر التاريخ ـ بما فيها الجنس العربي واليهودي بالطبع ـ”
أعتقد أنك تريد أن تستشهد بكلمات لسعاده لتثبت عنصريته في حين أنه ما استعمل كلمة “تفوق” إلا ليثبت أن السوريين تفوقوا بمزيجهم السلالي وليس بنقائهم العنصري. يقول: “وتفوق السوريين على من جاورهم وعلى غيرهم أمر لا جدال فيه فهم الذين مدّنوا الإقريك ووضعوا أساس مدنية البحر الأبيض المتوسط التي شاركهم فيها الاقريك فيما بعد. لقد كان النبوغ في آثينا المختلطة لا في أسبرطة الفخورة بأنسابها، المحافظة على صفاء دمها.” (من شرح المبدأ الأساسي الرابع.)
هل من شك في أن السوريين كانوا من أول من أسّس لمدنية العالم؟ نأخذ جوابًا من Samuel Noah Cramer في كتابه History Begins at Sumer كمثل إذ أنه يضم عددًا كبيرًا من الفصول وكل فصل منها عنوانه “أول”. أول مدرسة، أول رسالة غرام، أول مار جرجس، إلخ..
هل ثمة خطأ علميًا في القول إن السوريين إذ استنبطوا الحرف وسبروا أعماق النفس فكتبوا الملاحم الدينية والفلسفية وحين بنوا الزقورات أو المراكب وبنوا المستعمرات ودرسوا الفلك كانوا متفوقين؟ لا أعتقد. هل أن التفوق يعطي امتيازات للمتفوق باستعباد غيره؟ طبعًا لا. فكما أن الطالب المتفوق في دراسته لا يحق له الاعتداء على سواه من الطلاب بحكم التفوق الفكري أو العضلي، كذلك المجتمعات الإنسانية لا يحق لها باسم التفوق أن تظلم غيرها.
هل أن التفوق ميزة دموية أم جينية فقط لا غير بحيث أن المتفوق يبقى متفوقًا؟ طبعًا لا. فسورية الجماجم المستطيلة والمفلطحة وما إلى هنالك مرت بأدوار تفوقت فيها على من جاورها وفي أوقات تفوق فيها عليها من جاورها. إذًا الموضوع نسبي ومعقد أكثر بكثير من أن نتوهم أن “مزيجنا” متفوق فلنكن عنصريين ولنذهب ونتفوق على غيرنا ونسبي حريمهم مثلاً.
لقد وضع سعاده مبدأين في العلاقات الخارجية: مبدأ عدم الاعتداء على الغير، ومبدأ التعاون بين الشعوب، وقدم هذا المبدأ الأخير كمخرج تقدمه النهضة القومية الاجتماعية للإنسانية لا سيما أثناء الصراع الطاحن بين الرأسمالية والشيوعية.
هل عمل سعاده بعكس هذا المبدأ في نظرته إلى العلاقات داخل المجتمع السوري فقال مثلا “بعنصر سوري” هو فوق بقية عناصر الأمة من عرب أو سريان أو فينيقيين أو أكاديين؟ لا. بل أنه نفى وجود شيء اسمه العنصر السوري. لقد تكلّم عنّا، أنت وأنا، نحن السوريين، فقال إننا النتاج الحاصل لمزيج من مختلف الأقوام. وأزيد تأكيدًا أن دستور الحزب الذي أسسه سعاده كفل المساواة، بل قام على مبدأ الإخاء القومي والمساواة بين جميع أبناء المجتمع إناثًا وذكورًا فسبق بذلك العديد من دول الغرب، بما فيها كندا، التي لم تسمح للمرأة بالانتخاب إلا في الخمسينيات من القرن الماضي.
الملاحظة الوحيدة التي لحظها سعاده في هذا المجال كانت عن العنصر اليهودي وكانت تحديدًا لأنه “حافظ على عصبيات أو نعرات قومية أو خاصة غريبة” أبقته خارج وحدة الشعب.
إذًا نحن أمام حزب سوري “عنصري” يقوم على نفي وجود شيء أسمه “العنصر السوري”، بل يقول بواقع التمازج السلالي. وهذا الحزب “العنصري” عينه، يدعو للمساواة بين جميع أبناء الشعب في الحقوق والواجبات، ويدعو إلى مبدأ عدم الاعتداء في العلاقات الخارجية، وإلى مبدأ التعاون في العلاقات الإنسانية بين المجتمعات. وهذا الحزب العنصري الذي يقوم على كل هذه “المبادئ العنصرية” وليخفي عنصريته أضاف عبارة “اجتماعي” إلى اسمه تمويهًا ولذر الرماد في العيون، لا ليميزه عن غيره من الأحزاب القومية التي قامت في عصره على فلسفة نقاء العرق أو الاثنية. ولكنه لم يستطع إخفاء عنصريته إذ كشفته تحية الرفقاء لبعضهم “تحيا سورية” فيما هم يرفعون يدهم زاوية قائمة، ليس كالنازية تمامًا، ولكن أيضًا من باب التقية!
سيدي الكريم،
قد يكون لديك من الأسباب التي دفعتك أو تدفعك للانطواء عن جماعة خضت وإياها نقاشًا استمر أو تقطع لا أدري فأنا لم أتابعه، وهذا ليس شأني. ولكن ليس لديك عذرًا واحدًا لرمي جماعة قامت لمحاربة العنصرية، انفلاشية كانت أم انعزالية، وقامت لتأسيس مجتمع يقوم على المساواة، ونظرة إلى الحياة تقوم على مبدأ المحبة والتعاون، بالتهم التي رميتها بها.
وتفضل بقبول وافر الاحترام
ولتحي سورية
أسامة عجاج المهتار
كندا في 26شباط،2003