فشلت مفاوضات الفلاحين مع خنزير الدرة، لثنيه عن عادة تدمير الحقل بعد أن يملأ كرشه من العرانيس الشهية. وكانوا يخاطبونه بالقول: أيها الخنزير الطيب، ستصلك حصتك كاملةً إلى الوكر، شرط ألا تدخل البستان وتكسر سيقان النباتات بعد أن تشبع، بلا مبرر!
الخنزير، كان يوقّع المعاهدات ويبدي تمسكه بالعلاقات التاريخية مع الفلاحين، لكنه لا يلبث أن ينقض الاتفاق أمام شهوة تفعيس عرانيس الحقول، بعد أن تصل حصته كاملةً من شوالات الدرة إلى عقر بيته.
احتار الفلاحون ماذا يفعلون. فكتبت صحف المزرعة، عن مخاطر نقض الاتفاقيات التي أبرمت مع الخنزير، ومدى تأثيرها على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. كما عُقدت الندوات وورشات العمل التي تحاول تحليل طبيعة الخنزير صاحب الشهوة التدميرية.
بعض المقالات اقترحت زراعة منتوجٍ آخر عوضًا عن الدرة التي يعشقها الخنزير. لكن تدمير الخنزير لمساكب البصل التي زرعها الأشقاء في المزرعة المجاورة، جعلهم يستبعدون الفكرة.
المحللون الاستراتيجيون في المزرعة، اقترحوا تخصيص الخنزير بقطعة أرض مزروعة بالدرة، ليفعل بها ما يشاء كي يكفّ بلاءه عن الحقول. لكن الخنزير رفض الاقتراح متذرّعًا بحقه التاريخي في أرض المزرعة من السور إلى السور.
شكل الفلاحون وفدًا ضمّ خبراء التنمية والعلاقات الدولية، كي يصلوا مع الخنزير إلى حلّ يرضي جميع الأطراف. لكن الخنزير في كل مرة كان ينقض الاتفاق ويشهر خنزرته أمام الوفد الذي يُصاب بالهلع.
طلب الخنزير تحديد أملاكه ضمن مساحات موزعة على كامل الحقول، لكن الفلاحين أخبروه بأن ذلك يقطّع تواصل الأراضي ويجعل عملية الحصاد والسقاية صعبة عند اجتياز الحدود. الخنزير أخرج خريطة قديمة تؤكد حقه التاريخي في المزرعة. لكنه قبل ببقاء الفلاحين كعمال مهمتهم زراعة الدرة شرط أن يكون هو صاحب الحق في التعامل مع العرانيس!
توترت الأوضاع في المزرعة إثر تعثر الاتفاق. الفلاحون شرحوا للخنزير كيف نجحت مفاوضاتهم مع الثعلب الذي يخنق الدجاج بلا مبرر، بعد إيصال حصته من الصيصان والزاغات إلى باب الوكر يوميًا. لكن الخنزير رفض التشبه بالثعلب، ووصف سلوكه بقصر النظر والجهل الاستراتيجي.
لم تهدأ الصراعات على تخوم الحقول، حيث كان الخنزير يوزع أبناءه كي ينبشوا محاصيل الذرة في كل موسم.
تعرض الفلاحون للمحن بسبب توسيع الخنزير لحصته كل موسم، فخفّت مؤونة الشتاء، واقتصدت العائلات بالطعام، وخفّضت مصروفاتها بسبب انعدام الجدوى الاقتصادية من زراعة الدرة التي يتعامل الخنزير معها كحق تاريخي!
فشلت المفاوضات في الوصول إلى حل، وكان الخنزير بعد كل جولة، يقتحم الحقل فيسرح ويمرح كنوع من التحدي. الفلاحون تحولوا إلى أجراء عند الخنزير، وشحّت مخصصاتهم من الدرة بعد أن خفّضها الخنزير إلى أدنى حدّ.
في أحد المواسم، وبينما كان الفلاحون يكتبون اتفاقًا يتنازلون فيه عن الحصّة التي طالب بها الخنزير. كان أحدهم، يلقّم الجفت ويصوبه نحو الخنزير، ثم يضغط الزناد كي تنتهي تلك الخنزرة التاريخية بطلقة واحدة!
عرفتوا كيف؟