عبارتان لفتتا نظرنا هذا الأسبوع عن كون الحزب السوري القومي الاجتماعي “حركة الشعب العامة”، والاثنتان لمسؤولَين سابقين في الحزب، هما كل من حضرة الأمينين حسّان صقر وأحمد أصفهاني.
في حديث مع “سبوت شوت” نشرته ليبانون ديبايت، يقول صقر: “الحزب يعاني من حالة عدم اتزان، وأنا أنتمي للقضية لا للأداء، وعلينا أن ننتقل لصف الناس ونعود حركة الشعب العامة.”
أما أصفهاني فيقول في كلمة بمناسبة تأسيس الحزب: “التأسيس بالنسبة لنا وجود كليّ، إنه وجودنا الناصع في متحداتنا الاجتماعية ومع رفقائنا. ولأننا “حركة الشعب العامة“، كما يقول سعاده، فإن عيد التأسيس يصبح مناسبة للاحتفال بقدر ما نحقّق وجودنا في مجتمعنا.”
إذا أردنا أن نكون موضوعيين ودقيقين رأينا أن سعاده لم يقل إن الحزب هو حركة الشعب العامة، كما أن الحزب لم يصل لأن يكون هذه الحركة، إذ أن دون ذلك شروطًا يجب تحقيقها وفق مقاييس محددة. لنبدأ من العبارة نفسها. أول ذكر عن حركة الشعب العامة يرد في دفاع سعاده إبّان محاكمته الأولى سنة 1936 حيث يقول في مقال بعنوان المعركة السياسية التاريخية الأولى – المحاكمة الرائعة:
“…ومع أني أسست الحزب سرًّا، واتخذت جميع التدابير والاحتياطات لإبقائه سريًّا ما أمكن، فصفته السرية كانت مؤقتة كما تنص على ذلك إحدى مواد دستوره… وقد اتخذ القضاء الأجنبي هذه الصفة المؤقتة حجة لتأييد تهمته أنّ غاية الحزب ومراميه غامضة، ومتجهة إلى المؤامرة والإخلال بالأمن. فكان جواب الزعيم فاصلاً. فلم يقتصر على ردّ تلك التهمة الباطلة بل تعدَّى ذلك إلى الإشارة إلى مرمى الحزب الخطير ونزعته الصريحة وهي: إن الصفة السرية للحزب هي وقتية فقط، إلى أن يقصد الحزب أن يعلن نفسه في الوقت المناسب لأن غايته الأولية هي أن يكون حركة الشعب السوري العامة. وهذه غاية واضحة عظيمة تشهد بسمو نظرة الحركة السورية القومية الاجتماعية وخطورة مطامحها.)”
إذًا، لم يقل سعاده إن الحزب هو حركة الشعب السوري العامة، بل قال إن “غايته الأولية” أن يكون، وذلك تمييزًا لها عن غاية الحزب العامة من جهة، ووضْعِها كغاية للتحقيق، وليس كأمر ناجز، من جهة ثانية، والفرق بين الاثنين واضح.
هل أصبح الحزب يومًا حركة الشعب السوري العامة؟ كلا. فلكي يجوز أن نطلق هذه الصفة يجب أن يكون الحزب قد حقق وجودًا وقبولاً لبرنامجه السياسي من نسبة معينة من الشعب في كل الوطن السوري وليس واحدًا من كياناته أو اثنين. هذه النسبة لا يمكن أن تقل عن واحد بالمائة ( (1% ويفضل أن تصل إلى 5%)) أو أكثر كأعضاء عاملين فيه، وإلا كان وصفه بأنه حركة الشعب السوري العامة وصفًا فضفاضًا. لماذا؟ لأنه إن لم يبلغ هذه النسبة لن يتمكن من تشكيل تيار يستطيع فعلاً إجراء التغيير الجذري الذي تطمح له غايته العامة. إذا طبقنا هذه النسب على تعداد الشعب السوري من بيروت إلى بغداد، وهو في حدود التسعين مليون نسمة ناهيك عن المغتربين، لرأينا أنه إن لم يصل تعداد أعضاء الحزب إلى مئات الآلاف، بل قل الملايين، من الرفقاء العاملين، فإن الحزب لن يتمكن من تحقيق برنامجه التغييري. هل نظلم رفقاءنا إذا اعتمدنا هذه المقاييس الصارمة؟ كلا. لنرَ ما كان يحلم به سعاده، عمليًا، كما يذكر هو نفسه في ختام الفصل ما قبل الأخير من “جنون الخلود”.
“إن النتائج الفعلية التي حصلت بنشوء القومية السورية وسير الحركة السورية القومية، هي نتائج أكيدة لا ينقصها إلا أن تعمّ الشعب، لينهض كله نهضة واحدة بعقيدة واحدة وإيمان واحد، فيصير قادرًا على الصبر والثبات في معترك الأمم والتقدم في مضمار الحياة… إن القضاء على التضليل والمضللين، وجلب سواد الشعب إلى صراط الحقيقة والحق يحتاج لبث المعرفة في جميع الأوساط. وهذا عمل كبير في حد ذاته يقتضي وسائل كثيرة من الإذاعة الخطابية والكتابية. والتفكير في هذا المشروع وحده ومقتضياته يجعلنا ندرك كم هو ضروري الإقبال على مناصرة الحركة السورية القومية مادياً ومعنوياً. ولو أن التلبية الفعلية امتدت بسرعة في الوطن والمهجر وحصلت للحركة المقومات المادية الكافية لإذاعة واسعة، وبث الكتّاب والخطباء في جميع الأنحاء، وطبع الكتب والمناشير والخطب وتوزيعها بعشرات الألوف، وإنشاء الصحف والمجلات لإمداد الناس بالمعلومات الوثيقة والتوجيهات الصحيحة، لكان من المحتمل والمرجح أن يكون موقف سورية في هذه الحرب غير موقف الشلل الذي تقفه…”
مع الأسف، فإن الحزب لم يفكر يومًا بـ “المقتضيات” التي يشير إليها سعاده، ولم يعدّ لها. إن استخدام العبارة بالشكل الذي استخدمت فيه يمكن أن يقعدنا عن السعي لأن نكون حركة الشعب السوري العامة، أو أن يوهمنا أننا وصلنا ذات يوم، وسنعود.
3 Comments
الى الرفيق اسامه المهتار ..وانا من المتابعين لجريدة الفينيق وخاصة للمقالات العقائدية والثقافية الى جانب مجمل الندوات الاذاعية المسجلة …فمن خلال مسيرتي تابعت مسيرة وسيرة المئات من القوميين المنتمين ومنهم شهداء ومنهم جرحى ومنهم معوقين ..منهم فقراء الى حد الفقر ومنهم محامون واطباء ورجال اعمال ..منهم مثقفون وصحافيون وخريجو جامعات ومنهم اميون لا يفقهون الكتابة حتى …جمبعم آمنوا بسعادة وسعوا للتضحية بكل قوتهم حتى الشهادة ..سعادة الذي كتب وانتج موسوعة وجلها من وراء القضبان ..استطاع الامي والمثقف والسكاف والدكتر ورجل الاعمال كما الفقير كذلك الغني ان يقراء سعادة ويفهم بوعي مطلق رسالته والعقيدة ويبذل كل ما بوسعه لاجلها ..بهذا القدر كان سعادة سلسا بالكتابة والنظام والاحترام وتسنى للجميع فهمه والتضحية بالذات ..الا هولاء قادة وامناء وعمد ومجالس اعلى يختاجون لمقالات ومقالات .وبالملعقة ..حتى يستوعبوا ما اراده سعاده من حزب لامة ..عكس كل ما ذكرت عند بداية ما كتبت . رفيق اسامه شكرا لهذا الكم الهائل من الوضوح …علهم يقراؤن ويفهمون ويعملون
شكرا، رفيقي العزيز لمتابعتك وتعليقاتك.
إنه وجودنا الناصع في متحداتنا الاجتماعية ومع رفقائنا. ولأننا “حركة الشعب العامة“، كما يقول سعاده،