انتهاك الجسد السوري بالحرب والفقر والإدمان!

Children walk amid rubble of destroyed buildings near a cover to protect civilians from sniper bullets in a street in Tadamun neighbourhood near the Palestinian Yarmuk camp in the south of the Syrian capital of Damascus on November 3, 2018. - Construction is not set to start in Tadamun for several years, but officials have already been dispatched to inspect its homes. A provincial commission has been charged with evaluating damage and rating whether around 25,000 residential units are fit for human habitation, But even if their homes are declared up to standard, no resident can move back until all inspections are complete. (Photo by LOUAI BESHARA / AFP) (Photo credit should read LOUAI BESHARA/AFP/Getty Images)

Share

نفت وزارة التربية السورية صحة التصريحات التي أدلى بها مدير البرنامج الوطني لليونسكو ورئيس منظمة مكافحة المنشطات الدكتور “صفوح سباعي” بخصوص شيوع ظاهرة تعاطي المنشطات ضمن أروقة المدارس. وقالت إن هذه التصريحات لا تعتبر تقريراً من اليونيسكو، وأكدت أنها لم ترصد أي حالات مما تم الحديث عنه. وفي الواقع، يعاني الشباب السوري بعد الحرب من تفاقم ظواهر لا تبدأ بالمنشطات ولا تنتهي بالمثبطات ومجموع السلوكيات التي تؤكد أن شريحة كبيرة من الشباب بحاجة إلى علاج نفسي!

تظهر في الشوارع بشكل واضح مشاهد استنشاق مادة “الشعلة” ضمن أكياس النايلون من قبل الأطفال المشردين الذين ينامون في الشوارع ويمتهنون التسول أو البحث في النفايات. وقد سقطت منذ فترة، في نهر بردى، إحدى الطفلات وهي تستنشق هذه المادة على حافة النهر، كما صورت وسائل الإعلام الكثير من أولئك الأطفال. استنشاق المواد الكيميائية ليس إلا مقدمة للإدمان على المخدرات ومحاولة الوصول إليها بشتى الطرق غير المشروعة.

كشفت الحرب الغطاء عن كثير من الأمراض التي كانت تتفاقم في الظل، وباتت الأمهات تطلب من الأبناء عدم تناول أي طعام من الزملاء في المدارس أو الشارع، نتيجة لوجود شبكات لترويج الإدمان على الحبوب المخدرة بطرق غير مباشرة خاصة بين المراهقين.

الجسد السوري انتُهك خلال المعارك، واليوم ينتهك بالأمراض السلوكية والاجتماعية الكثيرة التي يزيد من حدتها الوضع الاقتصادي الخطير الذي يجعل أكثر من تسعين بالمئة من الناس يعيشون تحت خط الفقر. ومع فشل أو عدم فعالية خطط التنمية والتوعية يمكن أن نتخيل حجم الأمراض المرتبطة بالجهل مثل الطائفية والمنفعة الفردية وارتفاع معدلات الجريمة وغياب مفهوم الانتماء وتفكك الأسرة، مما ينذر بكوارث خطيرة خلال العقود القادمة لأن أطفال اليوم لن يتمكنوا من القيام بمهام رجال المستقبل التي تنتظر منهم على الصعيد الشخصي أو الوطني العام.

يقول الخبراء إن تداعيات الحرب أخطر بكثير من القذائف العشوائية التي كانت تسقط على العاصمة دمشق وتصيب الكثير من الناس. فالآثار التي تظهر بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب لا يمكن أن تحصى على الصعيد النفسي والجسدي والأخلاقي والثقافي والاجتماعي… فالمجتمع تعرض إلى شرخ يتطلب ردمه إلى جهود كبيرة وخطط استراتيجية ذكية وبعيدة الأمد، لكنها غير متوفرة لدى الإدارات التي تعاني من قلة الموارد وندرة الخبراء وصعوبة تأمين الكوادر والعمال. فالمؤسسات لا تختلف عن العمال المياومين في هذه المرحلة، حيث يتم تدفيش مشاكل اليوم إلى الغد ويتركز الجهد على تأمين لقمة العيش والمتابعة بأقل الخسائر الممكنة. تلك الإدارات لم تنجح في الإعداد لمرحلة خطيرة كهذه، بعد أن أمضت عقوداً طويلة في الرخاء والكسل وعدم التخطيط، حتى وصل الناس إلى مرحلة باتوا مهددين فيها بالمجاعة نتيجة الفارق الكبير بين مستوى الدخل والأسعار مع انهيار قطاع الزراعة والصناعة ونشوء مافيات كبيرة من الفساد يصعب استئصالها بالطرق التقليدية.

المجتمع السوري يبدو مثخناً ضعيف المناعة وقابلاً لشتى أنواع الأمراض. وقد يكون اليأس الذي يعصف بفئة الشباب ويدفعهم للهجرة من أهم الأمراض الخطيرة التي دمرت مفهوم الانتماء وجعلته مجالاً للسخرية نظراً لبقائه قيد التنظير والشعارات بمعزل عن أي فعل. ترى كيف نطالب الجائعين المشردين الذين يعيشون بلا كهرباء أو تدفئة أو طبابة، بأن يكونوا متشبثين بالبقاء؟

تحدثنا إلى بعض الأطفال الذين ينامون في الشارع. قالوا إن أباهم مات في الحرب، كما دمر منزلهم وتشتت عائلتهم. البعض يسكن مع أسرته في الطريق، وآخرون في بيوت قيد الإنشاء. ولا أحد يعلم كيف سيكون مستقبل الوطن تحت الشوادر وفوق الأرصفة وفي الحدائق العامة! لا شك أن انتشار المنشطات والمثبطات والمستنشقات، هو أقل ما يمكن أن يحدث في هذه الظروف!

أذهل السوريون خبراء الاقتصاد وهم يتدبرون معيشتهم بعشرين دولاراً في الشهر! أذهل الجسد السوري منظمة الصحة العالمية وهو يقاوم الكوليرا وكورونا بلا لقاحات أو كمامات أو بخاخات كحول! لقد فتحوا أفواههم فاغرين وهم يشاهدون العشرات يتكدسون في باصات النقل الجماعي دون أن يلتفتوا إلى الأوبئة التي صارت جزءا من حياتهم! هنا حيث يحذر الباحثون من الإدمان والدعارة وانتشار الجريمة، بضوء ربما يظهر في آخر النفق. لكن السرداب يطول ويمتدّ في انتظار انبلاجٍ ما!

0
0

1 Comment

PTS Terbaik 6 ديسمبر، 2022 - 3:47 ص

مع أسرته في الطريق، وآخرون في بيوت قيد الإنشاء. ولا أحد يعلم كيف سيكون مستقبل الوطن تحت الشوادر وفوق الأرصفة وفي الحدائق العامة! لا شك أن انتشار المنشطات والمثبطات والمستنشقات، هو أقل ما يمكن أن يحدث في هذه الظروف!

Post Comment