الهروب الكبير

Share

 “وإذا كنا لا نقدر أن نطبّق النظام في الأوساط المثقفة، اعترفنا بأن هذه الأوساط غير صالحة لحمل أعباء حركة فكرية ذات نظرة واضحة إلى الحياة، وليست أهلاً للاضطلاع بعمل عظيم كالذي وضعناه نصب أعيننا، وهو إيجاد مجتمع جديد نيّر في هذه البلاد وإيصال هذه النظرة إلى كل مكان. يجب علينا أن نفهم هدفنا فهماً صحيحاً لنكون قوة فاعلة محققة ولكي نتمكن من العمل المنتج.” (سعاده، المحاضرة الأولى.)

هل نفهم، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، هدفنا فهمًا صحيحًا يؤهلنا لنكون قوة فاعلة محققة ولكي نتمكن من العمل المنتج؟ إذا طلبنا الجواب من الوقائع كان الجواب سلبًا حكمًا. بل إن الوقائع تشير بوضوح إلى أن القوميين يعيشون واحدة من اثنين: إما حالة من التسويف المستدام، أو هروبًا كبيرًا من تحمل مسؤولية إعادة بناء الحركة القومية الاجتماعية.

للتسويف، Procrastination، تعريف علمي. “إنه تأجيل الأعمال والمهام إلى وقت لاحق.” ويرى بعض علماء النفس أن الشخص قد يلجأ إلى التسويف “فرارًا من القلق الذي عادة ما يصاحب بداية المهام أو إكمالها أو ما يصاحب اتخاذ القرارات…” المسببات النفسية للتسويف مختلفة لكن في العموم قد يكون “القلق والتقليل من قيمة الشخص لنفسه من أهم المسببات للتسويف.” وكذلك تكون “الهزيمة الذاتية أو العقلية المنهزمة ذاتيًا سببًا للتسويف.” ويعتقد بعض الخبراء أن المسوفين لديهم “مستوى أقل من غيرهم في الاجتهاد وجنوح للأحلام والأماني في تحقيق الكمال والإنجازات مما يدل على غياب الواقعية في تقديرهم لواجباتهم وكذلك في تقديرهم لما هو متوقع من أمثالهم..” (مختصر من ويكيبيديا حيث يمكن التوسع عبر مراجع أوسع.)

“الفرار من القلق الذي يصاحب اتخاذ القرارات”، “التقليل من قيمة الشخص لنفسه”، “ضعف تقدير الذات”، “الهزيمة الذاتية”، “الجنوح للأحلام والاماني في تحقيق الكمال”، “غياب الواقعية في تقديرهم لواجباتهم…” هذه عبارات موجعة، ولكنها في رأينا تصف واقع حال الصف القومي الاجتماعي اليوم.

ليس غريبًا أن يجنح القوميون، “للأحلام والأماني” فيما تغيب الواقعية عن أعمالهم وعن “تقديرهم لواجبهم”، ذلك أن الواجب الأول، هو واجب صعب. إنه واجب إعادة بناء الحركة القومية الاجتماعية بدءًا من إيجاد آلية جديدة لانبثاق السلطة تنهي كل الانقسامات وتؤسس لعصر جديد نرى فيه الحزب السوري القومي الاجتماعي على سكة تحقيق غايته.

ولأن هذا الواجب صعب نرى ان هناك تسويفًا حوله أو هروبًا منه. إنه يحتاج إلى كثير من عناصر القوة التي دعانا سعاده للأخذ بها: “صحة العقيدة وشدة الإيمان وصلابة الإرادة ومضاء العزيمة.” ولأنه صعب، نرى معظم القوميين يهربون منه، إلى أين؟ إلى أي مكان آخر. إنهم يهربون إلى “الثقافة”، الكل يعمل في الثقافة. إلى الانتخابات، الكل يعمل في الانتخابات. إلى حركات المجتمع المدني، (راجع ندوة شربل نحاس في مجموعة إعادة البناء) إلى المساعدات الاجتماعية، إلى الفنون الجميلة، إلى الصحة، إلى أي شيء يبعد عنهم كأس التفكير في السؤال الكبير: أين ستصب كل هذه الجهود التي نقوم بها في شتى المجالات إن لم يكن هناك حزب سوري قومي اجتماعي واحد، له قيادة مخلصة لغايته العليا، ومركّزة على تحقيقها، ينظم نتائجها ويبني منها قوة حقيقية وحيوية فاعلة قادرة على تحقيق الأهداف والاحلام والأماني.

لا شك أن كل هذه الأعمال مهمة ومفيدة ولكنها تبقى جهودًا مبعثرة لا تبني نهضة ولا تحقق غاية.

“إذا أعياك السياسيون توجه إلى الشعب.” عبارة قالها رئيس وزراء كندا الأسبق بيار إليوت ترودو في خطابه الوداعي يوم ترك العمل السياسي. ونحن الذين أعيانا سياسيو الحزب و”مثقفوه” نتوجه إلى القوميين في متحداتهم لنقول لهم إن مسؤولية إنقاذ حزبكم في يدكم أنتم وليس سواكم. ولعملية الإنقاذ هذه مسار واضح: اختيار المديريات والمنفذيات – في جميع التنظيمات التي تدعي أنها الحزب السوري القومي الاجتماعي – مندوبين عنهم يقومون بانتخاب قيادة جديدة لمرحلة انتقالية يتحقق فيها ثلاثة أمور: تنقية جسم الأمناء، تعديل الدستور، والتهيئة لانتخابات جديدة.

أي شيء خارج هذا الهم سوف يبقي الانقسام قائمًا ويهدر ما تبقى من حيوية القوميين. أي تسويف في مواجه هذا الاستحقاق أو هروب منه لن يلغيه، سوف يجعل عبئه أكبر علينا وعلى من سيأتي بعدنا.

0
0

3 Comments

جوزف الاسمر 26 مارس، 2022 - 8:17 ص

ممتاز

أسامة المهتار 26 مارس، 2022 - 12:09 م

شكرا.

مدرسة الصفقات – الفينيق 27 مارس، 2022 - 1:29 ص

[…] أيام قليلة على نشر مقالنا “الهروب الكبير“، أعلنت إحدى مديريات الوطن، ذات التاريخ العريق في […]

Post Comment