المظلة

Share

اتصلت بي البارحة صديقة وطنية وناشطة مخلصة من أحد كيانات الوطن، لتعلمني بنيّتهم القيام بنشاط ما لكسر الحصار عن الشام، وسألت إذا كان بإمكان الجمعيات في كندا والولايات المتحدة المشاركة في عمل كهذا خلال أيام. قلت لها إني سوف أسعى، ولكني استبعد ان يكون هناك قدرة على التواصل والتنسيق للمساهمة في عمل كهذا خلال أيام؟

ولا أخفي القارئ أن جوابي أزعجني، والأرجح أكثر بكثير مما قد يكون أزعجها أو فاجأها. فلماذا يأخذنا كل هذا الوقت للمشاركة في عمل وطني يجب ان يكون بديهيا؟ الجواب هو أننا نفتقر إلى المظلة التنظيمية التي نستطيع العمل في ظلها لتحقيق ما هو مطلوب منا كحد أدنى، أو لتحقيق طموحاتنا، كائنا ما كانت هذه الطموحات. فما هي هذه المظلة التي نتكلم عنها.

قبل الجواب، دعونا نسأل هل ثمة حاجة لجهاز يتكلم باسم الجاليات الاغترابية، سواء سميتها سورية، أم لبنانية أم عربية، أم كلها معا؟ الجواب نعم. هل من الضروري ان تتفق كل هذه الجمعيات على كل الأمور؟ كلا. ما هو الإطار الجامع لها؟ حد أدنى من الرؤية وصيغة للتعامل مع المسائل طويلة الأمد التي تحتاجها جالياتنا الاغترابية، وصيغة للتعامل مع المسائل الطارئة مثل الزلزال الأخير، وقبله انفجار مرفأ بيروت وانهيار النقد في لبنان، والمآسي الاجتماعية التي تخلفها كل هذه الكوارث. هذه تكون مظلة للعمل الاجتماعي الخيري.

هل يمكن أن يكون لدينا مظلة للعمل السياسي؟ ليس فقط يمكن، بل لا بد. لماذا؟ لأننا في خضم أحداث سياسية هائلة، بل هناك تحرك صفائح تكتونية على المستوى السياسي العالمي، تنذر بتغيرات في النظام الدولي برمته، وما الحرب في أوكرانيا، سوى الهزات الأولية لهذا التحرك. إن لم يكن لنا وجود عبر مؤسسة ما، تستطيع ان تعبر عن مصالحنا في صراع القوى هذه، سيكون مصيرنا أسوأ مما حذرنا منه سعاده قبل الحرب العالمية الثانية.

هناك تخوف لدى الكثير من المحللين أننا دخلنا الحرب العالمية الثالثة، وأن ما ينتظر التفجير الكبير أو الإعلان عن هذه الحرب هو شرارة ممكن أن تحدث في أية لحظة. الكلام عن الحرب العالمية، خاصة بعد زيارة الرئيس بايدن إلى كييف، دفعني لنبش صورة لقادة الدول المنتصرة في مؤتمر يالطا. كانوا ثلاثة. على ما يبدو، ونتيجة الوضع الدولي السائد، هناك صراع لإضافة صورة لقائد رابع يمثل الصين، أو إزالة صورة لمن يمثل روسيا. هذا هو الصراع الحقيقي وسوف يكون له ارتدادات كارثية علينا. فنحن، في نظر هذه القوى، أوراق مساومة. “نعطيكم هنا، أعطونا هناك.”

ما علاقة مؤتمر يالطا بمظلة تنظيمية للجمعيات السورية في المغترب سواء أكانت اجتماعية خيرية أو سياسية.

ما يعنينا هنا أن هذا المؤتمر هو مؤتمر المنتصرين. هناك منتصر رابع لا يظهر في الصورة هو الحركة الصهيونية. هذه الحركة كانت قد ضمنت تعهدات من الإنجليز والأمريكان والفرنسيين والطليان والفاتيكان حول إقامتهم لدولة يهودية في فلسطين. وبعد ثلاثة سنين من هذه الصورة، سوف يعترف نصف العالم بها. هذه الحركة كانت “المظلة” لعدد من الشخصيات والجمعيات والمنظمات، التي تكلمت باسمها. هذه الحركة فاوضت، وقامرت، وخادعت، وعملت كل ما يلزمها لتحقيق أهدافها، وقد فعلت. فما الذي ينقصنا؟

ما ينقصنا هو القرار. ما ينقصنا هو الإدراك التام ان الوقت ليس في صالحنا. إن جيلنا في المغتربات يتساقط كأوراق الخريف. ولا يمكن لنا ان نقول، “بكرا ولادنا بيعملوا” أو “لننتظر أجيالا لم تولد بعد.” هذا هروب. إن لم نؤسس، اليوم، لمظلة تنظم أعمالنا وتوجهها، تخطيطا وتنفيذا ونجاحا، فإن أولادنا سوف يتبرؤون منا.

بالعودة إلى الحركة الصهيونية، مع كل مفصل تاريخي تتقدم هذه الحركة أشواطا. في منتصف الحرب الأولى، أخذت تعهدات دولية تمثلت بوعد بلفور. مع نهايتها حصلت على الانتداب البريطاني، تحت إشراف حاكم صهيوني. مع نهاية الحرب العالمية الثانية حصلت على التقسيم فالاعتراف. في الحرب الباردة عمّقت جذورها. في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة، لن نستبعد ان تقوم بأكبر عملية تنظيف عرقي، فالأرض مؤهلة وهي جاهزة لذلك. ماذا عن العالم؟ ماذا عنه؟ العالم قد تبلد لمثل هذه الجرائم وهذا النزوح بعد كل حدث في الشام وقبله العراق. الغرب مع إسرائيل والشرق ليس ضدها، ونحن غائبون عن الملعب.

هل مازلنا بحاجة لبحث ما إذا كنا بحاجة إلى مظلة تدير شؤوننا؟

0
0

4 Comments

ريمون الجمل 21 فبراير، 2023 - 3:10 م

تعليقا على الصورة في يالطا
العرب لم يصدق تفتت الاتحاد السوفياتي ووصل يلتسن السكير على راءس الدولة السورية حتى امعن في تفتيت ما تبقى من دول
نجح في بولاند اللتي اصبحت غربية مءة بالمية
يوغسلافيا الى خمسة او سنت دول ضعيفة لا حول ولا قيمة
جورجيا
ارمينيا المهددة يوميا
وفي هذا المشهد السريالي – تسابق روءياء دول الغرب ابتداء من بوريس والبارحة بايدن ومالك الانكليز ما هو الا دليل على نيتهم لتقسيم واضعاف روسيا . هل سينجحون ؟ هو السوءال المليون دولار ؟

Hoda Mohtar-Mateyk 22 فبراير، 2023 - 9:10 م

!Very profound analysis! Thank you

أسامة المهتار 22 فبراير، 2023 - 9:43 م

Thank you.

Dr Francois Namet 21 مارس، 2023 - 6:22 م

” C’est pourquoi, nous dit Spinoza, les idées en tant qu ‘idées sont impuissantes à produire quelque effet sur notre corps.
Les petits producteurs intellectuels – éditorialistes, experts, hommes politiques, universitaires -, portés à voir le monde depuis leur position particulière, sont par là enclins à croire que «les idées mènent le monde» – avec l’arrière-pensée d’un syllogisme cousu de fil blanc: si les idées mènent le monde, et que nous sommes les producteurs des idées, alors nous menons le monde… Mais ils ne sauraient se tromper davantage, du moins si l’on considère l’idée rigoureusement parlant, c’est-à-dire comme contenu purement idéel, en tant que tel sans force – sur les corps’. Il faut donc bien s’entendre: lorsque « sous le coup d’une idée » – comme le dit l’expression courante – nous faisons quelque chose, par quoi nous devons comprendre que notre corps se met en mouvement – si, par exemple, une « idée» politique nous a scandalisés, ou mobilisés (le mot ici est parfaitement adéquat), nous sommes plus agités, notre tension monte, nous faisons du bruit avec la bouche (des phrases politiques, et nous discutons), éventuellement nous prenons la rue, ou nous allons au meeting -, si donc ce que nous appelons une « idée» nous fait faire des choses pareilles, c’est qu’elle ne nous est pas arrivée à l’état de pur contenu idéel seulement, mais accompagnée d’affects. Et nous le savons de connaissance
directe d’ailleurs: certaines idées nous parviennent qui nous laissent froids. Mais alors quelle est la différence entre celles qui nous font quelque chose et celles qui ne nous font rien, sinon les affects qui accompagnent les unes et pas les autres? Quand nous disons qu’une idée « s’empare de nous», l’image cette fois touche juste et restitue bien la nécessité qui va par suite nous déterminer à nous mouvoir d’une certaine manière. Et, oui, cet emparement est passionnel.
Si donc quelque chose mène le monde, ce ne sont pas les idées elles-mêmes, ce sont les complexes qu’elles forment avec des affects qui viennent les véhiculer.”
“LES AFFECTS DE LA POLITIQUE”
Frédéric LORDON

Post Comment