المجاعة تحت حماية القانون!

Share

صدر قانون جرائم المعلوماتية في الشام، وفيه مواد قاسية على الإعلاميين والناشرين والناس العاديين الذين يفكرون بانتقاد مسؤول ما، بذريعة أن ذلك يوهن عزيمة الأمة وهيبة الدولة. لكن القانون لم يلحظ الحالات التي يتعرض فيها المواطن إلى الانتهاك، ولم ينشغل بالدفاع عنه، ولم يتناول محاسبة المسؤول الذي لا يلتزم بالخطط والوعود التي يطلقها، حتى عندما يخفي الحقائق عن الشعب، فإن القانون لا يعاقبه أو يترك المجال للمواطنين أن يرفعوا الدعاوى القانونية عليه باعتباره مارس التضليل خلال جلوسه في سدة المسؤولية!

وزارة الكهرباء تقول إن التيار سيتحسن، لكن الكهرباء تتراجع بعد يومين من التصريح! وزارة النفط تقول إن توفر الغاز المنزلي سيشهد تحسناً كبيراً خلال الفترة القادمة، لكن ما يحدث هو العكس تماماً! وزارة التجارة الداخلية تقول إن الأسعار لن ترتفع، وفي اليوم الثاني تحلق الأسعار في كل اتجاه! فهل كل هذه الممارسات معفاة من محاسبة القانون لأنها تمس المواطن القادر على التحمل بصمت؟

القانون، هلّل للإعلام المطبل للحكومة، واعتبره وطنياً، أما الإعلام المنتقد المشير إلى مواطن الخلل، فهو عميل متآمر مع الامبريالية والرجعية! وبالتالي فإن امتلاء مواقع التواصل الاجتماعي بمنصات الإعلام السطحي المستسهل التي نتتهك كرامة المواطن، لا يعتبر أمراً جللاً يستدعي التفكير بالتدخل لأن المسألة لا تطاول المسؤول المحصّن خلف مكتبه برعاية مواد قانونية تشرعن ممارساته حتى لو كان يسيء إلى مؤسسات الدولة.

تنزل إلى الشوارع كاميرا أحد المنابر الإعلامية، وتؤكد المذيعة أن الأمور على خير ما يرام والشعب يعيش بسعادة وفرح ولا ينقصه سوى بعض الكماليات التي يعاني من نقصها الإنسان الأوروبي بطبيعة الحال! ولا يعتبر ذلك فصاماً عن الواقع وإمعاناً في مخالفة ميثاق الشرف الصحفي الذي أجمعت عليه شرائع الأرض كلها! لقد صنعوا جيشاً من الإعلاميين غير المتخصصين وجماعات كبيرة من المختصين بوضع علامات الإعجاب من أجل الترويج ونشر الدعايات المضادة للحقيقة، ولم تنج برامج الكاميرا الخفية التي تهين العابرين في الشارع بدعوى التسلية والمزاح، من ذلك المخطط المتورط في السخرية من المواطن ومن معاناته وتحويلها إلى “تريندات” خفيفة تافهة.

لقد حرك مشهد بكاء أحد المسنين أمام الكاميرا، مشاعر الناس الذين يبكون بصمت في منازلهم دون أن يراهم أحد. ولم يشفع للمسنّ عمره وشعره الأشيب، فاعتبر أصحاب ذلك المنبر أن الصورة خبطة صحفية لأنها تشير إلى الواقع، لكنهم لم يقولوا لماذا لم يشيروا إلى الأسباب ولم يقترحوا الحلول! إنها الدعاية المشبوهة التي يدعمها رأس المال تصر على كرم أولي الأمر في تقديم الطعام لأحد العابرين المنكسرين والمنتمين إلى الأقل دخلاً في العالم! كل ذلك يبدو طبيعياً أمام قانون جرائم المعلوماتية، لأنه بكل بساطة ينتهك مشاعر الشعب التي لا يحميها قانون ولا ينشغل بها مسؤول!

المشكلة الخطيرة أن الإدارات غير مشغولة بردم الهوة أو اختراع الحلول ورسم الاستراتيجيات البديلة، بل على العكس، فهي لا تتردد في كب الزيت على النار كل يوم عبر قرار أو سلوك يؤكد استهتارها بالشعب! كأن هذه الادارات مخترقة بأشخاص لا يعملون على صيانة مصلحة الدولة. ففي كل الأحداث الخطيرة لم يتمكن ناطق رسمي باسم الحكومة من الخروج عبر وسائل الإعلام لشرح الحالة بشفافية للشعب. وفي المرات التي خرج فيها أحدهم، كان يتعامل مع الناس كأغبياء لا يعرفون ما يجري وما هي حقيقة الأمور، وهذا الأمر ينطبق على السياسة والاقتصاد وكل شيء آخر.

المتتبع للوضع الاقتصادي السوري، يتأكد من خطورة ما يجري، فالمجاعة قادمة لا محاولة ومعها لن يكون هناك شيء مستبعد، بل ربما نكون أمام اضطرابات كبيرة لا يمكن ضبطها، ومن الغريب أن تستمر الحكومة وكأن شيئاً لم يكن حتى الآن!

0
0