LOADING

Type to search

وحدة الهلال الخصيب الثقافية وفقا لكتاب “اللاهوت العربي” ليوسف زيدان (1/3) – حسان يونس

أدب

وحدة الهلال الخصيب الثقافية وفقا لكتاب “اللاهوت العربي” ليوسف زيدان (1/3) – حسان يونس

Avatar
Share

حسان يونس

مقدمه:

أثار المفكر المصري يوسف زيدان، عندما طعن وبشكل ممنهج في الكثير من الرموز والمحرمات الجاثمة على وعينا وبالتالي على حاضرنا ومستقبلنا، أثار بلبلة كنا أكثر ما نحتاج إليها. هذه البلبلة في نهاية المطاف هي تحريك للمياه الراكدة والآسنة التي يتشبع بها مجال أفكارنا واعتقاداتنا، وهي تنوع وغنى فكري بعيدا عن الأحادية والنمطية الفكرية والتفكير القطيعي الذين يكرسون الكثير من المفاهيم المغلوطة والترسبات المدمرة للوعي .

مفكر مثل يوسف زيدان، من حيث انه مصري وصل إلى العالمية، نموذج يُستند إلى كتاباته لإثبات مقولة أن الهلال الخصيب بامتداده السوري والعراقي هو فضاء اجتماعي ثقافي حضاري واحد بحكم عوامل تاريخية وجغرافية عصية على التحول مهما تحولت الأزمنة .

ففي مقارنة بين السمات العامة وأنماط تفكير الجماعات البشرية القاطنة للهلال الخصيب وبين مثيلاتها من جماعات ذات تاريخ طويل وجغرافية محددة، نجد، وفقا ليوسف زيدان في كتابه “اللاهوت العربي”، أن فكرة المركزية تتكرّس بشكل متصاعد بين فصل وآخر من فصول الكتاب، وتؤكد على العقلية الواحدة أو السمة الثقافية الواحدة المهيمنة على الهلال الخصيب في مواجهة البيئات الثقافية المتمايزة في كل من مصر واليونان .

ما بين الهلال الخصيب والمنطقة العربية :

يعتمد يوسف زيدان، للدلالة على الحيز الجغرافي محل الدراسة، عناوين متباينة. فهو تارة يشير إليه بالهلال الخصيب، وتارة يسميه الشام الكبير والعراق، وتارة يعبر عنه “بالمنطقة العربية” أو “منطقة انتشار الثقافة العربية قبل الإسلام والمسيحية بقرون”، مستندا إلى النظرية الاستشراقية[1] القائلة بنزوح القبائل العربية إلى الهلال الخصيب وتأسيس الحضارات المتعاقبة المعروفة، ومستندا كذلك إلى نشوء وتطور بعض الممالك العربية في الهلال الخصيب كمملكة الرها والحضر والأنباط[2] مستعينا بالمرجع المعروف (تاريخ العرب القديم) لجواد العلي .

إن مجال هذا البحث ليس معالجة هذه النقطة، وتأكيد أو نفي ما إذا كان الهلال الخصيب هو “منطقة عربية” أو “منطقة انتشار الثقافة العربية قبل المسيحية بقرون”، لا بل التأكيد على الهوية الثقافية الواحدة المهيمنة على هذه المنطقة بغض النظر عن لونها أو تسمياتها، والتأكيد بالتالي على عامل الجغرافية الثابت ودوره في صناعة الهوية ومن ثم القومية في مقابل عامل اللغة والدين المتحول والمتهافت ضمن الجغرافية والثقافة الواحدة. فالهلال الخصيب كما يبيّن البحث انتقل خلال عدة قرون من اللغة السريانية واليونانية إلى اللغة العربية، ومن الغالبية المسيحية إلى الغالبية الإسلامية محتفظا رغم ذلك بالسمة الثقافية الواحدة المتجذرة عميقا في الجغرافية والتاريخ خارج طبقات الدين واللغة والاثنية .

 وبالعودة إلى مسألة ما إذا كان الهلال الخصيب منطقة عربية “قبل المسيحية بقرون” أم لا نذكر النقاط التالية :

  • انحسرت النظرية الاستشراقية القائلة بالهجرات “البدوية” السامية الى سوريا الطبيعية والتي أطلقها اللاهوتي النمساوي شوليتزر عام 1781، وصار الباحثون العرب يرددونها كآية منزلة، لعدم وجود أي دليل مادي أو تاريخي عليها سوى التقارب اللغوي. فالسوريون سكنوا أرضهم منذ ما قبل التاريخ حتى يومنا هذا دون انقطاع وهم أنفسهم كانوا يتحركون في هذه الجغرافيا بين المتوسط والخليج؛ فزرعوا القمح في الداخل وبنوا السفن على السواحل وأقاموا الممالك والمدن واخترعوا الأبجديات .
  • ببعض التدقيق نجد أن يوسف زيدان عمل على لي عنق المصطلحات الجغرافية والحضارية بما يؤدي إلى إعطاء الجزيرة العربية مركزية في بحثه، فهو يقحم مصطلح “الجزيرة العربية” في كل مرة يريد فيها الإشارة إلى الهلال الخصيب، فيقول تارة “وفي زمن أقدم من ذلك بكثير والى الشمال من الجزيرة العربية[3] عاشت في أذهان الناس أساطير…” ويقول تارة أخرى “ظهرت بواكير هذا العلم[4]-علم الكلام- في البلاد المحيطة بالجزيرة العربية في القرن الأول الهجري” وهكذا دواليك ….
  • تجمع كافة الدراسات الأثنولوجية والأنثروبولوجية[5] على استحالة رد شعب من الشعوب إلى جد واحد. بمعنى آخر لا وجود لسلالة صافية تنتمي لعرق واضح. ومن هنا لا يمكن القول استنادا إلى العامل اللغوي أن حضارات الهلال الخصيب ترجع إلى هجرات عربية أتت من شبه الجزيرة العربية. فالتمازج السلالي والتفاعل البشري مع الأرض ومع المحيط أنتج هوية مميزة لمنطقة الهلال الخصيب خارج تلوينات اللغة والعرق والدين خاصة وأن هذه المنطقة لم تعرف الانعزال أو التقوقع في أي مرحلة من مراحل تاريخها بل كانت على الدوام ممرا لكل الأقوام والثقافات.
  • وبناء عليه فالأنباط وممالك الرها والحضر وتدمر ليسوا بعرب، بل الأصح أن العرب السوريون هم سوريون كما بقية المزيج الشعبي السوري كالسريان واليونان والتركمان والأرمن والقوقاز والأكراد والعجم والروم و…..الخ. إنهم جميعا أبناء الجغرافية السورية. فسوريا مزيج شعبي يرتبط بجغرافية وبدورة حياة اقتصادية اجتماعية، وليس الرابط بينهم عرقية أو اثنية أو ديانة أو لغة .
  • وإذا كان هناك من مجال للحديث عن التأثير والتأثر بين منطقة الهلال الخصيب ومنطقة الجزيرة العربية قبل المسيحية بقرون، فالأسلم أن يقال إن القطب الحضاري في ذلك الزمن “الهلال الخصيب” هو صاحب الفعل والتأثير في الأطراف الحضارية “الجزيرة العربية” التي تتلقى الانفعال والتأثر على شاكلة ما يحدث في العالم المعاصر الذي يمثل فيه الغرب القطب الحضاري ويمثل فيه العالم الثاني والثالث الأطراف الحضارية .
  • بناء على ما تقدم فإن التعبير عن الحيّز الجغرافي، موضع دراسة هذا البحث، هو سورية الطبيعية، وعليه يكون “علم اللاهوت العربي” المشتق من الهلال الخصيب  – باعتباره منطقة انتشار الثقافة العربية بحسب المؤلف- سيُعتمد له تسمية بديلة هي علم اللاهوت السوري، باعتبار أن الهوية الثقافية التي أنتجت علم اللاهوت المذكور ثقافة سورية قائمة على تفاعل ومزج وصهر ثقافات المنطقة السورية، ومع الأخذ بالاعتبار أن الثقافة العربية تشكل إحدى مكوناتها .

التعريف بالمصطلحات :

  • الأرثوذكسية : هي نمط من الإيمان المسيحي يؤكد بصرامة ألوهية المسيح وتعدها حقيقة لا يجوز إنكارها بأي حال من الأحوال، وإلا خرج المنكر لها عن حدود الإيمان القويم أو الأمانة المستقيمة. والأرثوذكسية، كمصطلح دال على إيمان مسيحي معين، لم تتطور إلا من خلال الجدل مع حركات (الهرطقة) في المسيحية التي أنتجتها البيئة الثقافية المميزة لسورية الطبيعية. ولذلك تعدّل “قانون الإيمان الأرثوذكسي” بحسب هذه الحركة الجدلية عدة مرات قبل أن تستقر العقيدة الأرثوذكسية عدة قرون بعد ظهور المسيحية وأن تقابل في مجال الفكر الإسلامي “السلفية او مصطلح أهل السنة”[6] التي تطورت كذلك من خلال الجدل والتفاعل مع علم الكلام الناتج بفعل البيئة الثقافية المميزة لسورية الطبيعية.
  • اللاهوت : كلمة سريانية انتقلت بلفظها إلى العربية مثل كلمات سريانية أخرى اغلبها ديني مثل ناسوت وجبروت وملكوت ورحموت. فكلمة اللاهوت تقابل الناسوت والمقصود بها الإلهيات أو العلم الإلهي أو ذات الإله وصفاته أو الثيولوجيا باليونانية .
  • الكريستولوجيا : الفكر الديني القائم على البحث في حقيقة وطبيعة المسيح .
  • الحرومات أو اللعنات (الاناثيما) : هي بيانات تصدرها الكنائس بحق الهراطقة المخالفين لها تتضمن إخراجهم من الخلاص الكنسي وإلقاء اللعنة عليهم .
  • الهرطقة : هي إنكار أصل من الأصول الدينية أو الإيمان المشوب ببعض الاعتقادات الباطلة من وجهة النظر الارثوذكسية، وتقابل في الإسلام (بالبدع ) أو (الزندقة )، ويمثلها إسلاميا بشكل رئيسي الآباء المؤسسين لعلم الكلام الإسلامي ومدرسة المعتزلة الفكرية لاحقا.
  • علم الكلام الإسلامي : نشأ هذا العلم بعد القرن الأول الهجري عندما استقر الإسلام في سورية الطبيعية. هو مشتق من أن القران هو (كلام الله) وان المشتغلون بهذا العلم هم المهتمون بمفهوم النص القرآني، أو المتكلمون في العقيدة وفق ما ورد في النص القرآني. فهم المدافعون عن أصول العقيدة ضد المذاهب والانحرافات التي مالت بها عن الإيمان القويم والحق الذي جاء به القران الكريم؛ أو هو وفق الشيخ محمد عبده : علم يبحث عن وجود الله وما يجب أن يثبت لله من صفات، وما يجوز أن يوصف به وما يجوز أن ينفى عنه[7].
  • المعتزلة : وهو مذهب كلامي يعتمد التأويلات العقلية للنصوص القرآنية ويرفض قبول النصوص بحرفيتها. ويقول بأن القرآن مخلوق محدث غير قديم يقبل التأويل ويجوز إعمال العقل في نصوصه.
  • الأشعرية : هو مذهب كلامي أخذ منحى متوسطا بين التأويلات العقلية المفرطة للنص الديني التي اعتمدها المعتزلة، وبين القبول الحرفي للنص الديني الذي اعتمدته الاتجاهات المضادة للمعتزلة كالمشبهة .
  • المشبهة : وهم الأئمة من السلف الذين يقبلون صفات الله كما وردت بحرفيتها في القران. فإذا قالت الآيات *يد اللله * صار لله عندهم يد. وإذا قالت الآيات *تجري بأعيننا* صار لله عندهم عين. وهكذا حتى شبهوا الله تعالى بالإنسان المخلوق فسماهم المتكلمون المشبهة او المجسمة .

[1] نظرية استندت إلى مصطلح اللغات السامية الذي ظهر في أواخر القرن الثامن عشر على يد اللاهوتي النمساوي شلوتزر، وسرعان ما تم تبنيه من قبل الباحثين في لغات وحضارات المشرق العربي القديم، ليتضمن في شكله وفي تطويراته اللاحقة، أن لغات حضارات منطقة الهلال الخصيب هي فروع من لغة أم هي اللغة السامية الأصلية، وأن مهد هذه اللغة هو شبه الجزيرة العربية، حيث تعتبر هذه النظرية أن اللغة السامية انتشرت في وادي الرافدين وفي سورية عن طريق تحركات بشرية واسعة حملت العنصر السامي واللغة السامية خارج شبه الجزيرة العربية ودعيت بالهجرات السامية الكبرى. وترتكز هذه النظرية على ان دراسة ومقارنة اللغات الأكادية والبابلية والآشورية والعربية والعبرية قد أظهرت مدى تقاربها في صيغ الاشتقاق والصرف، إن هذه اللغات تشترك في معظم جذور الأفعال وتقوم على الاشتقاق من الفعل الثلاثي الأحرف وتتشابه فيها صيغ الصرف، إضافة إلى تشابه الضمائر وعدد هائل من المفردات.

[2] يوسف زيدان , اللاهوت العربي , ص 85 – 86

[3] المصدر السابق , ص 84

[4] المصدر السابق , ص 156

[5] موقع العتيدة , جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات , مصطلح السامية بين حقائق العلم وخرافة سفر التكوين – دراسة واستبيان- , الدكتور محمد محفل

[6] المصدر السابق, ص 10

[7] المصدر السابق ص 157

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.