الشعب يصرف على الحكومة!
Share
غضب السوريون من مشروع تجميل ساحة السبع بحرات وسط دمشق، التي قالت المحافظة إن جهات أهلية تولت دفع التكاليف. فالمبلغ الذي يتم تداوله يصل إلى ملياري ليرة كان يمكن توظيفها في مكان آخر أكثر أهمية، خاصة في ظل تردي الخدمات وارتفاع الأسعار وغياب الكهرباء والوقود بعد أن دخلت مربعانية الشتاء دورتها المعتادة.
قبل أشهر، تم الترويج لما سُمي بالسياحة الشعبية، بينما كان المواطنون يعانون في الحصول على رغيف الخبز ولقمة العيش، ظهرت السياحة الشعبية، بلا شعب قادر على التنزه في بلده المنهك من تداعي بنيته التحتية واقتصاده.
مشهد عيد الميلاد في شوارع دمشق وغياب زينة شرفات المنازل، أو بالأحرى انطفاء النور عنها، كان يؤكد ضروة توفير المقومات الأساسية قبل الانهماك بأعمال التجميل والماكياج الخاصة بالشوارع وأماكن الترفيه التي يقول المواطنون إنها باب لتفاقم الفساد وتبادل العمولات والهدر بلا مبرر.
تقول الأنباء إن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بصدد إدراج “المتة” على البطاقة الذكية أول العام. ولم يكن الأمر مفاجئاً، فقد درجت العادة أن يتم رفع سعر المادة بشكل كبير ومن ثم فقدها من الأسواق، وانتشارها بالسوق السوداء، ثم ظهورها ثانية بحلة جديدة وسعر مرتفع جديد. تلك الخطة طبقتها الحكومة في أكثر من مادة استهلاكية بحيث يظهر رفع السعر حلاً لمشكلة عدم توفر المادة.
لم تستطع الحكومة حل أي من المشاكل الجوهرية، فعندما اتجهت إلى الأتمتة لم تفكر بتوفير المعدات، وكان مشهد الموظفين المتزاحمين على الصرافات الآلية المعطلة مؤشراً آخر على كارثية التخطيط الاقتصادي الذي يعمل بمعزل عن حسابات البنى التحتية. إنهم ينشغلون بمعدات التجميل أكثر مما يقلقهم توفر رغيف الخبز.
منذ بداية الأزمة، وجهت الحكومة إلى وسائل الإعلام بضرورة عدم استخدام مصطلح “الطوابير”، بعدما اشتهرت الشوارع بطوابير الغاز والخبز والبنزين والسكر والرز… وفي ذلك الوقت حوّر المواطنون أغنية فيروز إلى “أنا من بلد الطوابير” فصار هذا المصطلح من الممنوعات في وسائل الإعلام التابعة للحكومة. لكن الطوابير بقيت تكبر وتتنوع لتصل إلى معظم المواد الاستهلاكية.
كيلو اللحمة تجاوز الخمسين ألف ليرة، وربطة الخبز بألفي ليرة في السوق السوداء، وصحن البيض بثماني عشرة ليرة.. بينما راتب الموظف مئة وعشرين ألف ليرة، وتأتي محافظة دمشق كي تجمّل ساحة السبع بحرات بكلفة عدة مليارات ليرة!
تعليقات الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، تختزل المشهد السوري، فقد كتب أحدهم إنه نسي قيادة السيارة بسبب ركنها بشكل دائم نتيجة غياب البنزين! وقال آخر رداً على وزير التجارة الداخلية: إذا كان ثمن منزلك بعدة مليارات، فكيف ستشعر بالفقراء؟ وقد كان الوزير قد صرح لوسائل الاعلام أنه من بيئة ثرية وسعر منزله مرتفع جداً!
حتى الآن، الأفق الاقتصادي مسدود ولا وجود لحلول في الأفق، في ظل انعدام الموارد وغياب الحلول الجوهرية التي تركز على الإنتاج الزراعي والصناعي. وقد كان ظهور أحد أعضاء مجلس الشعب في مداخلة أثناء اجتماع المجلس، مدعاة للسخرية خاصة عندما أجابه رئيس المجلس مدافعاً عن الحكومة: “أنت لا تمثل إلا حالك”!
يقول الخبراء إن الحكومة تعمل اليوم استناداً إلى قواعد اقتصاد الظل، وهي قواعد تعتمد كل الأساليب لتحصيل المال من الشعب ولا تركز على الإنتاج ودعم المشاريع الصغيرة وتوفير مستلزمات الزراعة كأولوية لأنها تضمن الأمن الغذائي.
الأنباء تقول إن هناك تغييراً حكومياً بداية العام، لكن الأثر المنتظر لهذا التغيير غائب ولم يعد يثير اهتمام المواطنين الذي يعرفون أنه مجرد تغيير طرابيش بين الأسماء المكرسة في سدة المسؤولية. فالمشكلة في النهج، وتجربة السنوات الماضية تقول إن الحكومة لا تمتلك نهجاً سوى الجباية وتحصيل المال من الشعب.