مسؤوليةٌ استثنائية على القوميين في هذه الذكرى للتأسيس
Share
ماهر يعقوب
رفيقاتي رفقائي
أعتقد أنّه لا داعٍ لتكرار توصيف الواقع الحزبي القائم، فهو واضحٌ لكل قوميّ اجتماعيّ، لكن ما زاد في ضجيج الخيبة نغمًا خلال السنة المنصرمة، أنّ عديدًا من الأمناء والرفقاء ممّن كانوا في سُدّة المسؤولية في العقد الأخير، وممّن تبدّى عليهم الامتعاضُ مما آل إليه الحزب بعد انتخابات 19 أيلول العام الفائت، تنادوا وانبروا لتشكيل تنسيقيات وتجمّعات للتصدي لهذا الواقع المرفوض، وأصدروا البيانات وحدّدوا الخطوات الدستورية الواجب تتبّعها للخلاص من هذا الواقع المستهجن. وبعضٌ أو كثيرٌ من القوميين استبشروا خيرًا في مساعيهم وضغوطاتهم، أذ إن معظمهم من الذين كوتهم النارُ المركزية التسلّطية وأحرجتهم فأخرجتهم. وكم كان مقدار المفاجأة أنّهم سرعان ما أغواهم عرضُ بعض المواقع المنصبية ليتخلوا عن كلّ الهدف الوردي الذي زيّنوه للمستبشرين بتحركاتهم. فأكّدوا أنّهم ليسوا من الساعين لخلاص الحزب بل من المختلفين فيه سلطويًا.
كنت قد أشرتُ في مقالات سابقة، أن من نقاط الضعف الحزبية البنيوية، الولاءاتُ الشخصية التي نمت في صفوفنا، فضَعُفَ بُعدُنا التعاقدي مع سعاده، وولاؤنا للحزب الذي أسّس، ونما بالمقابل الولاءُ للأشخاص بعوامل عدّة ليس من مجالٍ للإشارة إليها الآن. لكن هذا الخلل البنيوي الخطير هو ممّا ساهم في وصول حزبنا لما نحن فيه اليوم.
هذه التبعية أو الولاء لأشخاص معيّنين، ولمناهجهم الخاصة في الادارة والسياسة، ونشوء أضداد لتلك المناهج والسلوك الحزبي الإداري، أوجدَ في الحزب عصبياتٍ جزئية كيدية متنافرة، أودت بحزب سعاده ليصبح فرقًا وأحزابًا يدّعي كل منها أنه على الصواب. لكن في الواقع جميعُها على ابتعاد وتعارض مع ما أراده سعاده من تأسيس حزبنا، كحركة نهوضٍ وفعلٍ وممارسة وصراع لانتصار القضية السورية.
اليوم وبمناسبة ذكرى تأسيس الحزب، أوّلُ ما يجب أن يسأل كلّ منا نفسَه، ماذا عليّ فعلُه للمساعدة في إنقاذ الحزب مما هو فيه؟ فواجبنا جميعًا ألّا نكتفي بالمهرجانات والمهرجانات المضادّة، أو بكتابة المطولات في معاني التأسيس، فليس اليوم مجالُ كلّ هذا التباري النظري والسياسي والعددي. فالتأسيس كما هو باٍلأصل محطةُ إعادة الحياة لأمتنا السورية التي ظنّها أعداؤها أنها قضت وإلى الأبد. هو اليوم محطةُ إنقاذ حياة هذا الحزب أو إعادته إليها.
مع الأسف، أتلمّس وجودَ عدد كبير من المنتقدين، لكني أرى عددًا قليلاً من طارحي حلول جادّة حقيقية عملانية. وهذا التراخي في التداعي لبروز حالة ناقدة ضاغطة على كل القيادات، وعلى المؤيدين والمتعارضين، لأمر مقلق في الصميم. إذ لا يجب إطلاقًا أن يكون القوميون مُقادين بهذه الغرائزية بين مع أو ضد لأقصى درجات التباين، ولا نافرين بهذا الاستسلام للأمر المفعول. صحيح أن القومي الذي عمل المعلمُ على تنشئته هو القوميّ الملتزم، النظاميّ، المؤدي واجبه والمنفّذ لقسمه، لكنه حتمًا ليس القوميَّ التابعَ، أوالمُقاد دون وعي وتبصّر، أو غير المتفهم لمضامين النظام، وغير المتحسّس لمزالق الخروج عنه. نعم يجب علينا جميعًا ألّا نستكين لما هو قائم، وألّا نقضي وقتنا في ندبيات واستشهادات على صوابية هذا الموقف أو ذاك الإجراء أو نقضه. بل علينا أن نتداعى للبحث في كيفية الخروج من هذا الواقع برمّته. فليس في أنصاف الحلول أو في الخطوات التقاربية المتبادلة والتنازلات المتناظرة من هنا وهناك، حلٌّ للمعضلة التي وصل إليها حزبُنا، علينا أن نهزّ الهيكل على رؤوس تُجّاره، فلا أسماء محصّنة، ولا رموز إلا سعاده، ولا قدوات إلا الزعيم. بهذا العُمق يجب أن نُبحر، وإلّا لا شُطآن حقيقية، ولا موانئ فعلية للحزب الذي استُشهد من أجله المؤسسُ. والذي قضى في سبيل انتصاره مئاتُ الشهداء مؤمنين بهذا النصر الحتمي.
أيها الرفيقات والرفقاء
قيل: إنه كما تكونون يولّى عليكم. فهل نحن الذين أقسمنا على أن نكون مخلّصي أمتنا، جنودَ نهضتها، مُوالي زعيمها، نرضى أن يصبح حزبُنا بهذه الضحالة التنظيمية والسياسية والفعل الاجتماعي؟ لا أعتقد أن فينا من هو راضٍ عمّا نحن فيه، لكن المشكل في المخارج شبه الموصدة التي أغلقناها بتمترساتنا وتبعياتنا لرموز بعينها. فأصبحنا نتلمّس الفرج بعامل الزمن أو بظروف خارجية أو بتدخّلات لأصدقاء من هنا وهناك. وكأن بيئتنا التنظيمية أصبحت قاحلة مُجدبة ليس فيها من عوامل للخروج من الدرك الذي أصبحنا فيه!
لا يا رفقائي، حزبنا حزب العقل، والإرادة، والصراع، والمعرفة، والبطولة الواعية، لن يكون رهناً على مبادرات خارجية أو أفكار وتمنيّات من هنا وهناك. فالأمر على تعقيده، بسيط حين نعرف ماذا نريد بالضبط وكيف نرسم سُبلَ تحقيقه.
الهدف المنشود برأيي هو تحقيق حالة حزب سوري قومي اجتماعي واحد موحّد جسدًا وروحاً.
لكن كيف السبيل لذلك؟
من المعروف والمنطقي والدستوري أن القوميين الاجتماعيين هم مصدر السلطات في الحزب، إذن هنا نقطة الابتداء الصحيح، فما كان يجري، فيه التفافٌ عليها وتعطيل لجوهرها بشكل من الأشكال، فالمنطقي أن يُصار لشكيل إجراء تنظيمي يجعل هذه المادة (الرابعة من الدستور) موضع تطبيق فعليّ في جوهرها.
لن أحاصر نفسي باقتراحات محدّدة، بل أتركها للعقل الجماعي يبتكرها مع الحرص على عدم السماح لالتفافات عليها تُفقدُها مضمونَها.
إنّ الحزب يحتاج إلى مؤتمر موحّد دراسي نوعيّ متبحّر، وليكن بمستوى مؤتمر تاريخي يدرس فيه تاريخَه، بنقاط ضعفه قبل قوته، والمزالق التي انخرط فيها قبل المواقف البطولية التي مارسها، بالآثام التي ارتُكبت وأسبابها والتغطيات التي حصلت لها، قبل تعداد المآثر التي نفتخر كلّنا بها… ليصار من خلاله لوضع تقييمات وتحديدات واتخاذ توصيات، وإجراء انتخابات نزيهة خارج كل العصبيات والولاءات الفردية، لتصبح لدينا مؤسساتٌ قيادية استشرافية تخطيطية ميدانية… تقوم بمعالجات صارمة دون رحمة لمن فتح ثغرات في الحزب أودت به إلى هذه المرحلة من الضعف بعد تسعة وثمانين عاماً على تأسيسه.
لكن، لنقلها بصراحة نحن في خضم أزمة ثقة بالقيادات الراهنة في كل التنظيمات الحزبية، ففيها جميعها فتكت إغراءاتُ السلطة، واحتقنت بالنزعة الفردية حتى الإختناق، وصار همّهم جميعاً كيفية المحافظة على مواقعهم السلطوية دون الاهتمام المطلوب بالعمل على تحقيق غاية الحزب، وغرقوا جميعًا في مسالك السياسات الكيانية وارتضوا أن يكون حزبُنا ضعيفًا تابعًا، بدل أن يكون قائدًا في المجتمع وموجهًا للعملية الاجتماعية والسياسية القومية.
هنا يبدو المأزق الاجرائي، إذ كيف لتنظيمات قومية اجتماعية ترفع علم الحزب، على رأسها قيادات كبّلت تطلعاتِها النزعةُ السلطوية، وحصرت هدفَها بالاستمرار في التحكم بالحزب، أن تساهم في إنقاذه مما وصل إليه؟
نعم بالمنطق لا يعوّل عليهم أن يكونوا إلا عاملاً ممانعًا لأي حركة نهوض بالحزب، فكيف السبيل للوصول الى الغاية (تحقيق حالة حزب سوري قومي اجتماعي واحد موحّد جسدًا وروحًا؟) أعتقد وبقوة أنه إن بقي ولو أعدادٌ قليلة منّا هنا وهناك، تلتزم في المؤسسات التي يعتبر كلّ منها أنها وحدها الشرعية والقانونية، وينزع هذه الصفة عن التنظيمات الأخرى، فإننا نساهم بذلك في إطالة الحالة الانقسامية في الحزب، ونشارك في إضعافه بدلَ أن نكون عواملَ تقوية وتحقيق أهداف قومية.
رفيقاتي رفقائي، لا مناص على ما يبدو من تركهم كقيادات أو كتنظيمات متنافرة منقسمة متبارزة… فنحن لم نتعاقد معهم، بل مع الزعيم سعاده، ولم ندخل في حزب مطلوبٌ منه توحيد الأمة السورية وترقيتها لنجده هو بذاته منقسمًا لا يقبل التوحّد!
حتماً أنا لست مقتنعًا بتاتًا بأي طرح يدفع باتجاه إنشاء تنظيم جديد، مهما زيّن له من جمال أهداف وصواب تطلعات ونقاء أشخاص. لكني أيضًا لست بمعوّل على أي صحوة في هذه القيادات المتمترسة وراء أنانياتها. فهي باقية لطالما أن أعدادًا ولو قليلة منّا تنتظم خلفهم، فدعونا نسحب هذه الورقة من أيديهم، ليصبحوا قادة مؤسسات فارغة من الأعضاء، فنحاصرهم بالدستورية في الوقت الذي ما انفكوا يحاصرونا منذ عقود بالنظامية.
طالما نحن القوميين مصدر السلطات في الحزب، فلنسحبها منهم، وندفعهم للتداعي إلى دعوة كل القوميين لعقد هذا المؤتمر المناط به تحقيق وحدة الحزب وحدة حقيقية بمشاركة كل من يعبّر عنهم فعلاً.
لا أرغب أن أدّعي بأن هذا الطرح هو الوحيد الذي يمكن له أن يقوّم الوضع الحزبي غير السويّ القائم، لكن بغياب طروحات أخرى منطقية تراعي عدم الذهاب إلى منافسات جديدة، وفي ظل استكانة معظم التنظيمات الحزبية إلى واقع الحال، أراه صالحاً إلى حين يبرز الأصحّ منه والأكثر عملانية ودستورية.
ولتحي سوريا