كيانات سايكس بيكو تستيقظ على التكامل الاقتصادي!
Share
أثلجت مذكرة التعاون بين وزراء الزراعة في كل من الشام ولبنان والعراق والأردن، قلوب المواطنين “السايكوبيكيين”، الذين فتكت بهم الظروف الاقتصادية الصعبة وأوصلتهم حد المجاعة. فأن تستيقظ متأخراً، خير من ألا تستيقظ أبداً، إذا كانت هذه الصحوة حقيقية فعلاً. خاصة في المجال الاقتصادي المرتبط بحياة الناس في هذه المناطق، فمادام التنسيق السياسي صعب المنال والخلافات تعصف بأبناء الوطن الواحد من كل الجهات. حبذا لو حققوا بعضاً من التكامل الاقتصادي كما تقول هذه الاتفاقية، فلا شك سنكون أمام بادرة خير تبشر بتكامل أبعد وأعمق في المستقبل.
المذكرة بين وزراء الزراعة، حملت شعار “نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الزراعي على المستوى الإقليمي”، وتهدف إلى تعزيز التعاون في المجال الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، وتبادل المعلومات والتجارب الزراعية الناجحة، والكثير من البنود المتعلقة بإنشاء سوق مشتركة والتعاون في مجال تربية المواشي والأمن الغذائي وتبادل المعلومات وتسهيل الترانزيت.
الدول الأربع المشاركة في الاتفاقية، وهي أهم دول الهلال الخصيب، تتعرض لظروف قاسية من التضخم والبطالة بالرغم من وفرة الموارد الأولية لديها، وتوفر مقومات النهوض، فالعراق يملك الثروة النفطية والشام ولبنان الأراضي الزراعية الوفيرة، أما الأردن فلديه نظام اقتصادي جيد وموقع استراتيجي مهم، وفي الأساس تشكل هذه المنطقة وحدة تاريخية جغرافية اجتماعية فرقتها الحدود السياسية المصطنعة، لهذا فإن فرص نجاح هذه الاتفاقية كبيرة جداً إذا توفرت الإرادة الصادقة في إنجاحها. ما هو واضح أن دافع هذه الدول لعقد هذا الاتفاق لم يكن بدافع سياسي، فالخلافات السياسية بينها كثيرة ومتعددة، لكن مستوى التدهور الذي تعيشه هذه الدول دفعها لأن تفكر بإنشاء تكتلات تشبه مجلس التعاون الخليجي الذي نجح بشكل كبير في التنسيق واتباع سياسة واحدة في عدة مجالات.
ولا يبدو الأمر محتاجاً إلى كبير عناء، فالعلاقات الطبيعية التاريخية بين هذه الكيانات قبل سايكس بيكو، تحكي كيف يمكن للعلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري أن يكون، وربما يكفي في هذه المرحلة تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية بين هذه البلدان وتسهيل حركة العبور وإقامة الأسواق المشتركة، كخطوة أولى، لاشك ستفتح المجال لدخول رأس المال الخاص الذي سيشعر بالحماس إذا ما توفرت التسهيلات القانونية.
واقع الحال وضرورات التكامل بين دول الاتفاقية
نظرة سريعة على الواقع الاقتصادي في الدول الأربع المشاركة في الاتفاقية، تعطينا صورة عن الأهداف التي لابد أن تعمل عليها الإدارات في تلك الدول.
الأردن، حوالي 10% فقط من أراضي الأردن صالحة للزراعة، موارد المياه الجوفية محدودة، الكثير من مصادر المياه الجوفية هي مصادر غير متجددة. أهم الموارد الفوسفات، البوتاس، الأسمدة ومشتقاتها، بالإضافة إلى السياحة والتحويلات المالية من الخارج، إلى جانب المساعدات الخارجية. كان الأردن يعتمد على العراق في استيراد النفط حتى الغزو الأمريكي في 2003، يعلق الأردن آماله على السياحة وصادرات اليورانيوم، إضافة إلى الصخر الزيتي والتجارة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق النمو الاقتصادي في المستقبل.
سوريا، القطاعان الرئيسيان للاقتصاد السوري هما الزراعة والنفط، اللذان كانا معاً يمثلان نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي. ومثلت الزراعة، نحو 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ووظفت 25 في المائة من إجمالي قوة العمل. غير أن الظروف المناخية السيئة والجفاف الشديد كان له أثر سلبي على القطاع الزراعي، وبذلك انخفض نصيبه في الاقتصاد إلى حوالي 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008، بعد أن كان 20.4 في المائة في عام 2007، وفقا للبيانات الأولية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء. بعد الحرب، غاب النفط بشكل كامل تقريباً عن المساهمة في الاقتصاد السوري، نتيجة وجوده تحت السيطرة الأميركية والميليشيات. عانى الاقتصاد السوري من التضخم المفرط المرتبط بالنزاع. معدل التضخم السنوي السوري هو من أعلى المعدلات في العالم.
لبنان، النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة. تشمل القطاعات الاقتصادية الرئيسية: المنتجات المعدنية والخدمات المصرفية والزراعة والكيماويات ومعدات النقل. يستفيد لبنان من المغتربات وأفرزت الهجرة «شبكات تجارية» لبنانية في جميع أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، بلغ إجمالي الحوالات من اللبنانيين في الخارج إلى أفراد أسرِهِمْ داخل البلاد 8.2 مليار دولار، وتمثل خُمس اقتصاد البلاد.
العراق، كان قطاع الزراعة يشكل جزءا مهماً في الاقتصاد العراقي. وأهم المنتجات هي البذور، والحبوب، والتمور، والخضروات والفاكهة. وتتركز المناطق الزراعية حول نهري دجلة والفرات وفروعها المنتشرة في البلاد. لكن الجفاف الذي ضرب وسط وجنوب العراق بسبب التغيرات المناخية وحجز مياه الفرات من قبل تركيا، أدى إلى تراجع الزراعة بشكل كبير. الأراضي الزراعية قيمة لكنها في إقليم كردستان لا تسهم في دعم الاقتصاد الوطني، في إطار الأمم المتحدة النفط مقابل الغذاء، استورد العراق كميات كبيرة من منتجات الحبوب اللحوم والدواجن، والألبان.
القواسم المشتركة
مما سبق، تظهر القواسم المشتركة بين العراق وسوريا ولبنان والأردن، ويبدو الجفاف على رأسها. إذن المنطقة بحاجة إلى مشروعات مائية استراتيجية أو لاتفاقيات سياسية مع تركيا كي تفرج عن نهر الفرات ودجلة وتزيد الحصة المائية للعراق وسوريا. الزراعة غائبة في الأردن، لكنها جزء هام في الاقتصاد اللبناني والسوري، والطاقة موجودة في العراق، لكن الزراعة تراجعت بسبب الجفاف.
الفائض في أحد الكيانات يعوض النقص في كيان آخر
من الأفكار اللافتة التي طرحها الوزراء، فكرة تعويض العجز في إحدى تلك الدول، من الفائض في دولة أخرى، وهذا يتركز بإنتاج الخضروات والفواكه والقمح والحبوب والنفط والغاز والطاقة الكهربائية. فالمعروف أن فائض الحمضيات مثلا في الساحل السوري يباع بخسارة كبيرة أو يضطر الفلاحون إلى تركه على الأشجار بلا قطاف نتيجة رخص السعر في المبيع وفائض الإنتاج، وهو انتاج يمكن أن يجد سوقاً له في الأردن أو العراق، ويصح الأمر على محصول القمح والأشجار المثمرة والبقوليات، فالأرض مكونة وفق شكلها الطبيعي بلا حدود سياسية فاصلة، وبالتالي فإنه لا معنى لوجود نقص في مادة معينة في هذه الدولة، لأن انتاجها يكون كبيراً في الدولة الأخرى. وبناء على ذلك فإن خسارة الفلاحين تصبح مستبعدة، كما هو حال التصدير بأسعار منخفضة إلى الدول الخارجية.