فساد الأحزاب أنعش الطوائف وشرعن الانقسام
Share
اقتفاء أثر الطائفية ليس صعبًا بعد اثني عشر عامًا من الحرب، فبقدر ما تسببت الأحداث في طرح الأسئلة الكبيرة حول الانتماء وهوية المجتمع والموقف من الدين، أدت إلى انكفاء الكثيرين إلى داخل الطائفة كنوع من الحماية ضد الخوف من القتل. ظهور الطائفة كعامل حماية، كان بسبب غياب البدائل الوطنية التي قصرت في طرحها الأحزاب وحركات التنوير والنوادي الثقافية التي أخلت الساحة للعشائر بسبب انعدام الإمكانيات وغياب الاستراتيجيا وعدم الاستعداد لمواجهة من هذا النوع، وربما الأهم من ذلك كله هو تورط تلك الحركات في فساد وافتئات طائفي من نوع آخر أشد خطورة من المفهوم التقليدي! ماذا كانت تفعل الأحزاب في سنين الرخاء؟ ولماذا ظهرت الطوائف أقوى من حركات التنوير خلال المواجهة الجارية حتى اليوم؟
يقول أحمد.ع، طالب علم اجتماع سنة ثانية: “بنية المجتمع الدينية ليست وليد المرحلة، بل تعود إلى مئات السنين الماضية، ومن الطبيعي أن تظهر كل الأمراض أثناء الحروب، لكن ليس من الطبيعي أن تفتك الأوبئة الطائفية بمجتمع اشتهر بالثقافة والفنون ونشاط الأحزاب. للأسف، الجميع لم يغادروا طوائفهم، وإن فعلوا فهم لم يمتلكوا البدائل العملية على الأرض.”
ردات الفعل الغاضبة ضد الأحزاب ليست غريبة من قبل شباب الجيل الجديد، فالأحزاب غرقت في الأمراض التي جاءت لمعالجتها، ويستطيع الكثير ممن التقيناهم الإشارة بالأسماء إلى أحزاب وأشخاص فاسدين لم يقوموا بدورهم المنتظر في هذه المواجهات الصعبة التي مرت خلال العقد الماضي.
تقول يارا.س، طالبة سنة رابعة أدب إنكليزي: “الأحزاب ليست جمعيات عائلية تجمع تبرعات السكر والأرز من أجل مساعدة الناس على العيش، بل هي حركات تنوير أن تقوم بدورها، لكنها امتحنت أكثر من مرة وفشلت، حتى في الحرب مع العدو، تنازلت عن المقاومة لصالح الأحزاب الدينية، وبالتالي فإن ازدهار الطائفية يعتبر أمرًا طبيعيًا.”
يشير الشباب بكل وضوح إلى أحزاب بعينها، فيقولون إن الأحزاب شكلت صدمة لدى المجتمع بسبب الهوة بينها وبين الشعارات التي رفعتها ولم تنجز منها شيئًا..
يقول ياسين.ج، طالب سنة رابعة إعلام: “الحزب الشيوعي أصبح عدد أفراده بالعشرات، والحزب القومي يعاني من التشرذم والانشقاقات ونسمع كثيرًا عن الفساد الذي يعانيه الأعضاء من تسلط المسؤولين. بل إن بعض رؤساء الأحزاب قاموا بتوريث القيادة لأبنائهم وحولوها إلى أحزاب عائلية.. فكيف سيثق الشباب بأولئك وهم يكررون عوامل التخلف والتفكك والمصالح الشخصية.”
بشكل ما، ساهم تردي حال الأحزاب الوطنية، في انتعاش الطوائف وتغذية الطائفية. وبالتالي فإن الأحزاب تتحمل ضياع فرصة النهوض بالمجتمع بعدما تمكنت في مرحلة سابقة من استقطاب عدد كبير من المنتمين ومن ثم خذلانهم بسبب فساد القيادات.
يضيف ياسين: “سؤال مشروع نضعه برسم الأحزاب التي كان لها الفضل في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والقيام بعمليات نوعية ضد العدو الإسرائيلي، لماذا تخلت عن المقاومة لصالح حزب ديني؟ وهل تعتقدون أن الناس تكتفي بالشعارات حتى تتبعكم؟ اليوم تكتفون بالمكاتب والسيارات والمكاسب الشخصية، ومن الطبيعي أن يهاجر الشباب من أحزابكم التي يعيث فيها الفساد بأنواعه المختلفة.”
فساد الأحزاب ساهم بتغذية جميع الأمراض الاجتماعية وفي مقدمتها الطائفية، فظهرت الطوائف أكثر تنظيمًا وقدرة على تحديث أدواتها، في حين عانت الأحزاب من سيطرة الفئات المنتفعة التي لا يعنيها انتصار مشروع الحزب ولا تريد السير بأية رؤيا استراتيجية حقيقية تلغي وجودها في سدّة المسؤولية وما يعنيه ذلك من مكاسب وارتزاق!