شيقع بيقع… توقف
Share
مي هديب
توقف؛ الخدعة النفسية العامة تقبع في اللغة، اللغة التي نتداولها تقبع في الفهم، الفهم يقبع في الفعل، الفعل الطريق الواضح للنتائج.
منذ أن تم إعادة أسر أبطال عملية نفق الجلبوع خرج علينا مجموعة لا بأس بها من كتاب الرأي ليقولوا لنا، لا يوجد حاضنة شعبية للمقاومة في الضفة الغربية… حقاً توقف؛ نحن هنا نتحدث عن المقاومة كنهج ووسيلة وطريق، لا نتحدث عنها كفكرة، فالفكرة بذاتها مجرد ركن في بعد أساسي سابق، لكن النهج والوسيلة والطريق تجاوز مرحلة الفكرة، وهذا يعني بالضرورة أن نذهب إلى الثلاثية التي يتم النخر فيها على أنها ليست موجودة، وهي ما تسبب بإعادة أسر الأبطال الستة، هل هذه حقيقة مطلقة؟ وهل من كتب وأشعل عيدان الكبريت القابلة دائماً للاشتعال بكل صادر جديد بريء من التورط في خطاب العدو؟
لنأخذ الأثر المرجو من الكلمة إذا ما كان صاحب قرار إنشائها هو العدو؛ ليس هناك حاضنة شعبية للمقاومة في الضفة الغربية، التحليل الصرف للجملة يذهب إلى نتيجة تأكيد الإحباط، وانعدام الجدوى، بل والعيش في عقلية الهزيمة على قاعدة أنها الحقيقة الثابتة، هو فعلاً ما حاول العدو أن يفعله بمجرد أن ألقى القبض على محمود العارضة ويعقوب القادري، حيث تم نشر أول إشاعة بأن عربياً من الناصرة قام بالإبلاغ عنهما حيث طلبا المساعدة في الناصرة، ثم حولت الرواية لأن يصبح الأمر جزء من العرب تحديداً وهو درزي مقيم في الناصرة، بينما لأي متابع مجتهد تجاه تكوينات المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل يعلم تماماً بأن الدروز لا يسكنون الناصرة، ليتبين الخبر لاحقاً بأن مجموعة التلفيقات مجرد شوشرة لنسف الترابط الفلسطيني الداخلي، وليتبين أن المتهم الأول معتقل إداري، والصورة الثانية تخص إسرائيلي أوروبي.. فعلاً توقف؛ الأمر هكذا بهذه المباشرة، العدو يورطك في خطابه، ويهزمك يومياً بهذا الخطاب الذي تعيد إنتاجه دون أدنى شك وتفكيك للجملة، ليس في الضفة حاضنة شعبية للمقاومة؟
أولاً ماذا نعني بالحاضنة الشعبية؟ هل هي المسيرات؟ الهواتف التضامنية؟ الحملات المستمرة؟ أم أن الحاضنة هي ما تنتج شكلاً من أشكال الرفض والقبول، وتنتج من يستمر في الاشتباك؟
مجموعة حقائق وأرقام قد تصل إلى الهدف هنا.
334 أسير من قطاع غزة بينهم إمرأتان وطفل.
4700 أسير بصفة سجين أمني من الضفة الغربية بينهم 41 إمرأة.
مجموع من تعرض للاعتقال منذ عام 1967 من النساء بلغ 16 ألف إمرأة، نسبة من تعرض للاعتقال الإداري من الذكور منذ عام 1967، بلغ ما نسبته 40% من سكان الضفة الغربية، حتى اليوم هناك 31 إمرأة تم اعتقالها من الضفة خلال عام 2021، 130 طفلاً في معتقلات عوفر ومجدو والدامون.
عمليات المطاردة التي تمت بالضفة بصفة خاصة، مثل أحمد جرار، باسل الأعرج، عمليات الطعن مثل عمر العبد، عمليات الدهس بالجرافة وبالسيارات، عملية الكارلو، وعمليات الاشتباك بين الفينة والأخرى بين شباب ملثم ومتخفي وبين العدو، عمليات الإطلاق من مصادر مجهولة المصدر وغير معلن عنها في وقت لاحق.
هذه الأعداد من الأسرى بين الأمني والمعتقل الإداري، بين البالغ والطفل، بين المرأة والرجل، والقادمة من الضفة تحديداً، هذه العمليات التي يركز إعلامنا التابع الماجور بأنها عمليات فردية، في سياق الدفع بها لحالة اليأس لا لحالة المقاومة، وتنخر في ثلاثية النهج والوسيلة والطريق تطرح السؤال على كثير ممن يسمون بكتاب رأي، ومتصدرين ساحة الحديث السياسي، إن لم يكن كل هذا بيئة حاضنة ومنتجة للمقاومة، فما هي البيئة الحاضنة للمقاومة؟ هذا الإنتاج الهائل جداً من أشكال الاشتباك بالعمليات والتهديد والأسر، عن ماذا يعبر؟
ترديد جملة أن الضفة الغربية لا تشكل بيئة حاضنة للمقاومة، هو تورط في أسرلة العقلية الفلسطينية، وعقلية المحيط بها، وهو تورط يرقى إلى مستوى متقدم جداً من التبعية والخوف من عقلية التحرر لصالح عقلية ونفسية الهزيمة، الواقع يقول توقف؛ كيف تردد إخبارية كتبت عمداً عبر آلة إعلامية كبرى خصصت لنفسها مهمة تفتيتك وتشتيتك وجعلك مجرد ملهاة ضد نفسك وهي الجزيرة وأنت تردد يومياً أن المقاومة جدوى مستمرة؟!
هذا مقال سديد. لقد استطاع جهاز أمن الكيان الصهيوني إعادة اعتقال الأسرى الأبطال المتحررين من سجن جلبوع لأن مساحة ما تسمى (الضفة الغربية) ضيقة ولأن الجيش والقوي الأمنية والمستوطنين والجواسيس المحليين منتشرون فيها بكثافة ومزودون باحدث أجهزة الرصد والمراقبة والتنصت من علٍ؛ كالأقمار الاصطناعية وطائرات الرصد المسيرة. في الضفة مقاومة باسلة وعنيدة متكاثرة برغم كل ذلك. ومن المؤكد أنها ستتغلب على الكيان الصهيوني الغريب الدخيل مثلما تغلبت عليه مقاومة أهل قطلع غزة. لأن قوى البغي الإمبريالي في العالم التي أقامته في فلسطيننا في اندحار متواصل. ومقاومة قوى الشعوب المقهورة منها في تعاظم متواصل. ولسوف نغلب هؤلاء العملاء الدخلاء على أمرهم كما غلبونا على أمرنا. وإن غدا لناظره لقريب مهما بعد. لو دامت الغلبة لغيرهم لما رأينا وجوههم الوقحة.
هذا الوطن مملوك على شيوعه لأهله مهما طال الزمن… أشكر مرورك الكريم أستاذ أحمد خليل الحاج.