سوريا، التحد الجديد في هيكلة العلاقات الإسرائيلية الروسية-1 -صوفي نادر
Share
صدر في شهر نيسان الماضي في “المؤسسة للأبحاث الاستراتيجية” في باريس، دراسة بعنوان: روسيا–إسرائيل: سوريا، التحدي الجديد لهيكلة العلاقة الروسية الإسرائيلية، حول العلاقات الروسية الإسرائيلية، فصّل فيها الباحث إيغور دولانوي، وهو خبير في العالم العربي الإسلامي، كافة الخصائص التي تحكم هذه العلاقة والمصالح التي تتحكم بتوجهات كل طرف في التعامل مع الأزمة السورية بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام
وقد أوضحت الدراسة كيف أضحى التدخل الروسي في الأزمة السورية ركنا أساسيا للشراكة الروسية الإسرائيلية بحكم طبيعة الجوار الجديدة، وكيف تعمل روسيا، الجار الجديد، على الاضطلاع بدور هام في الملف “الإسرائيلي الفلسطيني”.
كتب إيغور دولانوي
المقدمة
“لقد اكتسبت العلاقات الروسية الإسرائيلية عمقا كبيرا منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا. فبنت الدولتان منذ 1991 علاقة مميزة مرتكزة على مكتسبات فريدة، إحداها وجود 1٫5 مليون مواطن من أصل روسي في إسرائيل، وثانيها تقدير إسرائيل لدور الجيش الأحمر إبان الحرب العالمية الثانية. وقد بدت بوادر هذه العلاقة عندما امتنعت إسرائيل عن إدانة روسيا في مجلس الأمن لضمها للقرم، ولم تدخل طرفا في العقوبات الأوروبية الأطلسية.
إن التدخل الروسي في الأزمة السورية أغنى الشراكة الروسية الإسرائيلية بملف جديد. لقد أصبحتا في المشرق منذ 2015 جارتين، يعمل الكرملين بموجبها وبشكل كبير أولا على ضمان أمن إسرائيل وثانيا على لعب دور هام في الملف الفلسطيني دون أن ينجح لغاية الآن. أخيرا تتمتع علاقاتهما كذلك بجانب اقتصادي لا يستهان به لأن إسرائيل تبقى مصدرا غربيا للتكنولوجيا بالنسبة لروسيا منذ البدء بتطبيق العقوبات الخاصة بالقضية الأوكرانية.
أولا: روسيا، لاعب في مجال الأمن الإسرائيلي
“أصبح الوجود الروسي أمرا حتميا وطويل الأمد بالنسبة لإسرائيل. فقبل أيام من بدء العملية الروسية في سوريا، قام نتنياهو بزيارة موسكو للوقوف على آليات ما يسمى “بمنع الصراع” يهدف إلى تفادي أي تصادم بين الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية المتواجدة في الكيان الشامي. هذا التوافق الاستراتيجي بين روسيا وإسرائيل أدى إلى تبني خطاب مشترك بينهما يدور، من ناحية، حول تخوفهما من الحركات الشعبية التي تسود الدول العربية المختلفة. ففي ما يتعلق بالكيان الشامي مثلا، يخشى نتنياهو أن تكون طهران المستفيد الأول من تداعيات الأزمة، بينما يخشى بوتين حدوث تغير في منظومة الشرق الأوسط على غرار الثورات التي حدثت في دول الاتحاد السوفييتي السابق. أما من ناحية ثانية فتخوفهما المشترك والمتبادل يضعهما في خانة الحذر الدائم. تتخوف إسرائيل من أن تصل الأسلحة التي تغدق بها روسيا على إيران وسوريا إلى أيادي حزب الله، وتتخوف روسيا من أن تشكل إسرائيل عقبة أمام الجهود الروسية في الإبقاء على نظام بشار الأسد.
اليوم وقد ابتعد النظام الشامي عن شفير الهاوية، تجسَّد لإسرائيل أسوأ السيناريوهات وأكثرها قلقا. “توحيد سوريا تحت التأثير الإيراني”. فبالرغم من انتهاجها لسياسة المتفرج منذ بداية الأزمة السورية، تنظر إسرائيل إلى ازدياد حجم البصمة الإيرانية كخطر وجودي يبرر تدخلها العسكري في سوريا. وعلى هذا الأساس حددت إسرائيل خطين حمراوين أمام هذا الوجود الإيراني: الجولان وحزب الله. فبينما لا يجب على الأول أن يكون نقطة هجوم على “الأراضي الإسرائيلية”، لا يجب على الثاني أن يعمل على المكوث فيها ولا أن يحصل على عتاد متطور يشكك بفوقية إسرائيل. إن إيران التي دربت مقاتلي حزب الله ودفعت الأموال الطائلة لتدريبهم وتزويدهم بالسلاح للقتال في الأراضي السورية، قامت كذلك بنشر حراس ثورتها على كامل الأراضي السورية وبنت مصانع الأسلحة المخصصة لهؤلاء المقاتلين. فأن تكون سوريا تحت السيطرة الإيرانية أمر لا يروق لا لإسرائيل ولا لروسيا.
تنظر إسرائيل لروسيا على كونها عامل أمان لوجودها، لأن العلاقات الاقتصادية الروسية الإيرانية كفيلة بالضغط على إيران للانسحاب من سوريا حفاظا على هذه المصالح الاقتصادية. وهي، أي إسرائيل، تأمل من روسيا أن تقوم باللازم تجاه هذا الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط بالكامل.
من ناحية ثانية تتخوف إسرائيل من تزايد الأعداد الشيعية التي تقوم إيران باستجلابها إلى سوريا وحصولها على الجنسية السورية وتوطينها في أراضي متاخمة للحدود الإسرائيلية، معتقدة أن ما من شيء يمنع إيران من العمل مستقبلا على حماية هؤلاء المواطنين الإيرانيي الأصل لتبرر وجودها العسكري في المنطقة.
تود الدولة العبرية، التي قبلت رغما عنها ولفترة متوسطة الأمد، بقاء بشاء الأسد في سدة الحكم، تود إعادة النظر في الاتفاق الضمني مع سوريا الذي حصل عام 2011 لضمان أمن واستقرار الحدود السورية الإسرائيلية. فموضوع أمن الدول الإسرائيلية هو أمر من الأمور النادرة التي اتفق عليها ترامب وبوتين في تموز 2018. ومن أجل ضمان هذا الأمن والاستقرار وجب على تل أبيب وموسكو العمل على قيام حكم مركزي سوري قادر على طرد الحليف الإيراني. لكن لكل منهما توجه مختلف. روسيا تقوم حاليا بخلق فصائل في الجيش السوري قائمة على التعددية الدينية والعرقية وتستند على الرابط السوري-الروسي القوي بسبب التدريبات العسكرية الروسية. أما الجانب الإسرائيلي، فيعتبر أن الضربات العسكرية التي يقوم بها على المواقع الإيرانية هي إشارة واضحة لإيران تفهمها أنها لن تكسب الكثير ببقائها في الأراضي السورية.
يبقى أن وجه الخلاف بين الطرفين الإسرائيلي والروسي هو الاتفاق النووي الإيراني. فبينما ينتقد نتنياهو هذا الاتفاق واصفا إياه “بخطأ تاريخي” قامت به إدارة أوباما، نرى أن روسيا ساهمت مساهمة كبيرة في إنجاحه. لكن الانسحاب الأميركي من هذا الاتفاق الذي أثار فرحة رئيس الوزراء الإسرائيلي وارتياحه، لاقى تحفظا كبيرا من قبل الدوائر العسكرية التي لا تشارك رأي نتنياهو وتحليله للوضع.
ثانيا: موسكو، وسيط إلى المصداقية المتجددة لحل المسألة الإسرائيلية الفلسطينية؟
إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل جزءا من الملفات الأكثر سخونة التي تحتل جدول الأعمال الاستراتيجي الإقليمي إضافة إلى الأزمات السورية، اليمينة والليبية. فعلى إثر تدخلها العسكري وعملها على تمكين بشار الأسد من سدة النظام، استعادت موسكو قوتها في منطقة الشرق الأوسط التي فقدتها بعد عام 1991، وعملت بالتالي على توظيف تأثيرها الذي ادخرت، جراء إدارتها للملف السوري، لتلاقي ثماره في حل الأزمة الفلسطينية. وهي ترى أن اضطلاعها في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يمثل مصلحة وخطرا في نفس الوقت. فبالرغم من موقفها لصالح الحل القائم على أساس دولتين، بدأ يظهر نوع من التطور في مسألة القدس. إنها تعتبر القدس الغربية، منذ 2017، عاصمة إسرائيل والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية. كما لاحظت تزايدا لأهمية موقفها عقب قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل خاصة في نظر الفلسطينيين الذين تخلوا عن الدور الأميركي كوسيط في حل الأزمة.
من ناحية ثانية عملت روسيا على المصالحة الوطنية بين مختلف الفصائل الفلسطينية. وتندرج جهودها في العمل على توفير الشروط الملائمة لإقامة مؤتمر سلم أكثر منه في تفادي التصعيد العسكري. وفي هذا المجال تلجأ روسيا لقنوات الاتصال المصرية مع السلطة الفلسطينية وحماس. فتحت رعاية معهد الدراسات الشرقية لأكاديمية العلوم الروسية أقيم في موسكو تاريخ 11 –14 شباط من هذا العام مؤتمر المصالحة الفلسطينية لكنه لم يؤت ثمارا. ويمكن القول إن الجهود الروسية حتى الآن هي لإبراز قدرة موسكو على إدارة الحوار أكثر منها للعب دور أساسي. كما أن الكرملين يبدو غير قادر على التأثير على حل الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية، أو الضغط على الطرفين أو حتى التوصل إلى مساومة بينهما….
ثالثا: تبحث التبادلات التجارية والاستثمارات عن انطلاقة جديدة.
خلال السنوات العشر الأخيرة، حققت إسرائيل وروسيا تبادلات تجارية بمعدل 2٫7 مليار دولار سنويا. تستورد إسرائيل، التي تعتبر الشريك الاقتصادي الثالث بالنسبة لروسيا، المحروقات السائلة، الألماس الخام، المعادن والحنطة، بينما تستورد روسيا، وهي الشريك الاقتصادي التاسع العشر بالنسبة لإسرائيل، مواد زراعية وطبية، آلات وأنظمة إلكترونية إضافة إلى مواد مكررة مستخرجة من النفط.
ومنذ 2010 ازدادت التبادلات التجارية بين إسرائيل وروسيا واستعادت مستواها الذي كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية عام 2011، حتى وصلت إلى أعلى المستويات عام 2013 أي أكثر من 3٫5 مليار دولار. ومن المحتمل أن تشهد المرحلة القادمة نوعا من استقرار في ديناميكية التبادل التجاري ليصل إلى 2٫5 مليار دولار. ولكي يعطيان دفعا جديدا لتبادلهما التجاري يبحث الطرفان الإسرائيلي والروسي منذ سنوات إقامة منطقة تجارية حرة بين الدولة العبرية والوحدة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية. ويمكن أن يتم التوقيع على هذه الاتفاقية خلال العام 2019. لكن سخرية القدر تشير إلى أنه يمكن لهذه الاتفاقية أن تكون لصالح إيران وإسرائيل على السواء…..
الخاتمة
وصلت الشراكة الروسية الإسرائيلية إلى مستوى عميق خلال السنوات 1990 و2000 وأصبحت قادرة على الصمود أمام الأزمة السورية. شراكة لا يمكن وصفها بالتحالف، بل يمكن اعتبارها تقاربا تكتيكيا يرتكز حتما على أسس فريدة من العلاقة الثنائية أكثر منه على الطابع البراغماتي الذي يميز التبادل الروسي الإسرائيلي.
لكن توقعاتهما في ما يتعلق بالشرق الأوسط تبقى غير متساوية. فبينما يأمل الإسرائيليون أن تقوم روسيا بإزالة البصمة الإيرانية من سوريا، تأمل روسيا من جانبها تدعيم دورها في الملف الفلسطيني.
لذلك نرى أن الإبقاء على بشار الأسد يقع في تقاطع المصالح الروسية الإسرائيلية أقله على المدى المتوسط. ففي حين هناك إجماع روسي حول هذه المسألة نرى انقسام الآراء في تل أبيب بين الخبراء العسكريين والسياسيين؛ إذ يرى البعض منهم بشار الأسد حجر لعب أكثر منه فاعلا. وبالرغم من أن المشادة التي حصلت بين إسرائيل وموسكو عقب إسقاط الطائرة II-20 قد طويت صفحتها ودفنت تماما، إلا أنه ما زال هناك بعض نقاط الاختلاف بين الطرفين. فالدولة العبرية تعتبر أن روسيا جاحدة في مسألة الجولان التي تعتبرها منطقة محتلة من قبل إسرائيل. وتنتظر هذه الأخيرة من موسكو نوعا من ضبط النفس تماما كما امتنعت هي عن إدانة روسيا في احتلالها للقرم في مجلس الأمن في الأمم المتحدة عام 2014. كما يمكن تفسير القرار الإسرائيلي في إدانة روسيا في احتلالها للقرم عام 2018 من ضمن هذا السياق. من ناحية ثانية ترغب روسيا أن توظف إسرائيل علاقاتها الجيدة مع أميركا، بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم، من أجل التخفيف من العقوبات الأميركية تجاه روسيا.
يبقى أن للعلاقة الروسية الإسرائيلية نقطتي خلاف: أولا، الاتفاق النووي ومصيره. ثانيا، التعاون في مجال الطاقة بين إسرائيل وقبرص واليونان والذي يتمحور بين استغلال وتصدير الغاز الطبيعي الخارجي للوصول إلى أوروبا. هذا التعاون يضع تل أبيب وموسكو في موقع التنافس في السوق الأوروبية. إن الغاز الروسي يتدفق منذ زمن إلى أوروبا وتعمل روسيا على الحفاظ على حصتها في السوق بينما يعمل الغاز المتوسطي على تنويع خليط الغاز لدى الأوروبيين.
هناك محاور من التقدم بين العلاقات الإسرائيلية الروسية مثل منطقة التبادل الحر بين إسرائيل والوحدة الأوروبية الآسيوية. من جهة ثانية يبدي الطرفان نوعا من التضامن تجاه تطلعات الأكراد السوريين للاعتراف بحقوقهم. يبقى أن نعرف كيف يمكن أن تصبح هذه المسألة مسألة تقارب حقيقية.”