انشقاقات الحزب القومي وآليات تدمير النهضة “2”
Share
شام قطريب
تتابع “الفينيق” استقصاء آراء الرفقاء القوميين الاجتماعيين حول الواقع الحزبي والانشقاقات الحاصلة والخلافات على المشروعية بين الأطراف التي تتنازع السلطة في الحزب. وقد كان لافتًا حجم المشاركات المرسلة إلى موقع المجلة، وهو أمر يدلّ على أن القوميين الاجتماعيين مغيبين عن الإدلاء بآرائهم، كما تعصف بهم حالة من عدم الرضى والغضب مما يحدث. رغم أنهم مصدر السلطات ومصدر الشرعية الحقيقية. وهذا أمر يدفعنا للتساؤل: إذا كانت الشريحة الكبرى من القوميين الاجتماعية غير راضية وغاضبة وعازفة عن العمل الحزبي بسبب رداءة الظروف وسوء الإدارات كما يسميها القوميون أنفسهم، فمن أين تستمد السلطات القائمة اليوم مشروعيتها؟ وكيف تتباهى بانتخاباتها ومؤتمراتها؟
البعض يقول إن القوميين الاجتماعيين، غير المنضوين في أي تنظيم، أكبر بكثير من أولئك الذين تستخدمهم السلطات الحزبية من أجل إثبات مشروعيتها.
نتابع محاولتنا، في هذا التحقيق، استطلاع رأي القوميين الاجتماعيين حول الانشقاق الحاصل بين “الروشة والبريستول”، ولماذا اختار البعض منهم الالتزام مع هذا الطرف أو ذاك؟ هل لأنهم وجدوا أن قيم الحق والخير والجمال يمتلكها هذا الجناح؟ أم لأن هناك اعتبارات أخرى تحكمت في اتخاذ قرارهم الحاسم بالالتزام، خاصة بعد أن تصارع الطرفان في ساحة العمل السياسي في الشام ولبنان على كسب الأعضاء “الموالين”، مستخدمين ما تيسّر من وسائل مارساها من أجل الجذب وامتلاك الساحة!
السؤال وُجه أيضًا إلى القوميين الاجتماعيين غير الملتزمين مع أي طرف انشقاقي، بهدف معرفة عما يمكن أن يفعلونه من أجل إنقاذ الحزب، وهل يكفي الصمت والجلوس جانبًا كصكّ غفران للرفيق، أم يفترض أن يفكر الجميع في حلّ ما؟
لسنا في وارد ذمّ أحد في هذا التحقيق الصحفي، لكن ونظرًا لاحتكار المؤسسات الحزبية من قبل أفراد، وبسبب عجز هذه المؤسسات عن احتضان نقاش حزبي نهضوي حقيقي يضع الإصبع على الجرح، اخترنا القيام بالعمل الإعلامي العلني والواضح، لأن قضية الحزب هي قضية الأمة، ولابد من البحث عن مخارج لما آلت الأمور إليه، حتى ولو كان عن طريق النقاش العلني. ويكفي أن نذكّر أن سعاده بعد عودته من المغترب القسري والبدء بطرد مجموعة المنحرفين آنذاك، قال إنه استغرب صمت القوميين عن حالات انحراف كهذه، حتى لو كان هذا الصمت بدافع الالتزام بالنظام.
لقد وجهنا إلى شريحة كبيرة من القوميين الاجتماعيين هذا السؤال:
(نجري تحقيقًا لمجلة “الفينيق” يشمل شريحة من القوميين الاجتماعيين، ويتمحور حول سؤال يقول: لماذا التزمتَ بهذا الجناح من الحزب؟ هل لأنه يجسد النهضة ويعبر عن قيم الحق والخير والجمال؟ ولماذا لا تجد هذه القيم عند الطرف الآخر؟ وإذا كنت غير ملتزم بأي شقّ، فلماذا؟ هل تنتظر حصول تغيرات ما في المشهد؟ هل فكرت بطريقة يمكن أن تُحدث أثرًا في الوضع الحزبي وتدفع للحل؟
يمكن للرفقاء المشاركة بأسمائهم الصريحة، إن رغبوا، ويمكن الاكتفاء بالاسم الحركي إن رأوا أن ذلك أنسب بالنسبة إليهم.
حجم الإجابة حسب ما يراه الرفيق مناسبًا.)
نورد هنا الدفعة الثانية من الإجابات، وقد اخترنا تقسيمها على حلقات نظرًا لطولها ولكثرة المشاركين الذين قدموا آراءهم المختلفة، في كل الأحوال، يشكل هذا الاستطلاع، استبيان رأي واقعيًا وبالأسماء الصريحة للرفقاء، ما يعني أنه وثيقة معيارية لرأي القوميين الاجتماعيين فيما يجري من انشقاقات وحالات تسلط على الحزب وامتلاكه من قبل أفراد.. فلنتابع:
الأمينة راغدة رستم
في جميع الانشقاقات التي حصلت تاريخيًا في الحزب، لم أذهب ولا مرة باتجاه طرف ضد طرف. على العكس كانت العلاقات دائمًا مستمرة مع الجميع ولم أكن أذهب باتجاه.. لا أقدر أن أفرق بين الأطراف على أساس أن هذا الجانب على صواب وذاك الجانب على خطأ.
بصراحة الجميع على خطأ. حتى لو اختلفت التفاصيل، لكننا نتكلم على النتائج النهائية. أنا لا أقدر أن أبرمج علاقاتي مع الرفقاء استنادًا إلى الانشقاقات الحاصلة، الجميع سيبقون رفقائي. ولكن يمكن أن أقتنع أن مصلحة الحزب تكمن في هذا الجانب المنشق مثلاً. أي انشقاق هو بالتأكيد ضد مصلحة الحزب. القومي الاجتماعي لا يمكن أن ينشق ويتعامل مع رفقائه في الشق المختلف بعداء، القومي الاجتماعي شخصية واحدة لا تصاب بفصام الشخصية بل تبقى مستمرة حتى لو تعرض الحزب للمحن والانقسامات.
عصام عزوز
شكرآ لمجلة “الفينيق” على هذه الإضاءة التي يمكن أن تحرّك بعضًا من السكون في مجال عملنا النهضوي.
نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي في سوريا فكانت غايته الأولى والمباشرة غرس هذه العقيدة في النفوس. كما قال سعاده في إحدى رسائله، وذلك لخلاص الأمة السورية من الويل الذي هي فيه. ولأجل أن يكون الحزب هو الحركة النظامية الدقيقة في مواجهة الحركة الصهيونية السائرة نحو النجاح في تحقيق مآربها، ولتحقق سوريا (الأمة والوطن) مكانها ومكانتها في هذا العالم. هذه الأهداف والغايات وغيرها كانت الغاية من تأسيس الحزب.
السؤال الآن، أين الحزب على طريق تحقيق هذه الغاية بعد تسعة عقود؟
الأمة أكثر تقسيمآ وتتصارع فيما بينها. والمذهبية والطائفية والعشائرية والكيانية، أكثر عمقًا ووضوحآ. والاحتلال الأجنبي يزداد تقدمًا، والفساد، بكل أنواعه وتعدد مستوياته في السياسة والمجتمع، أكثر وقاحةً. والأهم من ذلك أن الكيان الغاصب في جنوب سوريا بات على عتبة الدولة العظمى.
يبدو أن الحزب أو الأحزاب التي تحمل اسمه، بات في وضع مشابه لوضع الأمة التي تأسس من أجل خلاصها. حزب مقسم إلى طوائف متصارعة ومتخلفة، تسيطر عليه النزعة الفردية، ومتحالف مع أحزاب طائفية وعنصرية وكيانية. ومنافق للاقطاع السياسي والطائفي والمذهبي. وممالئ للفساد المالي والسياسي والاجتماعي الذي ينخر في بنية الأنظمة الكيانية، لا بل يُسعد في أحضانها، معتاشًا على فتاتها ومنعزلآ عن شعبه، متجاهلآ قول سعادة: إن معركتنا الأساسية هي معركة الوصول إلى الشعب.
أمام هذا الواقع لا أرى جدوى من الالتزام مع هذه القوالب. فهي لم تعد تمثل الحق والخير والجمال. لقد أصبح العمل لنشر العقيدة وغرسها في النفوس من خارج هذه التنظيمات، أسهل بكثير، كوني لا أتحمل وزر خطاياه. وبات العضو العامل من داخل التنظيم، يصرف جهوده لتبرير السلبيات والتقصير والانحراف. وكل همه الالتفاف حولها رغم أنها مكشوفة بوضوح للعامة.
بعد حوالي عشر سنوات من عملي خارج أي تنظيم، أجد أن جهودي مثمرة أكثر في تقديم فكر سعاده إلى الأوساط التي أحتك فيها. وهذا أفضل من أن أكون داخل زنازين التنظيمات التي لا تُحجم امكانيات الرفيق فقط، بل إنها تحتجز ضياء سعاده وأنواره ذاتها.
هذا هو واقع النهضة السورية القومية الاجتماعية. وفي الأفق المنظور لا يوجد حلّ واقعي قابل للتنفيذ. لكن نظريًا وعقديًا، فإن الحل الوحيد هو العودة إلى سعاده وإلى المثالية الأولى. ولكن كيف؟ حقيقة لا أدري. ولو أني أعرف برنامجًا تنفيذيًا لهذه العودة لباشرتها ودعوت لها.
هناك بصيص أملٍ يزداد قوة، وهو أن سعاده بدأ يتحرر من زنازين التنظيمات ويصبح متاحًا لشعبه، لأنه منه وله، وسينتصر فيه. فيما المحنطون في المجالس العليا والعمد والمؤتمرات ورتب الأمانة والرئاسات، يتصارعون حول اكتمال النصاب وفقه الشرعية ومواد الدستور وتزوير عدد الأصوات ورضا الأجهزة والوالي والموالاة.
محمد سعيد حماده
لست منضويًا في أيّ من التنظيمات المسمّاة بـ”حزب قوميّ”. خرجت من التنظيم منذ انضمامه للجبهة الوطنية التقدمية في العام 2005، ولا أرى أيّ أفق لحلّ ينقذ القوميّين، فالقتال على اسم الحزب مستمرّ، والقوميّون متمسّكون بالاسم ويتنازعونه فيما بينهم، بعيدًا عن سبب وجوده وماهيّته وأهدافه وغايته. ولهذا لا أرى أيّ حلّ للقوميّين المخلصين إلاّ بترتيب شؤونهم بأنفسهم وخلق تنظيمات جديدة بعيدًا، عن الاسم، تنهج نهج سعاده، وتترك الاسم للمتقاتلين عليه.
لقد تجذّرت مدارس سياسيّة في الحزب لم يعد بالإمكان الشفاء منها، إذ إنّ أنطون سعاده مات فيها وبقي حيًّا كلّ من نعمة تابت وجورج عبد المسيح وعصام المحايري وإنعام رعد، وتمظهرات إيقاظهم وإحياء نهجهم المخالف لسعاده تستيقظ بلبوسات جديدة في كلّ منعطف.
مرضٌ عضال يعاني منه الحزب ولا يمكن الشفاء منه إلاّ بفدائيّين يعيدون نبض الحركة وجوهرها ليلتفّ حولها السوريّون، وهذا يبدو بعيدًا بعيدًا.
هيثم محمود
كنت، ولم أزل، ضد فتح ملفات الحزب الداخلية ونشر الغسيل على الملأ. لكن بعد هذه الثورة الإعلامية، لابد من الانصياع والإدلاء بالرأي.
لقد حضرت عدة مؤتمرات وانتخابات حزبية، وفي كل منها محاولة لتخليص الحزب من هيمنة فردية أسعد حردان، كما في السابق هيمنة فردية عبد المسيح وغيره. لكن ذلك لم ينجح، لأن قرارات المجلس الأعلى، تؤخذ بالأكثرية التي يسيطر عليها اسعد حردان.
هذه المرة، ذهبنا رغم أننا فاقدون أي أمل بتغير هذه القيادة. لكن ما حدث هو أن القوميين العاملين ملوا تلك القيادة ووعودها لجهة اصلاح الحزب. فهي للأسف لا تسعى الا إلى المصالح الفردية والمقاعد النيابية والسلطة والمال. فقرر المنتخبون التخلي عن تلك القيادة، لأن هذا واجبهم، ولا أنكر ذهاب بعض القوميون “النضاف” مع تلك القيادة، لأنهم محسوبون على أسعد حردان.
أما لماذا اخترت الروشة، فلأنه لا طريقة لإصلاح الحزب، سوى الطريقة التي وضعها سعاده عبر الدستور. لم تستطع الانشقاقات ولا الخروج من المؤسسات، أو تأسيس “الكروبات”، إصلاح الحزب. رغم أن الجميع يقول بالعودة إلى سعاده.
اذاً، الاصلاح يكون بالدستور والمؤسسات التي وضعها سعاده، والمحاسبة تكون كما فعل هو سعاده. حتى لو كانت هذه الانتخابات مزورة!
نحن نريد مصلحة الحزب. اما ان نشقّ الحزب، ونستقوي “بالأجهزة” ضد رفقائنا ومؤسساتنا، فنسكّر مكاتب الحزب بالقوة، فهذا لم يفعله أعداء الحزب! لقد كان أعضاء “الأجهزة المختصة” خجلين مني وهم يطلبون إغلاق المكاتب، أكثر من رفقائنا الذي أرسلهم أسعد حردان!
انا لا أجد طريقة الا بالدستور والعودة إلى سعاده، ومحاسبة أيّ كان، فلا أحد أكبر من سعاده وحزبه.
رباب ميرزا
انتميت لسعاده، بحكم وجودي في بيئة قومية. وبحكم صداقتي مع الماركسيين، كنت في جناح إنعام رعد من خلال كتبه في مؤلفه “حرب التحرير القومية”. كنت أستطيع الرد ومناقشة صديقاتي حول هذه الأفكار وشرحها والدفاع عنها. بعد ذلك عندما توحّد الحزب، ودخل الجبهة الوطنية التقدمية في الشام، ابتعدت عن العمل الحزبي، لكنني كنت أشارك في المناسبات الحزبية المختلفة. عند تأسيس “الأمانة”، وبعد نقاشات مع الأمين نورس ميرزا، عملت مع الأمانة. كان الكادر من الرفقاء الرائعين. الآن أنا خارج أي مؤسسة. أسميهم ورشات حزبية، وليس حزب الأمة. الأمة بحالة انهيار. وضمن الإمكانيات المتاحة، تعمل تلك الورشات حسب “البطاقة الذكية!”
جميل يزبك
أنا خارج المؤسسات منذ 2005، تاريخ دخول الحزب في “الجبهة الوطنية التقدمية” في الشام. هذه المؤسسات لا تعبر عن نظاميّ الفكر والنهج اللذين آمنت وأقسمت عليهما. الحل يكمن في وجود رفقاء ليس لديهم نزعة فردية ليؤسسوا من جديد.
غسان أبو الجدايل
يحز في نفسي وضع الحزب والحال الذي وصلنا إليه. الخلافات دائمًا والانشقاقات سببها الأنانية والفردية وحب السلطة. نحن مع سعاده ومع الرفقاء المنتخبين شرعًا. يدّعي رفقاؤنا بالطرف الاخر، أن الانتخابات مزوّرة. هم حضروا الانتخابات وهي مسجلة حتمًا. أعتقد أن هناك تزويرًا، لكن لم ينجحوا كما أرادوا، وبالتالي عملوا انشقاقًا وجاؤوا بالرفيق أسعد ليكون رئيس تكتلهم. لم أتوقع أن نصل، نحن القوميين لهذه الحال. لم يختلف القوميون على سعاده أو على العقيدة، بالعكس كل الخلافات تحكمها الأنا الفردية وحبّ السلطة. لم يردنا سعاده أن نكون هكذا. نحن نعتقد أن الرفيق ربيع بنات، قادر على الاصلاح والسير بالحزب الى بر الامان. وما أتمناه، هو أن يلتحم القوميون مع بعض، ونعود كما كنا. كيف سننهض بالأمة ونحن مختلفون على السلطة؟ يعتصرني الألم لحال الحزب.
غانم شمالي
إن حال الحزب يدعو للحزن وخيبة الأمل عند معظم القوميين. غياب الشعور القومي، جلب الويل للحزب كما جلب الويل للأمة.
هناك خرق ما، أدى إلى ما أدى إليه. وإن أهم أدوات ذلك الخرق هم من هيمنوا على القرار والإدارة لعقود عدة. وإلا ما سبب التمسك بالسلطة بهذه الصورة السيئة؟
إن معظم القوميين لديهم تصور ودراسة وافية لحال الحزب وأسبابها وحقيقة ما جرى بدقة. لكن مان فتقر له هو طرح الحلول العملية الانقاذية. إن الفريقين المنقسمين كانا فريقًا واحدًا أيام التعديل الدستوري الشهير. وهؤلاء ليسا خير من يمثل قيم الحق والخير والجمال. فرصة نجاة الحزب ليست باتفاق الفريقين المنقسمين واتحادهم، بل بوحدة القوميين المنبثقة من الفكرة والعقيدة الخالية من الشوائب. نحن بحاجة لوضع خطة إنقاذية عملية أكثر من حاجتنا للتوصيف.