الدكتور أنطون أشقر: أنصح الجميع بالتطعيم ضد فايروس كورونا
Share
شام قطريب
واكب انتشار فايروس كوفيد، الكثير من الأقاويل والتحليلات غير العلمية، خاصة فيما يتعلق باللقاحات وفعاليتها والفروقات بينها. لماذا تعتمد بعض الدول أثناء السفر إليها، لقاحاتٍ معينة دون أخرى؟ إلى جانب ما شاهدناه من فيديوهات في مناطق مختلفة من العالم لأناس يرفضون أخذ اللقاح بذريعة أنه يحتوي مخاطر كبيرة على الصحة. وأيضًا انتشار الفطر الأسود حديثًا حيث رافقه هو الآخر، الكثير من الكلام غير العلمي. في هذا اللقاء يتحدث إلى “الفينيق” الدكتور أنطون أشقر الاختصاصي بالأمراض الصدرية من باريس، عن اللقاحات بشكل علمي، وعن الموجات المتتالية للفايروس وأساليب الوقاية التي يتيحها اللقاح، وضرورة أخذه من قبل الجميع.
- بعد أكثر من عام على انتشار فايروس كورونا، مازال البعض يشكك باللقاح وفائدته، ويتهمه آخرون بأنه سيترك تداعيات خطيرة على الصحة خلال الفترات التي تلي اللقاح على صعيد الانجاب والإصابة بأمراض خطيرة. هل هناك مستند علمي يدفعنا للقلق من اللقاح؟
أولاً، اللقاح ليس دواءً، إنما عبارة عن مستحضر بيولوجي يتم إعطاؤه لكائن حيّ بهدف تحفيز المناعة وتطوير مناعة تكيفية وقائية. بفضل اللقاح، استطاع الطب السيطرة على مرض الجدري، والشلل وداء الكلب والسل مثلاً وليس حصرًا.
مثلاً أذكر أن لقاح الشلل، كانت له مضاعفات في البداية، إذ كان في بعض الأحيان يسبب الشلل. وتبين بسرعة أن ذلك نتيجة غلطة إنسانية في التحضير. لا ننسى أيضًا أن تقنية علم اللقاحات محصورة بالبلدان الغنية والمتطورة علميًا، وقد انتقلت هذه التقنية لاحقًا إلى البلدان الأخرى. كما أذكر أنه بفضل اللقاحات، تم القضاء على أوبئة هدّدت بانقراض الإنسان.
لنعد إلى جائحة الكوفيد، فهي هددت البشرية بشكل كبير، إذ إن هناك أكثر من 254000000 إصابة وأكثر من 5112000 وفاة منذ بداية الوباء. منذ وجود اللقاح انخفضت نسبة الاستشفاء والوفيات بشكل كبير جدًا، وهنا أتكلم عن إنقاص بنسبة 90% عند المسنين وبنسبة 65% عند الذين دون 64 سنة وهي احصائيات رسمية.
إن اللقاح المضاد للكوفيد، لديه مضاعفات مثله مثل أي دواء نتناوله. وهو يخضع لمراقبة علمية دقيقة في كافة مراحل إنتاجه واستعماله، ومراقبة مضاعفاته بعد الاستعمال. الى اليوم اثبتت اللقاحات فعاليتها مقابل نسبة ضئيلة من المضاعفات الثانوية. أطمئن الناس وأشجع على أخذ اللقاح بكثافة، تحت المراقبة الطبية التي تبقى ضرورية.
لا يوجد مستند علمي يمنع المرأة الحامل من أخذ اللقاح. بل على العكس يُسمح باستعمال اللقاح عند المرأة الحامل التي تكون معرضة لمضاعفات خطيرة في حال الإصابة بالفيروس. كما أنه من المبكر معرفة إذا كان اللقاح له تأثير على الانجاب لأن هذا يتطلب سنين عديدة من المراقبة. يجب ألا ننسى أن عمر الجائحة قصير، كما هو عمر استعمال اللقاحات.
- على صعيد اللقاحات أيضًا، فإن تعددها بين (بريطاني وأميركي وروسي وصيني) وغير ذلك، جعل الناس تفضل أنواعًا على أخرى، حسب الشائعات التي تصلها، هل يمكن القول إن هذا اللقاح أفضل من ذاك؟ ولماذا نجد بعض الدول لا تستقبل الزائرين إلا إذا كانوا قد أخذوا لقاحات محددة ولا تقبل بغيرها؟
صحيح، يوجد شركات كثيرة أنتجت لقاحات، منها تقليدي كالصين والهند، ومنها يعتمد على تقنيات جديدة في الدول الغربية وروسيا. نحن نستعمل اللقاح الذي تسمح به السلطات الصحية وحسب النتائج العلمية المنشورة والملفات التي تخضع لمتابعة اللجان العلمية المختصة. نعلم أن هناك شروطًا صارمة تخضع لها التجارب السريرية المعمول بها في الدول الصناعية، هذه الشروط هي التي تسمح بإعطاء ترخيص للقاح أو دواء.
لذلك يستعمل الجسم الصحي اللقاح المسموح باستعماله في بلد معيّن تحت مسؤوليته المهنية والجنائية. فيما يخص لقاح الكوفيد مثلاً، استعملناه في فرنسا من خلال احتياطي الدولة، أي بمعنى أن الدولة كانت مسؤولة عنه. ولكن هذا لا يعني أن الجسم الصحي لا يتحمل مسؤولية، إنما المسؤوليات تصبح مضافة.
من خلال ما تقدم، لا يمكن للمواطن العادي أن يختار تبعًا لما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخضع لمراقبة علمية. علينا الانتباه إلى المعلومات التي نقرؤها والتي تتطلب تحليلًا بمساعدة الطبيب المختص. لذلك أنصح المواطنين باستشارة طبيبهم لأنه الجهة المناسبة لإعطاء المعلومات الدقيقة.
إننا نقدر فعالية اللقاح، حسب المعلومات العلمية ونتائج الدراسات السريرية المنشورة. يمكن القول إن لقاحًا معيّنًا، أفضل من غيره. وهذه المعلومات تُنشر في مجلات علمية مراقبة تحلل المعلومات بطريقة علمية.
لكن حتى نعرف في الواقع العلمي، أي أفضلية لعلاج عن غيره، علينا مقارنتهم بين بعضهم علميًا. وهذا لم يحدث خاصة في حالة الجائحة الحالية. إذاً لا يمكن بسبب تطور الإصابات السريعة إقامة هذه المقارنة التي تبقى الأفضل علميًا. شرط أن تكون اللقاحات معترف بها عالميًا.
فلنكن أيضًا واقعيين. هناك منافسة كبيرة في عالم الصحة كما في السياسة. هناك سباق دائم لمن يستطيع اكتشاف لقاح قبل الآخر. أمريكا كانت سبّاقة بفضل قوة الأبحاث والتمويل الهائل للشركات الأمريكية الضخمة. كما علينا أن نعرف أن أي لقاح لا يدخل أي سوق، خارج الصين وروسيا، إلا بعد ان توافق عليه FDA، أي وكالة الأدوية والغذاء الأمريكية. كما نعلم أيضاً أن أي دراسة سريرية، لا يمكنها استعمال لقاح ودخول الأراضي الامريكية إذا لم يحصل مسبقاً على إذن من هذه الوكالة.
طبعاً هذا غير موجود في بلادنا التي يخضع سماح استعمال اللقاح فيها، إلى الموافقة عليه في أمريكا أو أوروبا.
للأسف الشديد، في بلادنا هناك أيضًا تجاذب صحيّ وسياسيّ. أعطيك مثلاً، هو استعمال اللقاح الصيني في البداية دون أي تصريح من السطات الصحية المحلية، وقد دخل هذا اللقاح السوق اللبنانية من خلال بعض السياسيين النافذين دون شهادة ودون مراقبة. لذلك، واجه الذين استعملوه في البداية، مشكلة عدم إصدار شهادة صحية لهم.
هنا نرى أن الدول الأوروبية والأمريكية مثلاً، لا تعترف بغير اللقاحات المسموح باستعمالها في هذه البلدان.
- يرفض الكثيرون أخذ اللقاح البريطاني (أسترازينيكا)، بدعوى أنه يسبب جلطات قاتلة، ويقول بعض الأطباء إن هذا اللقاح غير مخصص للشباب وصغار السن، ويفضل أن يأخذه من تجاوز الستين من العمر. في حين نجد مراكز التلقيح تعطي هذا اللقاح للجميع. ماذا يمكن أن نتحدث عن هذه النقطة؟
هناك علاقة مباشرة بين استعمال هذا اللقاح والإصابة بجلطة دموية. وقد تم تثبيته من خلال دراسة دقيقة للحالات علمياً بما يسمى pharmacovigilance. اتخذت السلطات الصحية قرارًا بحصر استعماله لمن هم فوق 55 سنة، لان عدد الإصابات كانت أكثر عند الذين هم دون 55 سنة لأسباب عديدة منها استعمال الهرمونات عند المرأة مثلاً أو عند الذين لديهم سوابق طبية.
هناك عوامل داخلية يمكن أن تتسبب بجلطة دموية، عُرفت بمضاعفات أو اضرابات مناعية.
أما لماذا يُسمح باستعمال هذه اللقاحات في غير دول، فذلك هو نتيجة عدم توفر اللقاحات الأخرى بكميات تستطيع تلقيح سكان البلد. لذلك تم استعمالها دون مشاكل كبيرة حسب علمي، وهذا يمكن أن يدل على قابلية وراثية أيضًا.
يمكننا طمأنة القراء الأعزاء، بأن مضاعفات أي لقاح، تبقى أقل بكثير من فعالية الحماية التي يؤمنها. كذلك ان اخذ اي لقاح يتطلب مراقبة ذاتية ومراقبة طبية. أنصح كل من يتلقى لقاحًا، أن يستشير طبيبه عند حصول أي عارض دون تأخير. وكما يقال الوقاية خير من قنطار علاج.
- هل يمكن عدم الثقة في أي لقاح تعتمده منظمة الصحة العالمية؟ أم أن اعتماده من قبلها يعتبر عامل ثقة وأمان؟
إن إحدى مهام منظمة الصحة العالمية التي أنشئت عام 1948، وهي منظمة أممية، الاهتمام بالصحة العامة. وتلعب دورًا بارزًا في البلدان التي تعاني من فقدان أو ضعف في النظام الصحي. في هذه الجائحة، تلعب المنظمة دورًا هامًا من خلال منصة COVAX تحت شعار: العمل معًا من أجل الوصول العالمي والعادل إلى لقاحات فيروس COVID-19. إذاً علينا أن نثق بها. ولا ننسى دورها في تأمين اللقاحات لبلداننا بسب العجز عن شراء اللقاحات حيث تصلهم كهبة.
- هل يعتبر مرض الفطر الأسود مستقلاً عن كورونا، أم إنهما مرتبطان؟ ومن هم الأشخاص المعرضون للإصابة بالفطر الأسود أكثر من غيرهم، هل هم مرضى كورونا أم جميع الناس أصحاب المناعة الضعيفة؟
تعريف الفطر الأسود:
قد يبدأ بعدوى في الجيوب الأنفية، تؤدي إلى تورم الأعصاب التي تخرج من الدماغ، وقد يتسبب أيضًا في حدوث جلطات دموية تسد الأوعية الدموية.
ومرض الفطر الأسود (black fungus)، ويعرف أيضًا باسم فطر الغشاء المخاطي (Mucormycosis)، عدوى فطرية تصيب الجيوب أو الدماغ أو الرئتين، ويحدث عند بعض الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. وهو ليس محصورًا بمرضى الكوفيد. من الضروري تشخيصه وعلاجه باكرًا، حتى لا نضطر إلى استئصال العضو المصاب جراحيًا. عند ظهور فطر أسود على أي بقعة من الجسم، علينا استشارة الطبيب دون تأخير أو تردد.
- في ظل الصعوبات الطبية والوقائية في الشام ولبنان على نحو خاص، هل يمكن المراهنة على مناعة القطيع لوقف الوباء؟ وماذا يمكن تعريف هذه المناعة علميًا؟
أثبتت مناعة القطيع الطبيعية، بمعنى ترك سكان البلد يصابون بوباءٍ ما، لاكتساب المناعة اللازمة، وبعدها يستطيع جسم الانسان مقاومة العدوى من خلال المضادات الجسمية الناتجة عن الإصابة. بمعنى آخر مثل التلقيح. هذا أسلوب علمي يمكن أن يُطبق في جائحة تكون نسبة الوفيات فيها قليلة أو المضاعفات نادرة.
أما في جائحة الكوفيد، هناك عدة عوامل منعت من استعمال هذا الأسلوب منها:
الإصابات وانتقال العدوى بشكل كبير. نسبة الاستشفاء كانت كبيرة وشكلت ضغطًا هائلاً على الجهاز الصحي والمستشفيات. نسبة الوفيات كبيرة تراوح نسبة 16%، مضاعفات ما بعد الكوفيد قد تصل إلى أزمات اجتماعية وإنسانية واقتصادية، دون أن يكون لدينا فكرة عن تمددها في المستقبل، مما يتطلب إعادة تأهيل لمدة زمنية طويلة.
للأسف، في البلدان الفقيرة يمكن أن يحدث هذا، ولا ننسى أن هذه الجائحة تسببت بمشاكل اجتماعية وتربوية واقتصادية وصحية هائلة. لا يمكن أخلاقيًا الاعتماد على هذا الأسلوب، هنا يأتي دور منظمة الصحة العالمية لمساعدة البلدان المحتاجة.
- مقارنة مع الدول المتقدمة في الغرب، فإن معدل الإصابات والوفيات التي حصلت في منطقتنا ضعيفة في هذه الحالة الوبائية، فالناس لا ترتدي الكمامات ولا تتبع أساليب التعقيم بل تزدحم في الأماكن العامة ووسائط النقل الجماعي. هل ساعدنا العامل الجغرافي وحرارة الشمس مثلاً، أم بنية الأجسام وطبيعة التغذية في شرق المتوسط بشكل عام؟
لا يمكن قول ذلك. إن تاريخ الأوبئة يؤكد عكس ذلك. وهذا ناتج عن طبيعة حياة الفيروسات. هناك حالتنا انتهت في مهدها ناتجة عن فيروس من فصيلة الكورونا SARS COV 1 الذي انتشر في الصين بين عامي 2002-2004
وMERS الذي انتشر في الصحراء العربية عام 2012.
من هنا كان الاستنتاج بالقول إن الطقس الحار قد يساعد على كبح العدوى. لكن ما شهدناه مع الكوفيد 19، أثبت عكس ذلك.
لا ننسى ان هيكلية النظام الصحي لها دور أساسي في مصداقية مراقبة الإصابات والعدوى وتشخيصها بشكل سليم ومؤكد. هذا ما نفتقر له بسبب الكلفة الباهظة وأيضًا بسبب الحصار والحروب التي تعاني منه بلادنا، مما لا يسمح بمقارنة دقيقة ومتساوية مع ما نعيشه في البلدان الغربية.
- هل يمكن أن يتوقع العلم نهاية محددة بفترة زمنية لهذا الوباء؟ فالواضح أن البشرية حتى اليوم تتعرض لموجة إثر أخرى من كورونا؟
كل التوقعات الأولية كذبتها الموجات المتتالية. لكن نظريًا وعلميًا يمكن ان نتوقع السيطرة بعد تلقيح الكرة الأرضية لوضع حد لانتشار العدوى.
- هل يحمي اللقاح بنسبة مئة بالمئة أم أقل؟ وهل تنصح بلقاح معين دون سواه؟
لا يوجد اي لقاح أو دواء يحمي بنسبة مئة بالمئة، إنما النتائج السريرية والواقعية اليومية في خبرتنا، تؤكد نجاعة اللقاح للحماية بنسبة كبيرة من الإصابة بعوارض خطيرة ومميتة. ونعتقد أيضاً ان اللقاح مع انتاج مضادات جسمية يمكن ان يخفف بشكلٍ كبير من انتقال العدوى في حال الإصابة.
إن اللقاح المعتمد على تقنية RNA messenger أثبت فعالية أكبر من غيره. أما بقية اللقاحات فهي فعالة أيضًا ويمكن استخدامها حسب الظروف وتواجد اللقاح. أنصح بأخذ اللقاح المتوفر وعدم الانتظار.
- انتشرت احصائيات، لا ندري مدى صحتها، تقول إن نسبة المصابين بفايروس كورونا من المدخنين قليلة جداً! هل هذا صحيح وما مدى دقة هذا الكلام علميًا؟
لا صحة علمية لهذا الخبر. بل إن العكس هو الصحيح. لان المدخن معرض أكثر من غيره للإصابة بأمراض صدرية متعددة، مما يعني خطر الإصابة بفيروس الكوفيد19.
- هل يجب على الإنسان أخذ اللقاح كل سنة مرة أم كل ستة أشهر؟ وهل هناك مخاطر إذا أخذ الشخص المضطر للسفر، اللقاح مرة ثانية من شركة ثانية كما تقتضي شروط السفر أحيانًا، بعد ثلاثة أشهر مثلاً من أخذ اللقاح الأول؟ أم من الضروري أن تكون فترة زمنية معينة فاصلة بين اللقاحين؟
المعتمد حاليًا هو فعالية الجرعة الثالثة عند الذين لم يصابوا بالكوفيد 19. أما الذين أصيبوا، فمن الضروري أخذ جرعة واحدة وهي كافية. أما المدة الزمنية التي تفصل بين جرعتين فتختلف حسب اللقاح. بالنسبة للذين أصيبوا بالكوفيد، يمكنهم أخذ اللقاح بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الإصابة، لأنهم محميون بفضل المضادات الجسمية المنتجة.
يمكن خلط اللقاحات بالنسبة للجرعة الثالثة، أو بعد استعمال اللقاحات الصينية أو الروسية أو البريطانية.
نعلم ان نسبة وقوة الاجسام المضادة، تخف مع الوقت كباقي الفيروسات الأخرى مما يضطرنا إلى اخذ اللقاح بشكل موسمي كلقاح الإنفلونزا مثلًا. إضافة إلى ما ذكرت علينا ألا ننسى الإجراءات الوقائية، كارتداء الكمامة وغسل اليدين بشكل مستمر والمحافظة على الابتعاد الشخصي في الأماكن المغلقة، وحجر الأشخاص المصابين لمدة عشرة أيام. ممكن أن تشكل هذه الإجراءات عائقًا اجتماعيًا في بلادنا، لكنها ضرورية وبإمكانها الحد من انتقال العدوى.