التكامل الاقتصادي في الوطن السوري – د. وليد عكر
Share
تمهيد
يكثر الحديث عن الاوضاع الاقتصادية في كيانات أمتنا السورية وغالبا ما يترافق ذلك مع دعوات مخلصة لاقامة تكامل اقتصادي بين هذه الكيانات على أمل ان يؤدي هذا التكامل إلى تحسن في المستوى المعيشي للشعب إضافة إلى تحقيق التقدم في المؤشرات التي تتعلق بالاقتصاد الكلّي. فقد نشر مستشار الرئيس عون، أنطوان قسطنطين، منذ أيام الخبر التالي على تويتر: “يستعد الرئيس ميشال عون للمبادرة سعيًا لقيام سوق اقتصادية مشتركة، تضم لبنان والأردن والعراق وسوريا، وتتكامل مع السوق العربية الأوسع. مبادرة تفتح للّبنانيين آفاقاً كبيرة وآمالًا كثيرة، وتحفظ لكل دولة سيادتها واستقلالها تحت سقف الاحترام المتبادل.” وكان قد سبق ذلك أكثر من دعوة مماثلة نجد تلخيصها في هذا المقال. رب قائل إن في هذه الدعوات عاطفة صادقة لكنها ليست بالضرورة موضوعية مبنية على الحجج العلمية. فعلم الاقتصاد مبني على المقاييس والأرقام قبل ان يكون وجهة نظر. وبالتالي علينا ان لا نقحم رغباتنا برؤية مجتمعنا السوري متقدما ومتعاونا ومزدهرا بما قد يكون مغايرا لحقيقة الواقع الاقتصادي. على سبيل المثال، ما هو أثر التعاون الزراعي بين لبنان والشام (الجمهورية السورية) على القطاع الزراعي في لبنان؟ أليس هناك خطر عليه نتيجة عوامل عدة أهمها ارتفاع كلفة اليد العاملة اللبنانية مقارنة بالشامية؟ هل العراق في حاجة إلى التفاعل لدرجة التكامل مع الشام والأردن ولبنان؟ إنه مُصدِّر للنفط ما يمنح الاقتصاد العراقي أسبقية اقتصادية ومالية على كيانات الامة السورية التي نتكلم عنها. ألا يؤدي ذلك التعاون إلى زيادة الاعباء على اقتصاد العراق عوضا عن مساعدته ودعمه؟ وهل بالإمكان توقع نتائج إيجابية عن هكذا تعاون؟ ما هي إمكانية قياس النتائج الايجابية على المؤشرات الاقتصادية وأهمها الناتج المحلّي ومعدل الدخل الفردي ونسب البطالة في هذه الكيانات؟ لهذه الأسباب، طلبت الفينيق من الدكتور وليد عكر، أستاذ مادة الاقتصاد في جامعة الحكمة، لبنان، ان يجيب على هذه الأسئلة في مقدمة لبحث أو أبحاث عن هذا الموضوع، فكان هذا المقال. (الفينيق) |
هذه أسئلة منطقية ولا بد من الإجابة عليها علميا. ولمقاربة ذلك، علينا أولا ان نعرض بشكل مختصر للمؤشرات الاقتصادية في هذه الكيانات حاليا وهي: الناتج المحلي، معدل الدخل الفردي، البطالة، الموازنة، الدين العام والميزان التجاري. كل هذا دون أن نهمل نسبة التضخم. وهنا علينا التوقف والتعاطي مع الأرقام الرسمية بحذر لأن الحروب المتتالية على أمتنا ادّت، إلى جانب التدمير الكبير لمجمل القطاعات الاقتصادية، إلى نسب تضخم متزايدة في السنوات الأخيرة الأمر الذي يضعف من مصداقية الارقام والاحصاءات. وما يزيد من هذه المشكلة أننا ما زلنا نشهد ارتفاعا مستمرا بالأسعار، اي بنسب التضخم، في هذه الكيانات يوميا.
للإجابة على الاسئلة المذكورة سوف نبدأ بتقديم عرض مختصر لأوضاع الكيانات الاقتصادية حاليا وذلك من خلال اعتماد معدل إحصاءات الأمم المتحدة في السنوات الخمس الاخيرة. أي أننا سنتفادى اعتماد الارقام والمؤشرات الاحصائية النافرة الناتجة عن نسب التضخم ذات القفزات السريعة واعتبارها استثناء للقاعدة.
الكيان | العراق | الشام | الأردن | لبنان |
الناتج المحلي (مليار دولار/سنة) | 240$ | $37 | $45 | $38 |
الدخل الفردي/سنة | $7000 | $1137 | $4270 | $5720 |
٪ البطالة | 20% | 50% | 22% | 50% |
٪ عجز الموازنة إلى الناتج المحلّي | 18% | 8% | 7% | 12% |
٪ الدين العام إلى الناتج المحلي | 55% | 77% | 105% | 235% |
نشير إلى أن نسب البطالة في لبنان والشام عالية جدا وان النسب المذكورة ليست رسمية علما أن الدولة اللبنانية لا تصدر اي احصاء رسمي عن نسبة البطالة منذ انشاء ما يعرف بدولة “لبنان الكبير”.
هذه الارقام المتعارف عليها في الاقتصاد الكلي، أي العلوم الاقتصادية التي تعنى بالأمم ودولها، تدل بشكل واضح على أن كيانات الأمة تعاني من تخلف إقتصادي كبير قد يصل إلى الانهيار، الأمر الذي يضعها في مراتب متأخرة سواء نظرنا إليها كاقتصاديات دول منفردة او مجتمعة كإقليم اقتصادي واحد.
إن كل واحد من هذه المؤشرات الاقتصادية بحاجة إلى دراسات وأبحاث علمية متخصصة، كل على حدة، مع تجنب اعتماد الأدب الاقتصادي المجرد، لأن الآراء الاقتصادية التي تفتقد إلى المقاييس والاحصاءات الرقمية لا قيمة لها في عصرنا الحالي.
من اجل ذلك سنركز في طرحنا هذا على موضوع واحد من هذه الموضوعات وهو الأثر الذي قد يحدثه الانفتاح الاقتصادي على صعيد التجارة الحرة بين دول العراق والاردن وسوريا ولبنان على معدل الدخل الفردي والبطالة مقارنة باحوال هذه الدول الحالية.
واقع الحال أن من هذه الدول الأربعة، ينفرد العراق بتحقيق فائض في الميزان التجاري بلغ في عام 2020 12% من الناتج المحلي وذلك نتيجة للصادرات النفطية. أما دول الاقليم الأخرى فهي تعاني من عجز مزمن في الميزان التجاري بلغ العام الماضي كنسبة مئوية من الناتج المحلي 35% في لبنان و20% في الاردن و13% في الشام. وهذه نسب مرتفعة جدا إذا ما اعتبرنا ان النسبة المقبولة لدى الدول عادة ما تتراوح بين 3-5 %.
تقرير مؤسسة راند
نشرت مؤسسة راند المختصة بالأبحاث تقريرا بعنوان “تقدير المنافع الاقتصادية من اندماج المشرق“. يعالج هذا التقرير النتائج والتاثيرات الممكنة والمرتقبة للاندماج الاقتصادي لستة من دول المشرق هي العراق، الاردن، سوريا ولبنان اضافة إلى تركيا ومصر. عندما نتكلم عن الاندماج الاقتصادي نعني بشكل محدد المنافع المتأتية عن تعزيز التجارة الحرة بين دول المشرق وقيام اتفاقية تجارة حرة للمنطقة تساهم بمساعدة هذه الدول على مواجهة تحديين كبيرين:
اولا: اعادة بناء الجمهورية السورية.
ثانيا: خلق فرص عمل جديدة لأعداد الشباب الكبيرة من الذين يدخلون سوق العمل سنويا في العقد الحالي 2020-2030.
وتشير الدراسة إلى انه في حال تعذر قيام منطقة للتجارة الحرة لدول المشرق نتيجة للخلافات والصراعات السياسية فان قيام اتفاق جزئي كالذي حصل بين العراق والاردن في شباط 2019، قد يشكل بداية جيدة لانطلاق تعاون أوسع بين الشام ولبنان والاردن والعراق.
يقدم التقرير أدوات تقنية بإمكان صانعي السياسات الاقتصادية والمالية استخدامها من اجل قياسة واحتساب المنفعة الاقتصادية الناتجة عن التكامل الاقتصادي. إن قيام اتفاق شامل للتجارة الحرة يعني إزالة العوائق أمام تبادل البضائع والسلع والخدمات بين دول المشرق وهذه العوائق تحديدا هي:
أولا: الجمارك (التعرفة) التي تقلّص من تبادل البضائع والسلع.
ثانيا: التأشيرات التي تحد من حرية وسهولة انتقال اليد العاملة.
ثالثا: الشروط المالية التي تعرقل قيام الاستثمارات المتبادلة.
أما ما يخلص إليه التقرير فهو ما يلي:
إن ازالة العوائق المذكورة اعلاه قد يزيد من نسبة النمو الاقتصادي للناتج المحلي لكل دولة من %3 إلى %7 بالمئة.
كما أن سياسة التجارة الحرة بين دول المشرق قد تخلق بين سبعمائة ألف ومليون وستمائة ألف (700,000-1,600,000) فرصة عمل جديدة الأمر الذي يخفض نسبة البطالة في المنطقة بنسبة 9% إلى %20 في كل دولة عما هي عليه قبل التعاون الذي قد يصل إلى الاندماج الاقتصادي.
يشتمل تقرير “راند” على تقديرات اقتصادية لأربعة من دول الهلال الخصيب هي العراق-الاردن-سوريا ولبنان اضافة إلى مصر وتركيا. ويعتمد التقرير على ثلاثة مرتكزات: التجارة الحرة والاستثمارات والسياحة وهي جميعها تتاثر بشكل كبير بقيام اتفاق للتجارة الحرة.
يقوم التقرير باحتساب نسبة الزيادة بالناتج المحلي نتيجة للزيادة بالتجارة الحرة والاستثمارات والسياحة. كما يحتسب التقرير نسبة انخفاض معدلات البطالة كما ذكرنا، باجراء مقارنة بين نسب البطالة في هذه الدول حاليا ونسب البطالة المتوقعة بعد إنشاء اتفاقية التجارة الحرة. يحتسب التقرير هذه النسب بطريقتين:
أولا: الطريقة الحذرة وهي اقل تفاؤلا لان النتائج المرجوة تأتي من قيام اتفاق ثنائي للتجارة الحرة كالاتفاق العراقي-الأردني.
ثانيا: الطريقة المتفائلة لان النتائج المرجوة تاتي من قيام اتفاق كامل وشامل للتجارة الحرة بين دول الهلال الخصيب اضافة إلى تركيا ومصر. إن التعاون الاقتصادي القادر على التطور باتجاه الاندماج الاقتصادي يؤدي إلى التحسن بالتعاون التجاري من ناحية تبادل البضائع والسلع والخدمات إضافة إلى تحقيق المزيد من الاستقرار السياسي والامني الذي يشجع على المزيد من الاستثمارات اضافة إلى تطوير السياحة والسفر. إن الفوائد المرجوة من الاندماج الاقتصادي الشامل قد تتخطى التوقعات إذا ما رافقها إصلاحات محلية شاملة في البنية التحتية من مواصلات واتصالات وكهرباء وسدود للمياه.
لكن تحقيق هذه المنافع يتطلب نسبة عالية من الاستقرار في سوريا إلى جانب قيام علاقات على درجة عالية من التعاون بين دولتين متجاورتين كالأردن وسوريا أو سوريا والعراق على غرار التعاون القائم بين الأردن والعراق منذ 2019.
وإذا ما عدنا إلى عام 2011، نجد ان دول سوريا ولبنان والأردن قامت بمحاولة جدية لتوحيد الجمارك بالتعاون مع تركيا وأنجزت هذه الدول خطوات كبيرة بهذا الاتجاه على غرار الاتحاد الاوروبي الذي نشاء في بداياته كتعاون مقتصر على ستة دول أوروبية.
لو قيض لهذا الاتفاق الحياة لوجدنا حرية كبيرة بانتقال البضائع والسلع والخدمات اضافة إلى سهولة في انتقال اليد العاملة. لكن تسارع الاحداث الامنية في سوريا عطل هذه المحاولة مانعا تحقيقها وتقدمها. والأمل المتبقي حاليا هو في الترجمة السريعة للاتفاقيات الموقعة بين الاردن والعراق التي قد تؤدي إلى الخطوات الاولى باتجاه الاندماج الاقتصادي المشرقي في الهلال الخصيب ودول الجوار.
1. “إن ازالة العوائق المذكورة اعلاه قد يزيد من نسبة النمو الاقتصادي للناتج المحلي لكل دولة من %3 إلى %7 بالمئة.”
هل هذا يشمل مصر وتركيا ام بدون الدولتين المذكورتين؟
2. هناك تجربة سورية-تركية ادت الى ضرب الصناعة السورية واختلال الميزان التجاري لصالح تركيا وكان احدى عوامل الحرب الاهلية. هل هناك مصلحة للمشرق السوراقي بان يشمل تركيا ومصر وهو بحالة شبه انهيار؟