تاريخيًا، لم يكن تغير الرأي العام الإسرائيلي محكومًا سوى بالخوف من الموت! وإذا كان الحديد لا يفل إلا بالحديد، فإن أسلوب الموت الذي اتبعه هذا الكيان ضد السوريين الجنوبيين من أجل ترهيبهم ودفعهم لترك أرضهم، كان الوحيد القادر على جعلهم يحتفظون دائمًا بجوازات سفرهم الأميركية والبريطانية من أجل اتخاذ قرار الرحيل في كل مرة يلوح لهم فيها شبح الموت بفعل العمليات المقاومة الفدائية.
“لو وُجد في سورية رجل فدائي يضحي بنفسه في سبيل وطنه ويقتل بلفور، لكانت تغيّرت القضية السورية من الوجهة الصهيونية تغيّراً مدهشاً” قالها سعاده في مجلة “المجلة” الصادرة في سان باولو عام 1925، وتنمّ عن وعي مبكر تميز به تجاه طبيعة إسرائيل والأسلوب الناجع في التعامل معها. وإن المتتبع للتغيرات التي تحصل في آراء الكتاب والسياسيين الإسرائيليين في مختلف المراحل والتي تقول بحتمية زوال إسرائيل، يرى أنها لم تحدث سوى بفعل الموت الذي تعرضوا له أو أحدق بهم، وقد كان لعمليات “تل أبيب” الأخيرة بالغ الأثر في عودة نبوءات الكتاب اليهود بحتمية الزوال، وكان آخرها وصف “جدعون ليفي” للفلسطينيين بأنهم “أصعب شعب عرفه التاريخ.”
لم تنته الاحتلالات في العالم عبر المفاوضات. بل عبر فعل الموت من جانبين. الأول استعداد الرازح تحت الاحتلال للموت والتعامل معه كأسلوب تضحية في المقاومة، والثاني ممارسته على المحتل كثمن يدفعه للرحيل.
لقد أخذوا السوريين إلى مؤتمر مدريد ولاحقًا أبرم بعضهم اتفاقات أوسلو ووادي عربة، لكنهم لم يحققوا شيئًا، فيما أنجزت بندقية الكلاشينكوف بطلقات معدودة في شوارع تل أبيب الكثير مختزلة الوقت والجهد والاتصالات.. خوف السياسيين من الموت، كان من شأنه أن يفكك المعادلة الفيزيائية الأخلاقية والتاريخية لزوال الاحتلال التي تقول بضرورة تطبيق الموت كأسلوب تضحية، وممارسته على المحتل كثمن يدفعه للرحيل.
كان ياسر عرفات يقول إنه يريد ولو شبرًا واحدًا في فلسطين ينطلق للمقاومة من خلاله، لكن مفاوضات “أوسلو” جعلته أسيرًا عاجزًا في رام الله إلى أن حان وقت الخلاص منه، أي أن المحتل عكس معادلة الموت هذه المرة فسارع إلى تنفيذه على الضحية الواقع تحت الاحتلال، انطلاقًا من يقينه بصحة المعادلة التي ذكرناها. إن من يتخلى عن الموت أو يخشى منه في القضايا القومية الكبيرة، يخسر القضية ويخسر حياته الشخصية أيضًا لأنه لم يتدارك الخطأ الفيزيائي الأخلاقي الذي يحكم هذه المعادلة.
يقول (يوسي بيلين) في صحيفة “يديعوت أحرونوت” في 3/21/ 2009 إنه أصبح “يشك في استمرار الوجود الإسرائيلي طويلاً.” وفي كتاب “متى وكيف اخترع الشعب اليهودي” يؤكد “شلومو ساند” أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب “عدم أحقية اليهود في أرض فلسطين.” وغير ذلك الكثير من الآراء التي لم تكن لتنعطف لولا معادلة الموت – المقاومة التي كانت تنجز بثقة بينما معادلة المفاوضات تمعن في التفريط!
مبكرًا، عام 1925، قال سعاده: “إن الصهيونيين عندما يرون أن واعدهم بفلسطين قد لقي حتفه يعلمون انهم يواجهون ثورة حقيقية على أعمالهم غير المشروعة ويوقنون أن سورية مستعدة للمحافظة على كل شبر من أرضها بكل ما لها من القوى وما لديها من الأسلحة العصرية والقديمة.”
1 Comment
مقال ممتاز ولكن اعتقد ان زيارة بلفور كانت لدمشق