إلى ح.ب.
“المديريات هي عقل الحزب … هي الوعي.” بهذه الكلمات القليلة علّق رفيق من قدامى مقاتلي الحزب على مقال، “مدرسة الصفقات“. لقد هاجر هذا الرفيق بعد الحرب التي دخلها مراهقا، وتخرّج منها شابا غنيا بالخبرات فقيرا بالشهادات المدرسية. إنه يكدح ساعات طوالاً كل يوم في مهجره، ولكن همّ الحزب لا يغيب عنه، ومنه كانت هذه العبارة-الجوهرة.
“المديريات هي عقل الحزب … هي الوعي.” تفتح هذه الكلمات الستُّ آفاقا للتأمل والتفكير على مستوى عال وعملي في آن معا، خاصة مع الوضع الاستثنائي الذي يمرّ به الحزب، ومع ما نسمع من مبادرات لإنقاذه.
المديرية هي المدماك في العمل القومي الاجتماعي. من المديريات تبدأ حركة الحزب. مهما كان رئيس الحزب مفوّها، ومهما كانت أجهزته العليا مثقلة بحملة الشهادات، إن لم يكن هناك مديريات حيّة فاعلة، فلا حركة للحزب. والحركة النظامية الهادفة هي مولّد الحيوية، فلا حيوية مع السكون، ولا حيوية من حركة عشوائية. في المديريات تُختبر معادن الرفقاء وتظهر مؤهلاتهم ومواهبهم: هذا شجاع، هذه مؤهلة لمسؤوليات عليا، هذا متردد، تلك متسرعة، هذه شاعرة، ذلك رسّام. وهكذا. المديريات هي أقطاب جذب وتفاعل. إنها تجذب الإمكانيات عبر حيوية أعضائها؛ إنها مركز تفاعلهم الداخلي، ومنطلق تفاعلهم مع المحيط الأوسع الذي يحيون فيه.
من المديريات تنطلق الأفكار والمشاريع، فتُدرس وتُبحث بالتشاور مع لجنة المديرية أو انطلاقا منها. ما يمكن إقراره محليا، يقرُّ، ما يحتاج إلى قرارات أعلى يرفع. والمديرية الحيّة لا تترك رسالة دون متابعة، ولا تقبل بتقصير من مسؤول أدنى أو أعلى. إنها تفرض احترامها على الجميع عبر فاعليتها، حيويتها. في المديرية ينمو الوعي ويتجذر ويعُمّ.
كيفما تلفتّ تسمع من يقول لك: “لا مديريات في الحزب اليوم”. ومع أن هذه العبارة ليست دقيقة بما فيه الكفاية، إلا أنها تعبّر عن واقع الحال في شكل عام. لا مديريات يعني لا حزب. وبعبارة أدق، لا عقل للحزب، ولا وعي، وطبعا لا حيوية.
أما بعد،
هناك اليوم ثلاث مبادرات معلنة لإنقاذ الحزب. سوف نستعرض منطلقاتها سريعا ونحاول الخروج بخلاصة.
- “لقاء الوحدة” الذي عقد اجتماعا له في ضهور الشوير في نهاية شهر آذار وتقدم بمبادرة تؤكد “على مرجعية المجلس القومي القائم، كإطار وحيد للحل وعلى دوره في انتخاب سلطة حزبية واحدة للحزب الواحد الموحد في مؤسساته الدستورية.
- “الإدارة المؤقتة” التي أرسل الرفيق عليّ حمية بيانا باسمها في تاريخ 2022-02-26 تدعو القوميين للانتظام فيها وتعلن أنها “تتطلع إلى توحيد الصفوف التي صمدت في وجه المغريات – وما أكثرها- وتوجيه العقول والقلوب والسواعد الفتيّة نحو الهدف الأعلى الذي تأسّس الحزب لتحقيقه ألا وهو جعل الأمة السورية “صاحبة السيادة على نفسها ووطنها!”
- “ْاعادة البناء” والتي أطلقت مبادرة تدعو فيها إلى اعتماد مرسوم الطوارئ لسنة 1936 قاعدة لانبثاق سلطة مؤقتة في الحزب عبر تنظيم القوميين المنكفئين عن العمل الحزبي أنفسهم في مديريات مستقلة، ودعوة المديريات الموجودة في كل التنظيمات بما فيها فرع الدورة لانتخاب مندوبين عنها تمهيدا لانتخابات من القاعدة.
هذه المبادرات كلها ليست جديدة بل ظهرت في شكل أو آخر منذ انفجار الأزمة الأخيرة سنة 2016 مرورا بكل المحطات التاريخية من ذلك الحين بما فيها انتخابات أيلول 2020 وما تلاها.
وهناك أيضا ثلاثة تنظيمات تحمل اسم الحزب في كل من الروشة وبريستول والدورة، وكل منها يعاني من المشاكل التي انفجرت على صفحات التواصل.
هذه هي صورة المشهد الصعب، فكيف نخرج منه؟
لعلنا إذا وضعنا أمام ناظرنا عبارة تصف النتيجة النهائية لما يرغب به كل قومي شريف نسهّل المهمة: حزب سوري قومي واحد بإدارة واحدة يضع تحقيق غاية الحزب نصب عينيه، فلا يتراجع عن ذلك حتى تحقيق هذه الغاية الأسمى. للوصول إلى هذه الغاية هناك عدد من الخطوات المطلوبة من الأطراف التي هي سبب الخلافات والأطراف المعنية بتغيير الوضع القائم. من هذه الخطوات:
- اعتراف تنظيم البريستول، ان قياداته مسؤولة عن وضع الحزب منذ وحدته الأخيرة سنة 1998 ولغاية 2020، وأنها شريكة في مسؤولية وضعه الحالي.
- اعتراف تنظيم الروشة انه ولد في ظروف أقل ما يقال فيها إنها مطعون بشرعيتها، وأن ممارسته منذ انتخابه حتى اليوم، كانت أقل بكثير مما كان مؤملا، وأن بعض الخطوات التي اتخذها زادت في الطين بلة، وأنه شريك في مسؤولية تردي الوضع الحزبي منذ 2020 وحتى اليوم.
- اعتراف تنظيم الدورة أنه بعد ما يقارب السبعين سنة لم يزل فريقا هزيلا لا يتجاوز المئات، وأنه لم ينج من الانقسامات التي ضربت باقي التنظيمات.
- اعتراف مجموعة لقاء الوحدة أن المجلس القومي هو أيضا مطعون بشرعيته منذ ما قبل انتخابه، وأنه يقوم على فكرة ان الأمناء هم هيئة ناخِبة ومنتَخَبة، وهي فكرة أصبحت مرفوضة من غالبية الصف القومي. وأن بين أعضائه من ارتكب من الموبقات التي نشرت على صفحات التواصل، وأنه منقسم على نفسه. واعترافها أيضا أن التركيز على “الحليف الخارجي” هو خطأ تاريخي يجب عليها ان تتراجع عنه ولا تعود للاعتماد عليه.
- اعتراف القيادة المؤقتة أن صرخة “الأمر لي” لا تكفي لكي يلتحق بها القوميون خاصة في وضع كالذي نحن فيه. وأنه إن لم يكن هناك خطة واضحة ومعلنة وقيادة معروفة ومشهود لها، فإن الصرخة لن تجدي.
- اعتراف إعادة البناء أنها قد فشلت في تسويق مشروعها القائم على إعادة بناء المديريات وانبثاق السلطة منها، وأنه لا غنى عن مراجعة جذرية لأدائها.
إلى أين من هنا؟
إن إنقاذ الحزب وإعادة بنائه يجب ان يكون هاجس جميع الأطراف آنفة الذكر. إن المسؤولية التاريخية، مسؤولية فشلنا في إنقاذ أعظم حركة عرفتها الأمة السورية في تاريخها المعاصر، نتحملها نحن، مسؤولين في المراكز، وفي المبادرات وفي الصف الحزبي.
نعود إلى المديريات، “عقل الحزب” ومراكز الوعي والحيوية فيه. هل لنا، جميعا، أن نعمل على إعادة بناء المديريات. هل لنا جميعا، أن نعود الى الانتظام إن لم يكن في مديريات تابعة لهذا المركز أم ذاك، ففي مديريات مستقلة، متنافسة ولكن غير متصادمة، مديريات لا تتعصب لهذا المركز أو ذاك، بل تعرف حجم مسؤولية إعادة بناء “عقل الحزب” من المديريات صعودا.
رب سائل، كيف؟ ومن سيعيد نظم حبّيبات المسبحة؟ أليس في هذا عبء كبير على القوميين والمديريات؟
صحيح. وهل هناك أفضل من القوميين في المديريات لإنقاذ الحزب. كلنا ثقة أن “عقل الحزب”، متى عاد إلى الفعل، قادر على خلق الآليات الضرورية لرسم معالم المستقبل.
2 Comments
النهضه هي الهدف، الحزب وسيله، فعلينا البحث او خلق وسيله جديده وتتوافق مع العصر، علينا تغيير الوسيله لأن المحرك لها فشل في الماضى، والحاضر ولن تستطيع التقدم ابدا
المقترح هو لإخراج الحزب من أزمته، وأنا أعتقد أننا إذا استطعنا ذلك يكون هو الوسيلة الأفضل. في جميع الأحوال، سهل القول علينا تغيير الوسيلة. الصعوبة هو في إيجاد الوسيلة البديلة. شكرا على التعليق.