عاد الثعلب التركي.. انتبهوا!

A Turkish soldier walks next to a Turkish military vehicle during a joint U.S.-Turkey patrol, near Tel Abyad, Syria September 8, 2019. REUTERS/Rodi Said

Share

أعتقد -على خلاف الكثيرين – أن التحليل السياسي “ملكة ” أو موهبة، تتعزز بالمتابعة والاهتمام والقراءة، وليس بالشعارات أو التمنيات.

المحلل والمراقب، ليس كالسياسي الذي يضطر لتبرير إقدامه على قرارات، أو خطوات، انطلاقاً من معادلات الظروف والأولويات والحرب والسلام. بمعنى يجب أن تكون مقاربة المراقب واقعية، وقائمة على معطيات، فهو متحرر من ضغوطات السياسي، أوصاحب القرار.

فما إن نطق أردوغان منذ عدة أشهر، برغبته في لقاء مسؤولين سوريين، حتى بدأت بعض التحليلات تذهب باتجاه الحديث عن هزيمة تركيا وندم أردوغان، وحاجته لهذه “الانعطافة”!

نتفهم، أنه في السياسة ليس هناك صداقات دائمة، أو عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة. لكن بعيداً عن الأمنيات والرغبات؛ ذاكرتنا ليست ذاكرة السمك، لذا قد يكون من المفيد، أن نقتصد وألا نتشدد، ونشطّ في قراءة التطورات فيما خص العلاقات السورية – التركية، وفق المقاربة التي يحبها بعض اولئك المحللين.

لاغرو من قراءة أعمق، اذا أردنا فهم الأحداث، والوقوف على أبعادها ومراميها.

أنقرة بأمسّ الحاجة إلى المصالحة، لأسباب تتعلق بالصراع السياسي الداخلي، والأمن القومي التركي.

هذا هو الأساس والمنطلق. تلقفت روسيا، الغارقة في حربها  الأوكرانية، هذا الصراع المحتدم داخل حزب العدالة التركي الحاكم، لترمي بثقلها خلف أردوغان، الذي أثبت حضوره بين كييف وموسكو، وتريد الأخيرة أن تقدم له هدية، أو طوق نجاة، لمواجهة خصومه، عشية الانتخابات الرئاسية في حزيران المقبل، وعينها على بلاده “كمنصة غاز” لذلك شجعت أردوغان، في سباقه نحو التجديد الرئاسي. وفي الطريق إلى “حزيران التركي”، لابد من تفكيك العقد التي تعيق أردوغان، وترتبط بسوريا، أي الأمن و”قسد” والحدود واللاجئين.

لا شك أننا في سوريا، لنا مصلحة أكيدة في الحل السياسي مع تركيا، مع الحفاظ على حقوقنا المشروعة، في الأرض والمياه والتخلص من الإرهاب.

من هذه الأرضية، ننطلق في مفاوضات الثعلب التركي، العائد بقوة لكن ماهي أوراق القوة الموجودة بيد المفاوض السوري؟

أسئلة عديدة تتعلق بالطرف التركي، بمعنى هل الوساطة الروسية الناعمة، قادرة على دفع التركي للانسحاب من أراض سورية كبيرة وغنية، وهل للتركي مصلحة بالعودة إلى حدود قبل 15/ 3 /2011  وإنهاء نفوذه في الشمال السوري، والتوقف عن أعمال التتريك والتغيير الديموغرافي، وربط المناطق السورية المحتلة، بولايات تركية تحضيراً لما يبدو أنه تكرار لمشهد لواء أسكندرون؟

أيضاً، ماهي مصلحة تركيا في التخلي عن مجموعات من الإرهابيين استقدمتهم من مناطق متعددة كالإيغور والشيشان وغيرهم وهل ستفتح لهم الأبواب؟

حاجة أردوغان للتفاوض مع سوريا، حاجة انتخابية داخلية.

السياسة والتصريحات التركية تمتلك مساحةً واسعة للمناورة وقدراً كبيراً من البراغماتية، وقدراً أكبر من الاحتيال والمكر والخداع.

كل الحذر يجب أن يكون حاضراً، كي لا يكون هذا، مناورة، لتمرير “قطوع” واستحقاق الانتخابات، ومن ثم التنكر لكل التصريحات والتفاهمات.

ذاكرتنا أكبر من أن تنسى مافعلته تركيا خلال اثني عشر عاماً من العدوان.  نقول هذا، كي لا يعيد التاريخ نفسه، ونعود مرة أخرى، إلى ما يشبه أجواء اتفاق أضنة ١٩٩٨، مع فارق كبير، هو فائض دمار وخراب، على الساحة السورية، كان أردوغان شريكاً فيه.

الثعلب التركي، يدرك هذا جيداً، وهو أكثر من يعرف كيف يستثمر هذا لمصلحته، فقد سبق له أن عرف من أين تؤكل الكتف، طيلة “سنوات العسل” بين 2004-2009.

باختصار، وفي الظروف الطبيعية، فإن واقع حال العلاقات التركية السورية، يؤكد أنها واحدة من الظواهر الإشكالية في السياستين الإقليمية والدولية، وهي ظاهرة تاريخية، تقدم نموذجاً للعلاقات الدولية بين دولتين متجاورتين، تحكمهما عوامل كثيرة تتراوح ما بين التعاون تارة، والصراع والعداء تارة أخرى، ووصل التوتر إلى حشد القوات العسكرية التركية على الحدود السورية مرتين: الأولى عام 1957، والثانية عام 1998. نسوق هذا لنقول لمن غاب عن وجهة نظرهم المتفائلة؛ إن العلاقات السورية –التركية لم تكن توافقية يوماً، وتشير المعطيات إلى أنها لن تكون كذلك نتيجة خضوعها لاعتباراتٍ تنافرية أقوى في تأثيراتها من عوامل الجذب الضعيفة. فما الذي أدى إلى بروز الحالة التفاؤلية في العلاقات بين الطرفين، على الرغم من تأسيسها على تناقضات جوهرية في رؤيتهما للقضايا المختلفة؟

لقد أكدت الأحداث السورية في عام 2011 تلك الرؤية التركية تجاه سوريا الدولة والنظام، وجاء الوقوف إلى جانب المعارضة السورية الإخوانية، بمثابة الإعلان عن تأكيدها على الالتزام بعوامل التنابذ، حيث تخطو خطوتين إلى الوراء مقابل كل خطوة نحو الأمام.

حدود هذا المسار الجديد، الذي انطلق في 28 كانون الأول الماضي في موسكو، لازالت في بدايتها، ومفتوحة وصعبة، ولا يجدر بنا أن نبسط الحالة، ونرسم لوحة وردية، وكأن شيئاً لم يكن، وإلا لماذا كل هذه الحرب؟ وما مصير الأراضي التي احتلتها تركيا بعد 2011، كي لا نذهب أكثر ونقول بالحق السوري في لواء اسنكدرون ورفض اتفاقية أضنة!

0
0