تفضل الرفيق الدكتور ميلاد السبعلي بإرسال نص مداخلته لي قبل نشرها في الفينيق لأتمكن من الرد عليها إذا رغبت في ذلك. وحيث أن بعض ما ورد فيها يستحق توضيحا وردا، رأيت ان استفيض في بعض الجوانب حرصا على الحقيقة والدقة. فيما يلي أجوبتي على ملاحظات الرفيق سبعلي في ندوة ضهور الشوير.
الملاحظة الأولى: الخشية من أن أكون أدعو لإنشقاق جديد.
في الكتاب كله في جميع فصوله الخمسة حملة على من شقوا حزب سعادة، ورفض لجميع مبرراتهم في صنع الانشقاق كما في الحفاظ عليه، حتى أنني شرحت كيف أنهم أقتسموا رفاته وثيابه وحبل وثاقه وعمود إعدامه قبل إقتسام حزبه. وقلت: “إن الانشقاقات التي تعرض لها الحزب هي نتيجة طبيعية لعدم الامانة وعدم الاخلاص للقضية وعدم الاستعداد للتضحية في سبيلها ممن كان مطلوباً منهم ذلك، وإن الانشقاقات التي تعرض لها الحزب هي أيضاً نتيجة طبيعية للنزعة الفردية وضعف الالتزام بمصلحة الحزب والقضية التي من المفترض أن تعلو مصلحتها فوق كل المصالح والاعتبارات الاخرى، وإن أعذار الدنيا كلها ليست كافية أو صالحة لتبرير شق وتقسيم حزب سعادة وبعثرة ميراثه والعبث بما بناه وزرعه وتعهده وسقاه بروحه وفكره وعلمه وفلسفته وإشعاعه وجهاده الاسطوري المتواصل.” (ص 437).
وقلت أيضاً: ” إن إنشقاقات سنة 1957 كما سنة 1974 وسنة 1987 وثم الانشقاق الذي قاده المحايري سنة 2012 على قياس الكيان الشامي، هي صفحات سوداء ليست من تاريخ حزب سعادة بل من تاريخ من ارتكبوها وقاموا بها وشاركوا فيها وتبعوها ودافعوا عنها وقبلوها، وأن حزب سعادة وحركته ونهضته وقضيته هي براء منها وضحية من ضحاياها. إن حزب سعادة هو اليوم مخطوف ومرهون واسير قراصنة وقطاع طرق وسارقي تراث عظيم ومدّعي أبوّة وما هم إلا ناقصي رجولة وفاقدي مصداقية.” (ص 438).
وبعد ذلك يخشى الرفيق سبعلي أن أكون أنا من يدعو الى إنشقاق رابع!! ولماذا يخشى؟ لأنني قلت في نهاية الكتاب: “أعتقد أن المطلوب هو استعادة حزب سعادة استعادة جذرية وكاملة وعدم التعايش مع الانقسام والانشقاق والفساد، بل إجتثاثه ومعاقبة مرتكبيه ثم الاعتذار من الشعب للتاخر في إستعادة حزب سعادة لأصحابه الحقيقيين”، ولأنني إستشهدت في ذلك بقول للرفيق اسامة المهتار يدعو فيه “القوى الحيّة المتبقية من القوميين الاجتماعيين أن تجد بعضها بعضاً وتلتحم في كتلة متراصة لمواجهة تحديات الواقع الحزبي الراهن الذي هو ثلاثة مراكز إنشقاقية تتعاطى السياسة للسياسة وتتناكف في ما بينها ويجمعها الجهل المطبق في أهمية نظرة الحزب الى الحياة وغايته…ويجمعها كذلك، وإن بنسب متفاوتة، الفساد والصنمية والانحراف.”
وبعد ذلك يتمنى عليّ الرفيق سبعلي ألا أكون أدعو الى إنشقاق جديد!! هكذا هو أحد المنشقين المتخذ جبهة أحد الانشقاقات، وبعد أن قال “إنه من دعاة وحدة الحزب”، لا يرى في “دعوة القوى الحيّة المتبقية من القوميين الاجتماعيين أن تجد بعضها بعضاً وتلتحم في كتلة متراصة لمواجهة تحديات الواقع الحزبي الانشقاقي الراهن” إلا دعوة الى أنشقاق جديد!! فيا أيتها القوى الحية المتبقية من القوميين الاجتماعيين في جميع تنظيمات الحزب واقسامه إياكم أن تجدوا بعضكم بعضاً وإياكم أن تلتحموا في كتلة متراصة لمواجهة الانشقاق، فالاحزاب الانشقاقية تخشى منكم ومن نيتكم بمنافستها وإحداث إنشقاق جديد!!
الملاحظة الثانية: التحامل على عبد المسيح واتهامه بالخيانة والعمالة للانكليز،
نصل الآن الى بيت القصيد: عبد المسيح والتحامل عليه.
فالرفيق سبعلي يقول: “وقلت أنني كنت تقبلت الموضوع أكثر لو كان، الكتاب أو المؤلف، متوازناً أكثر وليس متحاملاً على العم”. فلو كنت أنا متوازناً ومتحاملاً على عبد المسيح وعلى غيره أيضا بنفس المستوى، هل كان للرفيق سبعلي أن يكون متقبلاً الموضوع أكثر؟ لا يا صديقي أنا لم أكن متحاملاً على أحد ولم أتهم أحد بالخيانة ولم أدافع عن غيره، وكل هواجسك لا اساس لها بالمرة وهذه براهيني:
تقول إنني اتهمت عبد المسيح بالخيانة في اكثر من مكان. وأنا أقول لك أنني لم أتهم أحدا بالخيانة في أي مكان، وعلى المدّعي واجب البرهان. إن تهمة الخيانة ليست حديث تسلية يا دكتور ميلاد، فمن أين جئت بها؟ هذا كتابي أمامك وصفحاته مرقمة من واحد الى 560 فهلّا دليتني ودليت القراء في أية صفحة أنا اتهمت العم بالخيانة وبالعمالة للانكليز؟ من حقنا أن نسألك ونطالبك بإثبات أدعاءك ومن واجبك أنت أن تبرهن على مصداقيتك وتدلنا على النص من الكتاب الذي يرد فيه هذا الادعاء.
إنني يا رفيقي وعزيزي، وبالعكس من ادعائك، قد جهدت للدفاع عن عبد المسيح ونفي تهمة أو شبهة الخيانة أو العمالة التي قد يكون أحد القراء فهم خطأ انني أوحي بها. إنني في موضوع وثائق السفارة الانكليزية التي تحدثت عن دور زعامة لعبد المسيح وهو بعد متوارياً قبل وصوله الى دمشق، تساءلت مثلما يتساءل أي شخص غيري ممن يقرأون الوثيقة، وأنت وغيرك أيضاً كان يجب أن يتساءل كما تساءلت أنا وقلت: “كيف للسفير أن يستبق المراحل ويتوقع لعبد المسيح أن يصبح زعيماً جديداً، حسب تعبيره، هل أن دور ووظيفة عبد المسيح في الحزب بعد إستشهاد سعادة كانت هي أيضاً مدبرة ومخططاً لها سلفاً؟” ولكي لا يظن أحدٌ أن تساؤلي ملغوم أو مشبوه، زدت وقلت: “إن هذا التساؤل لا يعني أبداً أن عبد المسيح كان عارفاً ومتورطاً ومشتركاً بما يخططه الانكليز أو ما يريدونه أن يحدث. بل يعني أن الانكليز كانوا يفترضون ويتوقعون دور زعامة لعبد المسيح وسيسهلون ذلك كما سنرى بعد قليل.” (ص 186). وماذا بعد كان مطلوباً مني؟ هل كان مطلوباً مني أن أخفي وثيقة السفارة الانكليزية أو أن أتجاهلها لئلا يظن أحد أنني اتحامل على عبد المسيح؟ وهل من واجب الباحث في التاريخ أن يتجاهل الوثائق أو يخفيها أم واجبه أن يبرزها ويدرسها ويحاول تفسيرها؟ وما ذنبي أنا لتتهمني أنني لم أكن متوازناً إذا كانت الوثيقة تذكر عبد المسيح ولا تذكر غيره لدور زعامة بعد أستشهاد سعادة؟
أما عن تسمية عبد المسيح رئيساً للحزب من عند الامير عبدالله في الاردن فهذه موثقة في مقابلة وجاهية أجراها بشير موصلّي مع عصام محايري ونشرها في كتاب مذكراته سنة 2016، وعصام المحايري لا زال على قيد الحياة فاسالوه.
أما عن مدرّس اللغة الانكليزية في مدرسة الفريكة فإنه كان عميل مخابرات انكليزية بشهادة عبد المسيح نفسه وليس بشهادة أي شخص آخر. فأين الجريمة التي أرتكبتها أنا وأين التحامل الذي اقترفته أنا إذ أنقل هذه الشهادة التي أخذها من فم عبد المسيح الامين الدكتور مطانيوس يوسف ابراهيم. وهل كان يجب عليّ أيضاً أن أتجاهل ما قاله عبد المسيح نفسه، وليس غيره، من أنه ترك المطبعة دون إبلاغ الزعيم بالتهديدات الكتائبية وأنه عرف بأنه سيندم على ذلك وغادر رغم شعوره بأنه سيندم؟ إن الذي أتهم غيره بالخيانة، عدة مرات وفي عدة أماكن، ثم تعاون معهم وعيّنهم عمداً أبان رئاسته رغم إتهامه لهم بالخيانة، هو عبد المسيح نفسه فلماذا لا تلومون عبد المسيح على إتهامه غيره بالخيانة؟ أنا لم أتهم عبد المسيح بالخيانة عندما تساءلت تساؤلاً مشروعاً تساءله جميع الذين درسوا تاريخ الحزب مثلي وهو: “إن عبد المسيح كان قد إتهم الياس جرجي وعيسى سلامة وعبدالله محسن ومعروف صعب بالخيانة لانهم بنظره تهاونوا بإبلاغ الزعيم عن نية حسني الزعيم بتسليمه الى السلطات اللبنانية، فهل يحق لنا نحن أن نتهمه نفس الاتهام لانه تهاون بإبلاع الزعيم عن نيّة الكتائبيين بالتحرّش به وإيذائه”؟ وإذا كان استنتاجكم وجوابكم على تساؤلي هذا، وتساؤل غيري ممن إطلع على هذه المعلومات الموثقة من عبد المسيح نفسه، إذا كان جوابكم واستنتاجكم هو أن عبد المسيح متهَم بالخيانة، فما ذنبي أنا؟؟
إن تساؤلي كان مهذباً وبعيداً عن التحامل والاتهام المباشر، وقد إستعملته أيضاً في مكان آخر في واقعتين إثنتين هما: إضاعة الامين الياس جرجي لمرسوم الزعيم المزعوم بتجريد ثمانية أمناء من رتبهم، ثم إضاعة الامين عبد المسيح لمرسوم الزعيم المزعوم بتعيينه رئيساً لمجلس وكلاء العمد قبل حادثة الجميزة بقليل. عبد المسيح إتهم جرجي بأنه أضاع مرسوم التجريد لأن إسمه كان من بين المجردين من رتبتهم، رغم بطلان هذا الاتهام ووضوح نيّة وفعل التحامل فيه بسبب أن الزعيم نفسه في رسالته الى الامينة الاولى في 30 حزيران يصف الياس جرجي بالامين، فلو كان إسم الياس جرجي هو من الاسماء المجردة من الرتبة لكان الزعيم وصفه بالرفيق الياس جرجي وليس بالامين الياس جرجي. وهنا تساءلت وقلت: “هل يحق لنا أن نظن بعبد المسيح لانه أضاع مرسوم التعيين كما ظن هو بالياس جرجي لانه أضاع مرسوم التجريد؟ إن تساؤلي مشروع ومنطقي لأن عبد المسيح “أضاع” أشياء أخرى ثمينة، مثل رسالتين له من الزعيم أرسلهما اليه الى سرحمول مع الرفيق أديب الجدع، وقلت أن تلكما الرسالتين لا سبب مقبول لإضاعتهما وكان يجب على عبد المسيح نشرهما ونشر مرسوم تعيينه المزعوم فور وصوله الى دمشق، لأن هذه الرسائل ليست ملكاً شخصياً له بل هي ملك الحزب وملكنا جميعنا. فهل أكون بذلك أنا أتحامل على عبد المسيح أم يكون عبد المسيح هو من يتحامل علينا وعلى الياس جرجي وعيسى سلامة وعبدالله محسن ومعروف صعب؟
الملاحظة الثالثة: إدانة عبد المسيح وتبرئة غيره، والمثل الفاقع.
يقول الرفيق سبعلي أنني تحاملت على عبد المسيح عندما أخذت عليه “أنه لم ينصب الكمائن على الطريق من المصنع الى بيروت لتخليص الزعيم من أيدي السلطات اللبنانية. والمعروف أن عبد المسيح يومها كان محاصراً في سرحمول أو هو متواري بعد المعركة، ولم يكن يعلم أن الزعيم سلم أو أنه حتى ذهب لمقابلة حسني الزعيم. بينما الكاتب أغفل تفاصيل ما حدث في دمشق يوم 6 تموز من الصباح الباكر حتى المساء عندما استقل الزعيم السيارة العسكرية مع ابراهيم الحسيني الى القصر الجمهوري في الساعة العاشرة مساء، وكأني به أراد عدم تحميل المسؤولين الذين كانوا الى جانب الزعيم يومها أية مسؤولية، والقاء التبعة على عبد المسيح، كي تكتمل روايته التي يقول فيها أن البريطانيين ارادوا التخلص من الزعيم واستبداله بعبد المسيح، وربما بمعرفة عبد المسيح…”
إن ما يقوله الرفيق سبعلي على لساني هو غير صحيح، إنه كلام ملقى على عواهنه وينقصه مصداقية، وفيه “كأني به” وفيه “ربما”، وفيه كل شيء ما عدى الحقيقة.
إني يا رفيقي ويا عزيزي بلى قد حمّلت المسؤولين الذين كانوا بقرب الزعيم مسؤولية تركه وحيداً وعدم المبادرة الى حمايته أو مساعدته، ولم أحاول إغفال مسؤوليتهم والقاء التبعة فقط على عبد المسيح. إني قلت: “…إن سعادة كان قد تحقق من أن موتاً وأمواتاً يحيطون به من كل جانب وأن القريبين منه كانوا أمواتاً لا يحيون اللحظة التي كان هو فيها فماذا سيستفيد من مناقشة خياراته معهم، إنه لا وقت لديه لمناقشتهم وهو قد تعب من عجزهم عن فهم اللحظة التاريخية الحرجة آنذاك وكان متألماً جداً من قصورهم عن مواكبته، لدرجة أن عصام مثلاً كان في 6 تموز متواعداً مع صبحي فرحات للسهر، ومعروف صعب كان مشغولاً في خبريات الغيرة الزوجية….(روايات عبد المسيح)، ولا ننسى أن سعادة كان قد حلّ مجلس العمد اسبوعين أو ثلاثة اسابيع قبل حادثة الجميزة بسبب عدم أهلية أعضائه في ظروف عادية تقريباً فكم بالحري في ظروف معركة مصيرية فاصلة؟” (ص 243). وقلت أيضاً عنهم صفحة 244 ما يلي: “صرنا نفهم الآن لماذا لم يحدّث سعادة معاونيه ويخبرهم ويشرح لهم قراره وأسبابه وأهدافه، ولماذا لم يعطهم تعليمات ماذا عليهم أن يفعلوا بعد خروجه الى موعده مع مصيره الذي كان يراه واضحاً جلياً أمام عينيه وناظريه، بل مصيره الذي إختاره هو بإرادته. إن سعادة كان يعرف أن أعوانه لم يكونوا أهلاً لشيء. سعادة لم يشرح قراره لرفقائه المحيطين به، وأسباب وأهداف ذهابه للمقابلة الاخيرة، لأنه لم يكن يثق بهم وبأنهم سيفهمون كلامه وشرحه بشكل سليم ولن ينقلونه للتاريخ بشكل صحيح، لقد ترك للتاريخ وللأجيال أن تفسّر هي قراره وخطوته. لقد كان وحده، وبقي وحده، وما زال…”.
رغم ذلك يعتبر الرفيق سبعلي انني لم أكن “متوازناً وموضوعياً” ويعود للقول إنني أردت عدم تحميل المسؤولين الذين كانوا الى جانب الزعيم أية مسؤولية وإلقاء التبعة على عبد المسيح وحده كي تكتمل روايتي التي أقول فيها (حسب زعمه) أن البريطانيين أرادوا التخلص من الزعيم واستبداله بعبد المسيح، وربما بمعرفة عبد المسيح. سامحك الله يا دكتور ميلاد، لكن القراء لن يسامحوك على هذا التأويل.
أما عن مظلومية عبد المسيح وإتهامي الجائر له بعدم المبادرة الى إنقاذ الزعيم، ودليل الرفيق سبعلي “الفاقع” على ذلك، فإليك أيها القارئ النص الحرفي الذي كتبته أنا عن هذه المسألة والذي حسب الرفيق سبعلي يشكّل المضبطة الجرمية بحقي ويشكل الدليل الفاقع على تحاملي. أقول صفحة 257 و258 تحت عنوان “هل كان يمكن إنقاذ سعادة؟” ما يلي:
“…كان ممكناً للقوميين في الشام أن يحذّروا حسني الزعيم ويهددونه بالقتل إن هو غدر بسعادة… وكان ممكناً لهم في لبنان أن يفعلوا نفس الشيء مع رياض الصلح وبشارة الخوري في أي وقت من 9 حزيران وصاعداً. نحن نعتقد ان الخوف الذي طبع تصرفات الحكومة كان سيدفعها بكل تاكيد لإعادة حساباتها فيما لو بادر القوميون وأستعملوا التحذير والتهديد. صحيح أن حالة الحزب التي كانت سنة 1949 كان يعتريها سلبيات كثيرة، وما حلّ مجلس العمد منتصف ايار إلا مؤشر واحد فقط على ذلك، فضلاً عن وجود أركان الحزب كلهم تقريباً في السجن، لكن الحزب كان لا يزال يحتفظ بعناصر قوة قادرة على فعل الكثير لو توفر لها التنظيم والقيادة. والدليل على ذلك محاولتان للاقتصاص من رياض الصلح جرتا في عاليه وفشلتا لاسباب فقدان التنظيم والقيادة (جريج ص 176) ونحن نتكلم هنا عن مرحلة ما قبل الاستشهاد، أما محاولة قتل رياض الصلح التي قام بها البطل توفيق رافع حمدان فكانت بعده. إن من كان يجب أن يلعب دوراً رئيساً في إنقاذ سعادة هو جورج عبد المسيح لثلاثة أسباب، أولاً لانه الامين ذو الخبرة الامنية والعسكرية وكان عميداً للدفاع لفترة طويلة وهو قد زعم أن سعادة كان عيّنه رئيساً لمجلس وكلاء العمد قبيل حادثة الجميزة بقليل، أي أنه كان المسؤول الاول حسب تعبيره، وثانياً لأنه كان طليقاً أفلت من الاعتقال مع من أعتُقل بعد حادثة الجميزة، وثالثاً لأنه كان قائد القوات القومية في جبل لبنان. لكن عبد المسيح كان في حالة عمى أمني ولم يكن يعلم أن سعادة قد تم إعتقاله في دمشق وتم تسليمه الى السلطات اللبنانية وتمت محاكمته وتم إعدامه. إن قائد القوات القومية في جبل لبنان لم يراقب طريق دمشق بيروت ولم يكلف أحداً بمراقبتها (وليس نصب الحواجز عليها حسب إدعاء السبعلي)، ولم ينشىء خلية جمع معلومات عن تحركات وأعمال الحكومة وأجهزتها الامنية، ولم يقم بأي تدبير لجعل الحكومة تشعر بأن الحزب لا زال موجوداً وقادراً على حماية زعيمه. لقد تمكّن فقط من جمع 12 رفيقاً بقوا إسبوعاً كاملاً يدورون ويتنقلون بالخفاء وبالعلن بين بشامون وعين عنوب وقد حوصروا في سرحمول وإعتُقلوا جميعهم دون معركة ما عداه. إن عبد المسيح بصفته قائداً كان يجدر به أن يكون طليقاً خارج الطوق في سرحمول لكي يتمكّن من إدارة فعاليات الثورة، وما كان يجب أن يُدخِل نفسه في طوق سرحمول طيلة أسبوع كامل.”
أما في الصفحة 232 فطرحت الاسئلة البديهية التالية: “…إن العم لم يخبرنا عن المهمة العسكرية التي كان مكلفاً بها من قيادة الثورة ولا عن خطته لتنفيذ تلك المهمة وكم كانت تحتاج من مقاتلين وسلاح ومال، ولماذا كانت المعركة في سرحمول وليس في أي مكان آخر، وما قيمة سرحمول العسكرية وما محلّها في برنامجه العسكري…”
هكذا كنت أنا كباحث في التاريخ وباحث عن العوامل والاسباب والاخطاء التي تراكمت وأدت الى فشل الحزب في حماية زعيمه، وهكذا كان الرفيق سبعلي لا يجد في هذه العوامل والاسباب والاخطاء إلا دليلاً فاقعاً ضدي ومحاولة خبيثة مشبوهة مني لتبرئة المسؤولين المحيطين بالزعيم في دمشق ولإلقاء التبعة كلها على عبد المسيح لتكتمل روايتي التي تقول بان الانكليز أرادوا التخلص من الزعيم وإستبداله بعبد المسيح! فتبصّروا!
إن الذي إستشهد ظلماً هو سعادة وليس عبد المسيح.
إن الذي فقدناه زعيماً ومعلّماً وهادياً هو سعادة وليس عبد الله سعادة.
إن الذي يحتاج له شعبنا كله والذي تفتقده سورية كلها وتشتاق له هو سعادة وليس إنعام رعد.
أنظروا إليه هو، وتمعّنوا في تاريخ إستشهاده هو ودعوه يُنسيكم الاسماء كلها…