كثرت المظالم في الغابة، وانتشر قطاع الطرق، وقلّ الكلأ وشحت مصادر المياه، وخاضت الحيوانات صراعاً مريراً من أجل لقمة العيش، كما اقتطعت الأدغال المجاورة مساحات من الغابة، اعتبرتها مناطق آمنة بعدما تفاقمت موجات الهجرة والنزوح. الحيوانات آكلة العشب، أصبحت تقتات على الجيف، بعدما يبست مروج الزرع، والكاسرة شرعت في افتراس أبناء جنسها، نتيجة ندرة الصيد.
حمّلت الحيوانات المسؤولية لحكومة الغابة، بعد أن فشلت خطط التنمية واقتصرت المكاسب على المحظوّين وأبناء الذوات، وبدأ الجميع يطالبون بانتخابات حرة وتشكيل مجلس نواب جديد يوصل معاناة الحيوانات إلى الحكومة ويدافع بقوة عن حقوقهم في العيش الكريم. خرجت الفيلة مع الزرافات، والخنازير مع أبناء آوى والغزلان والجحاش البرية والفهود والنمور، حتى التماسيح خرجت من المستنقعات والقرود تجمهرت فوق الأشجار ترافقها الطيور من كل الأنواع.
اتجهت جموع الحيوانات نحو مقر الحكومة، تهتف مطالبة بالعدالة في توزيع الثروة وتطبيق القانون ومعاملة الحيوانات سواسية بلا تمييز بين الطوائف والطبقات والعشائر.
في البداية لم تصدق الحكومة ما يجري، وتساءل الوزراء إن كانت الحيوانات قد فقدت عقلها حتى تجرأت على التظاهر ورفع الشعارات بهذا الشكل! أحد الوزراء قال: لنطلق عليهم قطيع الضباع حتى نلقنهم درساً لن ينسوه أبداً. ووزير آخر رأى أنها مؤامرة خارجية تقودها إحدى الأدغال المجاورة. اشتد النقاش داخل مبنى القيادة، على وقع هتاف الحيوانات الذي كان يعلو ويرتفع أكثر.
بعد جدل طويل وتبييت استخارات مع الجهات المختصة والقيادات من كل المستويات والفروع، وافقت الحكومة على إجراء انتخابات عادلة لاختيار مجلس نواب يمثل الحيوانات ويوصل معاناتهم ومقترحاتهم بكل مسؤولية والتزام.. وبالفعل ارتاحت الحيوانات نفسياً، وتم الإعلان عن بدء حملات الترشيح والدعاية الانتخابية، فانتشرت المضافات في الغابة وملأت صور المرشحين الأشجار وضفاف الأنهار والصخور، وراح المرشحون يطرحون برامجهم الانتخابية، ويعدون الجماهير بالعدالة والتنمية ورفع مستوى الدخل والضمان الصحي.. لقد شعرت الحيوانات بأن أحلامهم المستحيلة قاب قوسين أو أدنى من التحقق، فاشتغلت الماكينات الانتخابية بأقصى طاقتها، وتبارى المرشحون في إلقاء الخطب واستعراض واقع الحال وطرح الحلول، حتى ظهرت الغابة وكأنها واحة للديموقراطية بين الأدغال المجاورة.
جرت الانتخابات بشكل هادئ دون تجاوزات أو اعتراضات من المرشحين أو المنتخبين، ثم نقلت الصناديق إلى مبنى الحكومة من أجل فرز الأصوات وإعلان النتائج.. الجميع كانوا على أعصابهم نتيجة المنافسة القوية بين المتنافسين.
في المساء أعلنت محطة الحكومة الرسمية القوائم الفائزة على الشكل التالي:
فازت قائمة النمور، ممثلة لقطعان الغزلان.. وقائمة النسور ممثلة للطيور.. وقائمة الضباع ممثلة للخنازير.. وقائمة التماسيح ممثلة للأسماك والحيوانات المائية.. وقائمة الفهود ممثلة للجحاش البرية.. كما انتخبت البقرة رئيسة للمجلس بالإجماع.. عرفتوا كيف؟