الفاعل السياسي (الأداة الجديدة):
يُعرّف الفاعل في اللغة العربية بأنه الّذي دلَّ على الّذي فعلَ الفعلَ، أو على الذي أُسند إليه الفعل. وباطلاعنا على كفاءة الفاعل سياسياً نتعرف على ما هو المقصود بالفاعل السياسي.
بداية، سنحاول مقاربة سؤال الكفاءة لدى الفاعل السياسي من خلال تقديمٍ ولو مختصر لمفهوم الكفاءة عنده، ثم إبراز معالم هذه الكفاءة في التصور السائد لدى عموم المهتمين بالعملية السياسية، ومن ثم سننتقل – في الحلقات القادمة – إلى بحث الحاجة إلى فاعل سياسي مع عرض سريع لتاريخ وواقع الكيان الشامي.
ما مفهوم الكفاءة لدى الفاعل السياسي؟
على المستوى الأكاديمي الصرف، هذا النوع الخاص من الكفاءة لم يتم تدقيقه بشكل واضح. فهو كان ولا يزال محط جدلٍ بين الباحثين في العلوم السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ، ولعل أهم إشكاليات هذا الجدل في الوسط الأكاديمي، هو إدماج البعد الأخلاقي من عدمه في تعريف الكفاءة.
وقد ارتأينا الأخذَ بأحد التعريفات الأكثر تداولا لبساطتها وشموليتها، وإن كانت لا تُدمج الأخلاقيات، وهو التعريف الذي وضعه عالم الاجتماع الفرنسي بروديو والذي يعتبر كفاءة الفاعل السياسي على أنها: “القدرة على تدبير الشأن العام أو إبداء الرأي بخصوصه أو تغييره.“
فمن خلال هذا التعريف، نستنتج أن كفاءة الفاعل السياسي تتأسس على أربعة محاور:
- مفهوم الشأن العام، والذي يُقصد به ذلك الفضاء الذي تتقاطع فيه مصالح المجتمع والجماعات والأفراد من جهة، ومصالح المؤسسات التي تُأطر المجتمع أو تشتغل داخلَه من جهة أخرى. وبالتالي فكفاءاته تتبلور بِمدی قدرته علی استيعاب خصوصيات المجتمع، مكوناته، إرهاصاته وتطلعاته، مع دراية معمقة بالتحولات التي تنتج عن حركية الأفراد والجماعات ومسارات المؤسسات
. - التأثير في الشأن العام يستوجب إدراك الممكن والممتنع، الوارد والمستبعد، الضروري والمكمل، السهل والمستعصي، المقبول والمرفوض، الاستراتيجي والتكتيكي. وذلك علی الصعيد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي انطلاقا من بنية المجتمع والمؤسسات ومؤهلات الوطن. إنها هندسة الاختيارات التي تؤسس للعمل السياسي. مع الإشارة إلى ضرورة إلمام الفاعل السياسي ببنية الدولة ودواليب الحكم والأجهزة الرسمية والموازية، المنتخبة منها والإدارية، المدنية والعسكرية.
- الكفاءة المنشودة لدى الفاعل السياسي ترتكز على قدرة عالية من النقد، لكن ليس في مفهومه العامي، أي مخالفة الرأي السائد، بل في مفهومه الفلسفي والمعرفي. فالنقد لدى الفاعل السياسي هو تلك القدرة على مقاربة هموم ومشاكل المجتمع والمؤسسات بشكل مغاير ومنفرد، وتقديمه للحلول. فالفاعل السياسي يملك باستمرار رؤية مستقبلية أو استباقية أو استنباطية تمكنه من اقتراح حلول وأفكار متميزة من حيث الشكل والمضمون وحتى التوقيت.
- الريادة وهي في نظر الكثيرين، ركيزة أساسية ليس فقط كصفة إلزامية للفاعل السياسي، ولكن لكونها وسيلة إشعاع وقوة للعمل السياسي. والمقصود بالريادة هنا، مجموعة من الكفاءات من أهمها القدرة على الإقناع وتعبئة الأتباع ومواجهة الأزمات وأخذ زمام المبادرة.
وليس آخراً التواصل من حيث المضمون كتكييف الخطاب واستعمال اللغة المناسبة للمتلقي، ومن حيث الشكل كاستعمال الوسائط التواصلية والإعلامية بكل أنواعها. فالفاعل السياسي يستطيع أكثر من غيره الانتقال والارتقاء بتجربته الخاصة أو بتجارب الآخرين، مجتمعاتٍ ودولٍ، لتتبلور لديه أطروحات قابلة للنقاش والمجادلة مع الموالين والخصوم
تصور كفاءة الفاعل السياسي
الملاحظة الأولى: أن الكفاءة لدى الفاعل السياسي تمت شخصنتها من خلال بعض السياسيين، فعبر هؤلاء تم تحديد مفهوم الكفاءة بل أكثر من ذلك تم
الملاحظة الثانية: ولعلها مرتبطة بالملاحظة الأولى، فجُلُّ النقاشات في هذا الموضوع تُدرِجُ كفاءة الفاعل السياسي في المفهوم الرائج للكفاءة لدى العموم، ألا وهو المتداول في المقاولة. فتختزل كفاءة الفاعل السياسي في بحر الكفاءة التدبيرية، أي القدرة على إنجاز المشاريع وبناء المنشآت وتقديم البرامج وحتى الاستشارات للأزمات التي تعصف بالدولة وبالمجتمع.
الملاحظة الثالثة: وهي الاستياء العارم من الحالة الكارثية لكفاءة بعض السياسيين. فبعض الوجوه الحزبية التي طالت إطلالتها على المتتبع العربي عموما والشامي خصوصًا، لا تمتلك أدنى مستوى من القدرة على التواصل، بل حتى التعبير عن آرائها بلغة سليمة ولو بالدارجة أو المحكية. بل لم يرهم المتتبع ينتجون أفكاراً ولا يناقشون برامج بل يظل جُلُهم غائبون حتى بلوغ تاريخ الاستحقاقات أو عند استدعائهم في المناسبات الرسمية للتصفيق والتطبيل لما أُنتج وقُرِّر في دوائر بعيدة عنهم.
من خلال الملاحظات السابقة، نجد أن التصور السائد اليوم هو تعريف كفاءة الفاعل السياسي من خلال كفاءة التقنوقراط، أي أنها زخم معرفي وأكاديمي، وتراكم لتجارب وخبرات ذات بعد تقني أو اقتصادي أو مالي فقط.
وأخيرًا لابد أن نشير أن المسار السياسي، ولعقود طويلة، جعل القرار في أيدي مسؤولين هم في مواقع سياسية، أي مواقع حُكم، لكن دون أن تتوفر لديهم أدنى مقومات الكفاءة السياسية. ولعل عدداً غير يسيرٍ من الإخفاقات الاجتماعية والاقتصادية، نتجت عن قرارات واختيارات وضعها ونفذها تكنوقراط بلون سياسي أو بِدونه، ذَوُو كفاءات متميزة في مجالات الإنشاء والاقتصاد والمقاولة، لكن اختياراتهم لم تكن ملائمة لا للوضع الاجتماعي ولا للحاجيات الاقتصادية للبلد، لأن أصحابها كانوا وببساطة على خصومة أو تنافر مع العمل السياسي وإن كانوا في قلب الفعل السياسي.
.