الجميع يعرف معادلة “سين سين” التي قيل لا حلّ لأزمات لبنان بدونها. كما أن الأحداث التاريخية على مستوى العالم العربي كانت محكومة بثلاثية سوريا، مصر، السعودية. في الحرب والسلم والعلاقات الاقتصادية وغيرها، سميت سوريا “قلب العروبة النابض”، لكن العرب أنفسهم ساهموا بإيقاف هذا “القلب” أو في الحد الأدنى، حولوا سوريا من عضو فعال في الجسد العربي، إلى عضو معطل حاولوا بتره من أجل تكليف بدور مختلف عن القلب. اليوم فشلت هذه الاستراتيجية، ووصل العرب إلى قناعة تفيد بضرورة تبديل سياسة التعامل مع سوريا بعد اثنتي عشرة سنة من الحرب التي لم تستطع إسقاط هذا البلد الذي سموه لفترة طويلة “بالنظام”.
يتابع الشارع السوري باهتمام زيارة الوفود العربية إلى دمشق، ويأمل أن يفضي ذلك إلى انفراجات اقتصادية وخروج من العزلة التي أوصلت البلد إلى مراحل صعبة من المعاناة. ويستذكر الناس مراحل تاريخية سابقة، تمكنت فيها سوريا من الاحتفاظ بعلاقاتها العربية، ولم تفرط في الوقت نفسه بعلاقاتها مع إيران. بمعنى آخر، تمكنت سوريا من التمسك بخيار المقاومة وأبقت على علاقات جيدة مع العرب وخاصة دول الخليج ومصر. فهل باتت العودة إلى مثل هذا التوازن مستحيلة في هذه المرحلة؟
يتساءل الناس عم استفادته البلد من التحالف الكبير والوثيق مع روسيا وإيران؟ فالدولتان المشغولتان بصراعاتهما الدولية والإقليمية، لم تتمكنا من انقاذ سوريا في أزمتها الاقتصادية خاصة على صعيد القمح والمحروقات، وكانت الكميات القليلة التي تصل إلى البلد لا توازي الامتيازات الكبيرة التي أخذتها كل من طهران وموسكو في الأرض السورية من استثمارات ومواقع عسكرية وغير ذلك. بل إن عجز القوات الروسية عن كبح الغارات الإسرائيلية وعدم تمكن القوات السورية من استخدام صواريخ إس300 المضادة للطيران إلا بموافقة الروس، جعل هذا التحالف مشكوكاً في أمره من حيث العائدات التي تستفيد منها سوريا بسببه. صحيح أن القوات الروسية الجوية على نحو خاص، قدمت مساعدات كبيرة للجيش السوري، لكن في المقابل حصلت روسيا على قواعد عسكرية على في اللاذقية وطرطوس عدا عن استثمارات فيما يخص الغاز والفوسفات. إضافة إلى قائمة ديون سجلتها روسيا على سوريا تشمل كل أشكال الدعم خاصة العسكري. وبالمقابل فإن إيران تعاملت بالطريقة نفسها من الناحية الاقتصادية، مع الحصول على مكاسب كبيرة على الأرض، خاصة فيما يخص مجموعات تابعة لها والتمركز في مواقع عسكرية في أماكن مختلفة من البلاد.
لنحسب الأمور بشكل منطقي تبعاً للمصلحة القومية لسوريا. ما هو الثمن المطلوب من دمشق حتى تحصل على الدعم المالي الخليجي والمساعدة في انتشال الاقتصاد وإعادة الإعمار؟ ولماذا لا تتم العودة إلى السياسة السورية التي كانت سائدة في فترة سابقة عندما كان التوازن بين العرب وإيران سياسة استراتيجية سورية؟
تحدث الناس كثيراً عن خط الغاز القطري، وعن مكاسب اقتصادية دفعت العديد من الدول إلى تنفيذ حربها ضد سوريا. لكن في المقابل، لا تبدو المكاسب التي حصلنا عليها من التحالف مع طهران وموسكو، كبيرة تستحق كل هذه الخسارات التي خلفتها الحرب. بالطبع الكل يقر بوجود مشكلة داخلية سورية تم استثمارها خارجياً من دول الإقليم ومن الدول الكبرى، لكن هناك ما يشبه الورطة قد وقعت فيها سوريا، حيث لم تجنِ الثمار المرجوة من التحالفات التي عقدت مع ايران وروسيا.
التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية لا يعني التنازل عن الحقوق القومية، وقد سادت هذه الاستراتيجيا في قبل عام 2000 أيام الرئيس حافظ الأسد، لكن الذهاب باتجاه أحادي، أثبت عدم جدواه، خاصة في ظل ما يحكى عن تمركز إيراني عميق في الأرض السورية يصعب الخلاص منه مستقبلاً، إذ إنه يستند إلى مقومات أيديولوجية دينية واقتصادية لن يكون من السهل إيقاف مفاعيلها وهي بمثابة أفخاخ مستقبلية بالنسبة لسوريا.
العلاقات العربية تبدو ضرورية، مثلما هي الحال مع العلاقات الإقليمية والدولية، ويمكن الخلاص من أحادية الخيار في هذه الجبهات، بناء على عامل التوازن الذي كانت سوريا تحققه في مرحلة سابقة. فالشعب يقول اليوم إن الفوائد والازدهار الذي سيجنيه الناس، هو المقياس في صحة الخيارات السياسية، حيث من غير المنطقي أن أقدم كل المكاسب لأطراف إقليمية لأنها تدعو للمقاومة، وأحجب العلاقات مع العرب لأنهم طبعوا مع “إسرائيل”، فالتوازن هنا يعتبر حنكة سياسية مبررة بعامل مصلحة البلد، والجميع يعلم أن الصراع الوجودي مع “إسرائيل” قناعة شعبية لا يختلف عليها اثنان من الشعب السوري.
ماذا يريد العرب؟ وماذا تريد إيران؟ وماذا تريد روسيا؟ أسئلة كثيرة تشغل بال الشارع السوري وهو يترقب عودة العلاقات العربية. لكن أشدها أهمية بالنسبة للناس هو ماذا تريد سوريا؟