“كتب هذا المقال قبل حريق الحوارة”
في حديث له مع شبكة سي. إن. إن.، يقول رئيس وزراء العدو، نتنياهو، إنه تحايل على الفلسطينيين بالالتفاف عليهم والتوجه مباشرة إلى الدول العربية وعقد “مفهوم جديد للسلام” معهم هو “اتفاقيات إبراهام”. “حين ننتهي من السلام مع العرب، عندها يمكن لنا العودة إلى الفلسطينيين، وعقد سلام معهم.”
وحين سأله المذيع عن نوع السلام وما هي الصلاحيات التي ستمنح للفلسطينيين أجاب: “ليأخذوا جميع الصلاحيات التي يحتاجونها لحكم أنفسهم، ولكن بدون أي من الصلاحيات التي يمكن لها أن تهددنا، وهذا يعني أن الصلاحيات الأمنية تبقى حصرا في يدنا.” وحين سئل عن قلق إدارة بايدن من زيادة المستعمرات في الضفة، أشار إلى النجاح الكبير الذي حققته اتفاقيات إبراهام في تطبيع العلاقات مع العرب!
ولكن التحايل سلاح ذو حدّين. ففيما نتنياهو يتحايل على الفلسطينيين بالتوجه إلى العرب، كان الفلسطينيون يتحايلون عليه وعلى العرب، وعلى السلطة الفلسطينية بتجاهلهم كلياً، وتجاهل اتفاقاتهم السياسية والأمنية، والذهاب إلى الطريق الأقصر، المسدس. هذه مشكلة تؤرق الإسرائيليين وحلفاءهم وتدفعهم للضغط على الحلقة الأضعف، أي ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، وهذا لن يجدي نفعاً. فسواء تعاونت تلك السلطة مع العدو، أو لم تتعاون، يقوم الشباب الفلسطيني بتغيير مسار المواجهة.
العدو، الذي يدرك خطر هذا الشباب، بدأ بالتمهيد لمرحلة جديدة، يطلق عليها اسم، “إرهاب الشعب الفلسطيني”، تمييزاً له عما يسميه العدو في جميع أدبياته، “إرهاب المنظمات الفلسطينية”، أو “المنظمات الفلسطينية الإرهابية.” فما هو هذا الإرهاب؟ في مقال بقلم أفيغدور هاسلكورن، نشرته يديعوت أحرونوت تحت عنوان Palestinian ‘people’s’ terrorism، يرفض الكاتب فكرة عمليات “الذئب المنفرد” التي لا علاقة للتنظيمات الفلسطينية بها. أما النتيجة التي يخلص إليها فيمكن تلخيصها كما يلي: إن توزع العمليات “الإرهابية” جغرافيا، وكثافتها، وتنوعها، منذ عملية غزة سنة 2021، سواء من الضفة أو من الأراضي المحتلة عام 1948، تشير إلى وجود “جيش ظل عربي.” ويضيف الكاتب، “بالرغم من افتقار هذا الجيش لقائد أعلى، ووحدات منظمة، واستراتيجية موحدة، أو حتى خطة عمليات متناسقة، فثمة أربعة عوامل تجعل من هذا الجيش حقيقة قائمة.” ما هي هذه العوامل؟ ها هي، ننقلها كما ترد في المقال:
“أولا: العداوة والحقد الواسع والعميق للسكان اليهود الذين يقطنون في نفس أماكن سكن الفلسطينيين أو بالقرب منهم. (أي المستعمرات الإسرائيلية.)
“ثانيا: وحدة الهدف، فسواء كان انتقاماً أو بسبب ضغائن أخرى يخفونها، يجتمع “الإرهابيون” على الرغبة المشترك بقتل اليهود. هذا يعني استهداف مدنيين يهود وليس فقط العسكريين.
“ثالثا: الوصول إلى الأسلحة.
“رابعا: الاستعداد منقطع النظير للعمل حتى ولو كلف ذلك حياة الشخص المعني، وذلك انطلاقاً من مثال طلب الشهادة والتمثل بالشهداء وفق العقيدة الإسلامية.”
ويضيف الكاتب عاملًا آخر هو انتشار الانترنت ووسائل التواصل حيث “نشر التحريض الخبيث ضد اليهود، والاستخدام شبه الشامل لأجهزة الاتصالات المحمولة، يعني وجود مجموعة كبيرة من “المجندين” الجدد في العالم العربي.” ويختم الكاتب بالقول، إنه يتم إعداد “جيش الظل” على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ويمكن استدعاؤه في أي لحظة.
ما هو الغائب عن كل هذا الكلام؟ الغائب هو الأسباب الحقيقة التي يحاول الاحتلال تجاهلها كلياً، والتي يمكن اختصارها بكلمة واحدة، الاحتلال. إنها لظاهرة تكلم عنها كثيراً جاك إيلول، Jacques Elul، عالم الاتصالات الاجتماعية الفرنسي، حين تكلم عن البروبغندا الاجتماعية، حيث تنغلق جماعة على نفسها ولا تعود تسمع سوى أسطوانتها هي، تكراراً ومراراً.
كيف تنوي الحكومة الإسرائيلية الجديدة مواجهة هذا الواقع؟ إنها تواجهه عبر تسليح المدنيين الإسرائيليين “المؤهلين.” وبهذا، يقول الكاتب، “يعترف القادة الإسرائيليون بعجز الأجهزة الأمنية في تأمين الحل المناسب لخطر الإرهاب المتنامي. إن في هذا الحل اعترافا ضمنيا أنه لمواجهة “جيش الظل العربي” لا بد من قيام “جيش ظل يهودي” وهذا ما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهات شعبية حربية بين هذين الجيشين في إسرائيل والضفة.”
العدو يتحايل على العرب وعلى السلطة الفلسطينية، ويتحايل على الأمريكان والأوروبيين، ولكنه يتجاهل أن التحايل ليس حكراً على أحد. ما لا يمكن إهماله، إن نقل المعركة الإعلامية من “المنظمات الإرهابية” إلى “الشعب الإرهابي”، قد يكون مقدمة لأمور خطيرة جداً، ليس أولها عمليات انتقام جماعية، ولن يكون آخرها “الترانسفير” الذي يحلم به عتاة اليمين الإسرائيلي.