70 عاما على اليوم العالمي لحقوق الإنسان واللاجئ الفلسطيني ما زال بلا حقوق -د هشام عوكل

Share

د هشام عوكل

احتفل العالم في العاشر من كانون أول المنصرم باليوم العالمي لحقوق الإنسان. ويرمز هذا اليوم للتاريخ الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 الإعلان

العالمي لحقوق الإنسان. وفي هذه المناسبة نظمت جمعية حقوق الإنسان حملة من المنتظر أن تستمر عاما كاملا للاحتفال بالذكرى السنوية السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والإعلان عبارة عن وثيقة تاريخية حددت فيها حقوق ثابتة يحق لكل إنسان التمتع بها بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر. إنها الوثيقة الأكثر ترجمة في العالم ومتاحة بأكثر من 500 لغة.

ويضع الإعلان، الذي صاغه ممثلون من خلفيات قانونية وثقافية متنوعة من جميع مناطق العالم، يضع القيم العالمية معيارا للهدف المشترك لدى جميع الشعوب وجميع الأمم. وهو ينص على المساواة في الكرامة والقيم الإنسانية. وبفضل الإعلان والتزامات الدول بمبادئها، تم إحياء كرامة الملايين من البشر ووضع الأساس لعالم أكثر عدلا. ففي حين أن ما يصبو إليه الإعلان لم يتحقق بعد تماما، يمكن القول إنه صمد أمام الاختبارات على مدى الزمن وهذا ما يدل على الطابع العالمي الدائم والقيم الدائمة المتمثلة في المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية.

يمنح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قوة للجميع، إذ إنه لا يزال يحافظ اليوم على مبادئه المكرسة وعلى أهميتها كما كانت عليه عام 1948. فنحن ما زلنا بحاجة إلى الدفاع عن حقوقنا وحقوق الآخرين بالعمل يوميا في هذا الاتجاه، وما زلنا بحاجة للتمسك بالحقوق التي تحمينا جميعا وتعزز الصلة بين جميع البشر .

اين اللاجئ الفلسطيني من الميثاق العالمي لحقوق الانسان

لمَّا كان الإقرارُ بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكِّل أساسَ الحرِّية والعدل والسلام في العالم، أين كان ضمير المجتمع الدولي والشعب الفلسطيني يذبح ويعذب أمام مرأى الجميع وأمام عدسات مصورين وهي ترصد القتل المتعمّد والاعتقال التعسفي وهدم البيوت وشهود العيان تصك البيان؟

لما كان البشرُ قد نادوا ببزوغ عالم يتمتَّعون فيه بحرِّية القول والعقيدة وبالتحرُّر من الخوف والفاقة كأسمى ما ترنو إليه نفوسُهم، ولماَّ كان تجاهلُ حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضميرَ الإنساني، كانت القضية الفلسطينية الشاهد الحي الأكبر والأطول عمرا في القرن العشرين والواحد والعشرين على الفصل العنصري والتطهير العرقي.

ما كان من الضروري أن تتمتَّع حقوقُ الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أُريدَ للبشر أن يُضطَرُّوا آخرَ المطاف إلى اللوذ بالتمرُّد على الطغيان والاضطهاد. وما كانت الأمم المتحدة والشرعية الدولية لتصدر قرارات لا ترتقي لمستوى إنسانية وتاريخ الشعب الفلسطيني الضارب بعمق التاريخ والحضارة الكنعانية وكل الحضارات التي مرت على أمتنا.

لقد صدر عن الأمم المتحدة حوالي ثلاثين قرارا يؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، واستخدمت أميركا في كل مرة حق النقض لإبطال هذه القرارات التي تدين الكيان الصهيوني. ورغم تأكيدها المستمر في أكثر من نص واضح على حرية الشعوب والأفراد في تقرير مصيرهم والعيش بكرامة، اتخذت الأمم المتحدة قرارا بتقسيم فلسطين بتاريخ 29/11/1947، انسحبت على إثره بريطانيا من فلسطين وحل مكانها الكيان الصهيوني إثر حرب عام 1948 التي أسفرت عن تهجير العديد من الفلسطينيين عن أراضيهم ومنازلهم.

وفي 16/9/1948 رفع الوسيط الدولي برنادوت تقريره إلى الأمم المتحدة حمَّل فيه إسرائيل مسؤولية العدوان وطالب بحق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم ومنازلهم كشرط أساسي لتسوية النزاع بين الطرفين. ووفقاً لهذا التقرير أصدرت الأمم المتحدة قرارها رقم 194/ فقرة 11 لتؤكد حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين. ودعا القرار إلى إنشاء لجنة توفيق دولية مهمتها السعي لتحقيق السلام في فلسطين، وتسهيل عودة اللاجئين من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب دفع التعويضات لهم.

ثلاثون قراراً أممياً رئيسياً في مهب الريح

صدر منذ عام 1949 حوالي ثلاثين قرارا رئيسيا يؤكد ما جاءت به الفقرة 11. وصدرت عن الدائرة القانونية في الأمانة العامة للأمم المتحدة بين عامي 1949 و1950 ست دراسات حول تفسير الفقرة 11 وتطبيقها، مساعدة للجنة التوفيق على القيام بمهامها. وتناولت إحدى الدراسات الشواهد التاريخية والقرارات الدولية التي اتخذت بشأن قضايا اللاجئين في أماكن مختلفة من العالم، من بينها قانون دفع التعويضات لضحايا النازية عام 1949.

وفي 10/12/1969 وبعد مناقشة التقرير السنوي لمدير وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، صوتت الجمعية العامة على القرار رقم 2535/ب (الدورة 24) الذي جاء فيه “إن الجمعية العامة إذ تقر بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نشأت عن إنكار حقوقهم الثابتة التي لا يمكن التخلي عنها والمقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تعود وتؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين”.

وعبر هذا القرار عن تغير نظرة الأمم المتحدة للقضية الفلسطينية باعتبار أن اللاجئين شعب له حقوقه في العيش كغيره من الشعوب وليسوا مجرد كتل بشرية.

حق الفيتو يمنع إدانة الكيان الصهيوني

في عام 1975 حصل تطوران هامان، إذ أصدرت الجمعية العامة بتاريخ 10/11/1975 (الدورة 30) قرارين: الأول رقم 3379 جاء في الفقرة الأخيرة منه «أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». أما الثاني فهو القرار رقم 3376 الذي تشكلت بموجبه لجنة مهمتها إعداد برنامج تنفيذي هدفه تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المعترف بها في القرار 3236. وقدمت اللجنة تقريرها إلى مجلس الأمن ونوقش في حزيران 1976 ووافقت عليه الأكثرية، إلا أن المشروع سقط عندما استخدمت أميركا حق النقض ضده.

وأعيد تقديم تقرير اللجنة إلى المجلس أربع مرات في الفترة 1976 – 1980، وكان يواجه المصير نفسه بعد استخدام أميركا حق النقض.

وقد تضمن تقرير اللجنة برنامجا تنفيذياً “يمارس الشعب الفلسطيني على أساسه حقوقه الثابتة ومنها حق العودة، وفق برنامج ينفذ على مرحلتين: 
- المرحلة الأولى: عودة النازحين نتيجة حرب حزيران 1967، وهي عودة فورية التنفيذ غير مربوطة بأي شرط.
- المرحلة الثانية: عودة النازحين في الفترة الواقعة بين عامي 1948 – 1967. وتتولى الأمم المتحدة بالتعاون مع الدول المعنية ومنظمة التحرير الفلسطينية اتخاذ التدابير اللازمة لتمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، وتعويض عادل ومنصف للذين لا يرغبون بالعودة.

قرارات بلا تنفيذ

بعد أن فشل مجلس الأمن في إدانة الكيا ن الصهيوني بسبب مواقف الولايات المتحدة المنحازة، صوتت الجمعية العامة على القرار 2252 (الدورة الاستثنائية الطارئة 5) بتاريخ 4/7/1967، والذي أكد على ما جاء في قرار مجلس الأمن 237 (1967) من ضرورة التحقيق في ممارسات الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، وتم اتخاذ الإجراءات التالية:

  • في 16/7/1967 عين الأمين العام نلسن غوران يارنغ ممثلاً خاصاً لزيارة المناطق المحتلة وتقديم تقرير عن الأوضاع هناك.
  • في 27/9/1968 أعاد مجلس الأمن النظر في أوضاع الأراضي المحتلة في فلسطين وسكانها، واتخذ القرار 259 الذي أعرب فيه عن قلقه الشديد على سلامة وأمن السكان بعد حرب حزيران 1967، وأعرب عن أسفه لعدم تنفيذ القرار 237 (1967).
  • في عام 1969 شكلت الجمعية العامة لجنة من سريلانكا ويوغسلافيا والصومال لزيارة الأراضي المحتلة والتحقيق في ممارسات الكيان الصهيوني فيها، غير أن الكيان الصهيوني رفض التعاون معها. وقدمت اللجنة تقريرا أعربت فيه عن قلقها من انتهاكات الكيان الصهيوني لحقوق الشعب الفلسطيني، كما دعت إلى التقيد باتفاقات جنيف فيما يخص حقوق النازحين.
  • في آذار 1969 شُكلت لجنة حقوق الإنسان بعد دراسة أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.
  • وفي العام نفسه تشكلت لجنة مكونة من عدة دول مهمتها التحقيق في انتهاكات الكيان الصهيوني المستمرة لحقوق الإنسان، وقدمت اللجنة تقريرا مفصلاً يؤكد انتهاكات الكيان لهذه الحقوق، وقد أيدت نتائجَه لجنة حقوق الإنسان.
  • وفي 6/12/1971 استنكرت الجمعية العامة في قرارها رقم 2792 ج (الدورة 26) ترحيل اللاجئين القسري من غزة، ودعت الكيان الصهيوني إلى « التوقف فوراً عن هدم مساكن اللاجئين وعن ترحيلهم عن أماكن سكناهم الحالية »، وطالبتها بإعادتهم فورا إلى مساكنهم التي رحلوا عنها.

وتوالت أشكال الإدانة والقلق ودعوة الكيان الصهيوني للكف عن أي إجراء يؤدي إلى تغيير الطبيعة القانونية والجغرافية والسكانية في الأراضي العربية المحتلة، فضلا عن حق النازحين بالعودة غير المشروطة إلى منازلهم.

نهاية المطاف

كل ذلك لا يعني بالضرورة اتخاذ الأمم المتحدة موقفاً واضحا ومحايداً من قضية اللاجئين الفلسطينيين. فما يمكنها عمله أكثر بكثير من مجرد الكلام وإصدار القرارات التي لم تلق حتى هذه اللحظة أدنى احترام لا من جانب الكيان الصهيوني ولا من المجتمع الدولي. إن الولايات المتحدة الأميركية وبعضا من الدول الأوروبية تقف في هذا المجتمع الدولي موقف الشريك المنحاز إلى إسرائيل في التشجيع على سياسة العنف ورفض حقوق الطرف الآخر في الأرض والوطن، متجاهلين بذلك التزاماتهم نحو ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية القائلة بمبدأ « إعادة الشيء إلى أصله » وهو ما ذكره صراحة قرار الأمم المتحدة رقم 194. ونذكر على سبيل المقارنة والتدليل على سياسة الكيل بمكيالين، أن الكيان الصهيوني تسلم بموجب هذا المبدأ حوالي 10 مليار مارك ألماني دفعتها ألمانيا كتعويضات لما تعرض له اليهود على أيدي الألمان النازيين!

وقد كان للكيان الصهيوني حملات ناجحة في استعادة ممتلكاته من الدول الأوروبية غير مرتكز إلى أي قانون أو إقرار دولي، ولكنها سخرت لذلك الإدارة والكونغرس الأميركي وحتى حلف الناتو، واستجابت الدول الأوروبية لمطالبه تحت ضغط التهديد بالمقاطعة الأميركية.

المصادر والمراجع

1.البنك الوطني للمعلومات قطر

  1. خطة تنفيذ حق العودة – د. سلمان أبو سته -مركز القاهرة/ أكتوبر 2000

3.ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الانسان

4.ارشيف منظمة التحرير الفلسطينية -لبنان

________

* دكتور هشام عوكل أستاذ في العلاقات الدولية وإدارة الأزمات. رئيس تحرير شبكة المدار الإعلامية الأوروبية


 

0
0