يوم القيامة

Share

استيقظ الموتى في أحد البلدان، على صوت رجلٍ مخمور كان ينفخ في البوق داخل مقابرهم طالباً منهم النهوض لمواجهة يوم الحساب. لكن الأموات توجّسوا من هذه الدعوة البشرية، واتهموا الحكومة بأنها وراء الموضوع بهدف فرض الضرائب على الموتى ومصادرة أملاكهم، أسوة بما فعلته بالأحياء الذين جَرَمَتْهم وجعلتهم يعيشون عيشة الكلاب!

على جناح السرعة، اجتمعت تيارات الموتى من كافة الأطياف والألوان، فانتخب بعضهم قيادات جديدة وتم منح رتبة الأمانة للميتين القدماء الذين تختخت عظامهم، وبعضهم الآخر انتخب لجاناً مركزية وأعضاء مكاتب سياسية وفضّل آخرون الذهاب إلى أماكن العبادة كي يتفرغوا للصلاة.

خلال الاجتماع المذكور، اختار الموتى أيضاً ناطقاً باسمهم وممثلين يتولون الدفاع عن حقوقهم التي تتعرض للغبن كثيراً من قبل الأحياء، قبل أن يحسموا أمرهم بالخروج من المقابر من أجل المواجهة المنتظرة.

الأموات، طالبوا بحصتهم في التمثيل ضمن أعضاء مجلس البلدة عبر تعيين ميتٍ يختارونه ليكون مسؤولاً عن حقوقهم التي حُرموا منها في الكهرباء والماء والمواد الغذائية، وأيضاً للرد على الاتهامات التي توجه إلى مقابرهم وتصفها بـ «المشؤومة والمسببة للنُّذر السيئة»، وقد اختاروا في ذلك الاجتماع راية سوداء « خيطوها» من وشاحات الأرامل وأثواب الأمهات الثكالى وأوراق الجرائم المقيّدة ضد مجهول ترمز إليهم، ثم خرجوا إلى الشوارع كي يشرحوا للأحياء نُبل قضيتهم وبعدها الأخلاقي، مؤكدين أنهم لن يزاحموا الأحياء على طوابير الخبز، ولن يتسببوا بتأخير أدوارهم في استلام اسطوانات الغاز، أما بالنسبة للكهرباء فإنهم سيكتفون بساعة واحدة مقابل خمس ساعات من القطع، لأن الحزن في المقابر بارد جداً، كما أنهم لا يستطيعون سماع الراديو ليعرفوا ماذا أنجز الأحياء خلال غيابهم الطويل في العالم الآخر، وماذا حلّ بالقضايا التي مات من أجلها الكثيرون منهم؟

جلس الأمواتُ في المقاهي، والتقوا الناس في الشوارع والحدائق والباصات، ثم ذهبوا إلى المؤسسات الاستهلاكية كي يشاهدوا الدقّة في توزيع علب السردين والسكر على البطاقة الذكية، وقد حمل العديد منهم بعض المقتنيات التي يحتفظون بها في القبور مثل الحلي القديمة وصكوك الملكية ودفاتر المذكرات والعظام التي يمكن استخدامها كمكاحل للعيون «الرمدانة»، عربوناً لكسب ودّ الأحياء بعد أن شاهدوا ظروفهم الصعبة، و«التعتير» الذي يعصف بهم من الجهات جميعها!

اختلطت الأمور في البلدة نتيجة العلاقات الاجتماعية التي نشأت بين الأحياء والأموات من زواج وصداقات ومشاريع مشتركة حيث لم يعد بالإمكان التمييز بين الأحياء والأموات، خاصة بعد أن حصل الأموات على أوراق ثبوتية، وبدؤوا باستلام المعونات من المنظمات الخيرية، وأيضاً بعد أن أنجبوا أطفالاً بأجسادٍ نصفها الأول ميتٌ والآخر حيّ نتيجة زواجهم من الأحياء، وهذا ما شكل معضلة عند تسجيلهم في دوائر النفوس.. الأمر الذي أحدث جلبةً في البلدة قضّت مضجع مجلس الأعيان الذي اجتمع بشكل طارئ من أجل الحل، لكن استحالة التمييز بين الأموات والأحياء كانت هي العقبة، وحيال ذلك اتخذ المجلس قراراً ببناء سور كبير يحيط بالبلدة والإعلان عن تحويلها إلى مقبرة ضخمة، خاصة بعد أن فاز الأموات بالأكثرية الساحقة في انتخابات المجلس وباتوا يسيطرون على كل شيء! عرفتوا كيف؟

0
0

1 Comment

حسام الشامي 15 أغسطس، 2021 - 10:20 ص

ماْساة ما بعدها ماْساة…أن يكون أبناء الحياة ….امواتاً.

Post Comment