قررت جامعة بروكسل الحرة مؤخرا إعطاء لقب دكتوراه فخري للمخرج البريطاني كن لوتش إسوة بثلاث جامعات بريطانية، وذلك تكريما له على أعماله السينمائية والمسرحية الكبيرة المستقلة التي تعنى بمعالجة مواضيع اجتماعية كالفقر، والبطالة، والخدمات العامة إضافة إلى مرضى الفصام ومعاناة النساء الاجتماعية وما إلى هنالك من مواضيع عميقة تهم المواطن ومآسيه اليومية
.
هذا القرار الصادر عن جامعة بروكسل الحرة أثار غضب الجمعيات اليهودية المتواجدة في بلجيكا رافضة تكريم المخرج ومتهمة إياه بتزوير التاريخ حيث قال في مسرحية له عرضت في الثمانينات أن بعض القادة الصهيونيين تعاملوا مع العدو النازي في بودابست عام 1944.
والذي زاد الطين بلة أن رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال توجه بنفسه إلى الكنيست اليهودي في بروكسل معلنا أنه لن يسمح لأحد أن يطلق تصريحات معادية للسامية ويطلب بالتالي من الجامعة في بروكسل بعدم تكريم المخرج على الإطلاق، أمر رفضته الجامعة وأصرت على إقامة حفل التكريم بعد أن طلبت من أخصائيين بدراسة كافة تصريحات هذا المخرج واقروا أنه ما من معاداة للسامية في أي تصريح له.
الحدث بحد ذاته ليس هاما بقدر المعلومات التي نستنتجها من بين سطوره.
أولا – تعاني إسرائيل من هشاشة كبيرة في تاريخها المختلق لدرجة أنها تخاف من تصريحات مخرج سينمائي فقط لأنه ألقى الضوء في أحد أعماله على معاناة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. فهي تحاول قدر الإمكان المحافظة على العطف الغربي وتختبئ خلفه لتمرير كافة مشاريعها الاستيطانية مدعية كما نعلم أنه حق شرعي لشعب مضطهد.
ثانيا – تخاف الحكومة البلجيكية أن تغير إسرائيل من موقفها ومن تعاملها مع المملكة، وهي التي لجأت إلى تل أبيب إثر الاعتداءات الإرهابية التي جرت العام الماضي لإقامة تعاون وثيق والاستفادة من خبرتها التقنية في المجال الأمني كالتعرف على أفراد من المحتمل أن يكونوا إرهابيين، أو تزويد المرافق الحيوية كالمطارات ومحطات القطار بآليات تقنية متطورة لكشف أي محاولة إرهابية. وربما شعرت بلجيكا بأهمية الدور الذي أسند إليها ألا وهو الدفاع عن الحق اليهودي فقامت به على أكمل وجه. أن يتوجه رئيس الوزراء شارل ميشال إلى الكنيست في بروكسل هو كأن يعتذر عما قررته جامعة بروكسل الحرة خاصة وأنه معروف عن إدراتها أنها تؤمن بالماسونية أمر غريب.
ثالثا – هذا الحدث يعيد ويكرر الفكرة القائلة أن اليهود هم وحدهم الشعب السامي في منطقة الشرق الأوسط. ويصرون عليه بالرغم من أن « الشعب الإسرائيلي » كما نعلم، هو خليط من إثنيات شرقية وأوروبية لا تمت إلى العرق السامي بصلة. من أين أتى هذا الشعب السامي وكيف؟؟ أمر غريب. وإذا كانوا هم وحدهم ساميين، من أين أتت الشعوب الباقية التي كانت تقطن أمتنا كالكلدانيين والفينيقيين والكنعانيين وغيرهم…
حدث بسيط بالفعل مقارنة مع ما يجري في العالم، إنما خفاياه كبيرة ومعبرة.