ضرب عنترة بالسوط حصانه الميت. وراح يحثّه أن ينهب المسافات في مواجهة الأعداء، بينما علا غبار المعركة، واختلط الحابل بالنابل.
عنترة كان يصيح بأبناء قبيلته أن يثبتوا ولا ترهبهم كثرة الغازين. ثم يضرب بسيفه وهو يمتطي حصانه الميت، ذات الشمال، فيوقع عشرةً من خلاّنه، وذات اليمين فيردي عشرة أخرى من أقربائه!
ذكّرهم عنترة بماضي أجدادهم المجيد، وأمرهم أن يستميتوا في القتال لأجل شرفهم المهدّد بالانتهاك، ونوقهم التي يمكن أن يحلبها الغريب إذا ما خسروا هذه الجولة من المواجهة التاريخية مع الأعداء. وكلما انفعل أكثر، انهال بالكرباج على ظهر حصانه الميت، كي يتصدى لخيول المهاجمين. الحصان الميت حاول أن يُفهم عنترة بأنه قد أسلم الروح منذ زمن طويل، وأن الأحصنة الميتة غالباً ما تدفن إكراماً لخدمتها الطويلة ولا ترسل إلى الحروب، بل تقبض تعويضاتها من التأمينات الاجتماعية بشكل يضمن لها تقاعداً أو موتاً يحفظ ماء الوجه!
خسرت عبس الجولة الأولى، واجتمع عنترة بالقادة كي يقوّموا الموقف ويحددوا أسباب الهزيمة المفاجئة أمام الأعداء. الجميع قالوا إن المشكلة في السياط المستخدمة لحث الأحصنة الميتة على القتال. فاستبدلوا السياط القديمة بأخرى استوردوها خصيصاً للمهمة. لكن أداء الكدش الميتة ظل ضعيفاً أمام الأجياد المدربة التي ركبها الأعداء.
قام عنترة بتأسيس نقابةً للأحصنة الميتة كي تعي أهمية المعركة، وتهبّ هبة حصان واحد أثناء المواجهة. لكن الهزيمة كانت بالمرصاد للميتين الذين انشغلوا عن المعركة بتبادل المراثي وإقامة مجالس العزاء!
بعض المستشارين قالوا إن تحسين نوعية العلف، يمكن أن يرفع أداء الأحصنة الميتة، ويجعلها تتمسك بالدنيا عوضاً عن الاستسلام للآخرة. لكن الأحصنة الميتة كانت عظامها قد تحولت إلى مكاحل!
قرر عنترة عقد اجتماع عام للأحصنة الميتة لضمان دورها الفعّال في المعركة، لكن الأحصنة الميتة، قلبت على ظهرها من شدة الصهيل والضحك، وهي تصرخ: العليق عند الغارة ما ينفع.. العليق عند الغارة ما ينفع.. عرفتوا كيف؟