من “يا زمان الوصل” في صوفر الى “يا زهرةً في خيالي”، ضهور الشوير
حفل الفندق الكبير – صوفر
مثل صلاة في معبد متعدد الغرف المتهالكة، وعلى أضواء شاحبة في الفندق الكبير الشاهد على أبرز حقبة فنيّة ذهبية في لبنان والمحيط، قدّم الشّاعر والمسرحي أدهم الدّمشقي عرضًا غنائيًّا موسيقيًّا من إخراجه وتنظيمه حمل عنوان “يا زمانَ الوصلِ”، وهو عرضٌ غنائيٌّ موسيقيٌّ لإعادة شَمل الأحبّة في الفندق الكبير صوفر.
الدّعوة جاءت باسم كبار المطربين الذين ارتادوا غرف الفندق، وأقاموا فيها، غنّوا ولحّنوا في باحاتها وزواياها، ليصنعوا مجد الأغنية الطربيّة. وتحت عنوان “يا زمان الوصل” دعا كل من أسمهان، أم كلثوم، فريد الأطرش، عبد الوهاب، صباح فخري، وديع الصّافي، زكي ناصيف، صباح، وغيرهم، الجمهور إلى لقاء فنّي خاصّ، في غرفهم، داخل الفندق الكبير – صوفر.
لقاء مميّز أحياه مطربون شباب، في العاشر من آب 2019، توزّعوا في غرف حملت أسماء كبار المطربين… خمس غرفٍ فتحت أبوابها لاستقبال الجمهور في عروض متواصلة، مُدّةُ كلّ عرض (20 دقيقة)، تَلته استراحة قصيرة، انتقلَ فيها المُشاهِدُ مِن غُرفةٍ إلى أُخرى للقاء المُطربين في غُرَفِهم، ضمنَ جَوٍّ مِنَ الوَصلِ والتّفاعل المُباشر والنُّوستالجيا.
في الغرفة الأولى، التي حملت اسم أسمهان، فريد الأطرش، عبد الوهاب، وأم كلثوم، غنّى المطرب ملهم خلف برفقه العازفين تمّام سعيد (عود) ورامي الجندي (إيقاع)، مجموعة من الأغاني الطربية
وفي الغرفة الثّانية، غرفة صباح، زكي ناصيف، وديع الصّافي، نصري شمس الدين، نجاح سلام… غنّت كاترين وكرستين غالي باقة من أجمل الأغاني اللبنانية بالاشتراك مع الأستاذ وليد بو سرحال (عود).
وعبقت جدران الغرفة الثالثة بصدى صباح فخري والموشّحات الأندلسيّة التي أنشدها الأستاذ ليون كلزي بالاشتراك مع العازف شربل معوّض (إيقاع).
أما في الغُرفة الرّابعة والخامسة، فقد تمّ عرض مشهديّات من أفلام وحفلات مصوّرة لعمالقة الطرّب الذين زاروا الفندق وأقاموا فيه.
يقول أدهم الدّمشقي، مخرج العرض وصاحب الفكرة: لقد واجهتنا مشكلة كبيرة في إيجاد التّمويل لهذا العمل الضّخم، فقد وُعِدنا من جهات مختلفة بالدعم، وكانت وعودًا من دخان! لكنّ إيمان المطربين والموسيقيّين برسالتهم الفنّية، كان أقوى من التخاذل، فتعاونًّا معًا، لمواجهة هذا الزّمن المُخيِّب للآمال، وقدّمنا عرضًا أدهش الحضور الذي ظنّ أن أموالًا طائلة قد أُغدِقَت على هذا العرض المحترف، المُنظّم، ثمّ أضاف الدّمشقي قائلا: لقد كرّسنا لنجاح هذا العمل ثروة كبيرة من الحب والإيمان والالتزام، لنثبتَ لأبناء جيلنا أن المال لا يشكّل عائقًا أمام وصول الفن الحقيقي. لقد نجحنا في تقديم العرض بأقل تمويل وأقصى التزام وإيمان، فاستقبلنا أكثر من أربعمائة مشاهد جاؤوا من كل أنحاء لبنان ليشهدوا معنا على عبقِ زمنٍ خسرناه في فوضى العصر وضجيجه. مؤمنين أن الفن الحقيقي ليس بتكرار ما أبدعهُ الأسبقون، بل بالبحث عن استعادة الهوية للتجديد وتقديم ما يليق بالامتداد السليم للفن الذّهب.
حفل ضهور الشوير
مع إرسال هذا العدد من مجلة الفينيق إلى النشر، كان مهرجان ضهور الشوير لا يزال مستمرا. نكتفي فيما يلي بعرض برنامج المهرجان على أن نعود إلى تفاصيله في العدد القادم.
“يقيم اللقاء الثقافي في ضهور الشوير أمسيات ثقافية تنمو في الخيال وتزهر شعرًا، غناءً، فنًّا تشكيليًّا وسينما، وذلك تحت عنوان “يا زهرةً في خيالي” في المركز الإنجيلي للمؤتمرات، عين القسيس الشوير من الأحد 25 آب حتّى الأحد 15 أيلول، فكرة وإخراج: أدهم الدّمشقي.
في تفصيل البرنامج:
يوم الأحد 25 آب الثّامنة مساءً: أُمسية شعريّة موسيقية مع فرقة حكي: الشّاعر والمسرحي سليم علاء الدّين والعازفين طارق بشاشا وأشرف الشّولي. تتضمّن الأمسية توقيع كتاب “حبق”.
يوم الثّلاثاء 27 آب بين السّادسة والثّامنة مساءً: غابة الوحي تُغنّي ماري عطايا. لقاء تَفاعُلي مفتوح بين الأجيال في غابة الوحي، مُطالعة، رسم مُباشر، وقراءات شعريّة حرة، ومواويل للمطربة ماري عطايا تنبعِثُ بينَ أشجار غابة الوحي، تُلوِّنُ مِساحةَ اللّقاء بالطّرب، والحنين، لتخلقَ ذاكرة جديدة.
الأحد 1 أيلول السّادسة مساءً: تكريم المُفكّر والفنّان التّشكيليّ حليم جرداق المتكلمون: نقيبة الفنّانين التّشكيليّين السّابقة د. كلود عبيد – صديق المُكرّم د. ربيعة أبي فاضل – عائلة المُكرّم الفنّان هنيبعل سروجي – مؤسّس اللّقاء الثّقافي أدهم الدّمشقي.
السبت 7 أيلول الثّامنة مساءً: أمسية موسيقيّة طربية. غناء: ملهم خلف – كاثرين وكرستين غالي. موسيقى: علي عبدو (بيانو) تمام سعيد (عود) رامي الجندي (إيقاع). ا
لأحد 15 أيلول الثّامنة مساءً: سينما مرحاتا، مع المُخرجتين ميريال بو الرّوس ودنيز جبّور. “زيارة” هي سلسلة وثائقية حازت جوائز عدّة، هدفها الأساسي إلهام وتحفيز الشفاء الاجتماعي والعاطفي من خلال أفلام قصيرة (خمس دقائق)، وأقاصيص حقيقية تصف حياة بعض الأشخاص وصفا شعريّا.
هذا، وكان لمجلة الفينيق لقاء سريع مع أدهم مع انتهاء اليوم الأول من مهرجان ضهور الشوير.
بداية، كلمة تعريف: من هو أدهم دمشقي وماذا يريد؟ وما هي أبرز الاعمال التي حققها لتاريخه؟
أشبهُ طائرًا محلقًا، يهاجر نحو الربيع، يطير بسرعةٍ قصوى، لكنّه يبدو في الفراغ الأزرق جامدًا ثابتًا لا يتحرّك. هو شعور متناقض ينتابني أنا وكل إنسان طموح في بلاد الخيبات، تناقض بين ثورتي الداخلية والفراغ المحيط الذي يكبت كل فنان في سماء هذا الوطن.
درستُ اختصاصاتٍ عدّة، جمعت بين الأدب والفنون والمسرح والإخراج، والعلاج بالدراما، وكلها رفدت وأغنت تجربتي، فتعدّدت تجاربي بين الرسم والمسرح والسينما، لكنّني وجدت فرادة صوتي تكمن في الكتابة.
نشرتُ أربعة كتب، تنامى فيها النص، وتنوّع بين الفضاء السردي والشعري. وفي كل كتاب كان الغوص في الأعماق محطة جديدة، وصولًا إلى رحلة التصالح الذاتي. عندها، خلعتُ عباءة الشعر، قشرتُ عن النّص الزخرفات والجماليات اللغوية والأدبية المستعارة، ورحت أبحث عن اسقاط طفولتي فوق الورق، لألدها من جديد، طفولة تبقى، ومنذها راحت الكتابة التصالحية عندي تنمو باتجاه الأدب التصالحي، الذي نقل تجربتي من الخاص إلى القارئ، الذي يقرأ ليستعير تصالح الكاتب فينمّي تصالحه.
لقد تُرجمت هذه الكتب إلى الألمانية (جامعة بون في ألمانيا قسم اللغات الشرقية) وإلى الأرمنية (اتحاد الكتاب في أرمينا) والفرنسية (د. ربى سابا حبيب) ثمّ مؤخَّرًا إلى الإنكليزيّة (قيد النشر يصدر عن منشورات إحدى الجامعات في أميركا). أسست مجلة، ومنتدى ثقافيًّا، لكن رغم كل هذا أشعرُ أحيانًا أنني أزرعُ في الصحراء زهرة، وأضيفُ إلى البحرِ قطعة سُكّر، وأحضن وطني بذراعين مبتورتين.
تتحدث في مطلع الفيلم القصير “زيارة” عن “تراكمات الأشياء البشعة”، ولكنك تختمه بالكلام عن “التصالح الذاتي” و”استخدام الكتابة لتحويل القبح جمالا”. هذا التحول صعب على الكثيرين ممن مروا في تجربة مماثلة. هل كان هناك “لحظة تحول” تستطيع الإشارة إليها؟
لقائي بفكر المسيح، والانبعاث، والقيامة، والتسامح المبني على مبدأ قوّة الروح لا الجسد، جعلني أطرح أسئلة كثيرة. فظاهر الجلجلة حزين مؤلم، لكنّ جوهرها مُفرح يرمزُ إلى القيامة… ظاهر العشاء السّري جميل، لكن جوهره حزين، فيه الوداع والتسليم والخيانة. من هنا تساءلت: كيف لكل هذه التناقضات أن تتصالح، والثنائيّات أن تذوب في الواحد وهو الحياة؟ هكذا اخترت الكتابة لتكون جلجلة، وقلت لتلك الذكريات السوداء في داخلي انبعثي من جديد لتكوني حبرا أسود فوق بياض الورق. هكذا بدأت رحلت التصالح مع الذات، وكان الحبر ميرون الولادة الجديدة. ففي كتابيَّ الأخيرين “لم يلد ذكرًا لم يلد أنثى” – دار الآداب 2014، وكتاب “سرير” – دار نلسن 2018، كان ظاهر النصوص حزينًا، لكن جوهرها يعبر عن شفاء وتصالح وعبور.
تشير – أيضا في نهاية الفيلم إلى “العبور”. ما الذي تقصده بهذه الكلمة؟
ليسَ العبور ببعده الميثولوجي، من كهف الرحم إلى سجن الأرض، إلى ما وراء الحياة. إنما العبور من كهف الذّات إلى النور، إلى الإنسان الجديد المتصالح مع ذاته، والآخر.
.