يا ابنَ المسافة
يومَ كانت الشمسُ
تُشرقُ من خلفِ تلك التلّة
وتغيبُ خلف تلك التلّة،
وكانت الجهات
ليسَت أبعَد من خاصِرة
مُطِلّة على سرّة.
كانت المسافةُ نهر نظرة
والجِسر معنى كلام،
وكُنّا نتقاسَمُ رغيفَ الصباح
ونَعصُرُ حامِضَ الشَّفَقِ في إناءِ النعَس
كي نتقاسمَ الأحلام!
يومها
كان الوقتُ غُلاماً يركُضُ بينَنا؛
يَحتذي ضحكةً،
بَسمةً،
حكايةً،
مُشاجَرةً،
مُداعبةً،
أو سلام.
يا ابن المسافة،
يومَ كانت صحناً دائرياً
نُغَمِّسُ فيه الزيت
الذي عصرناه في مَعصرةٍ واحدة
ونتبادل فيه لغةَ الشجر،
ولغةَ الحجر،
ولغةَ الحمام،
يومَها
لونّا ملاعقَ الصحنِ بالألوانِ
التي تُشبِهنا
حتى صرنا على بلّورةِ الحياةِ
قوسَ قُزحٍ،
والوطنُ
كان إبريقاً من الماءِ المُحَلّى بالضوء؛
نَشرَبه في كُؤوسِ الوقت
ونحن نَعصرُ الغمام.
يا ابنَ المسافة،
تقاسَمنا أدراجَ بُرجِ الضوءِ
والصوت
وتقاسَمنا القهوةَ المُرّة
والعُرسَ والجنازة
والخوفَ من الموت
والفقرَ
والجوعَ
وإسرائيل،
حتى هجم علينا التاريخ
بعضلاته المنتفخة مثل عضلاتِ الرُّكام،
لبسنا المكان قميصا
مهترئ الأكمام،
وارتدَينا الوحشَ في قميصٍ آدمِي،
وكسَرنا أواني الحياة،
ورفَعنا في وجهِ بعضِنا الأعلام،
حين احتلت الجهات بوصلة الطغاة.
كُنّا نَقيسُ المسافةَ بِرَميةِ حجر،
ونَقيسُ الوقتَ بالظِّلِّ حتى ننام،
واليوم
تأبّطنا المسافة حقيبة سفر
والوطنُ صار حلما
في مَنام!
**