أقرأ يوميًا، كما يفعل أغلب السوريين، عشرات الأخبار، التي تمر سريعًا أمامنا على صفحات التواصل الاجتماعي، ولعل طبيعة عملي تتطلب مني قراءة الأخبار قبل النشر، وبتمعن أكثر مما يفعله الباقون، لاختيار ما يجب نشره. وخلال غرقي اليومي المعتاد في المتابعة، وقعت عيناي على عنوان أخرجني من حالة الشرود، فبدأت بقراءة التفاصيل، والخبر يتحدث عن مساعي وزارة التربية في تخفيف وزن الحقيبة المدرسية.
وزن الحقيبة المدرسية يعتبر مشكلة حقيقية تواجه الطلاب، فبالإضافة إلى كم المعلومات المحشوة في الكتب المدرسية، دخلت إليها الألوان كنوع من التحديث ومواكبة العصر، فزادت من سماكة الأوراق، وهو ما انعكس على وزن الكتب، وبالتالي على وزن الحقيبة، وبتنا نخرّج طلابًا بمستويات علمية مقبولة، لكن على حساب مستوياتهم الصحية، فوزن الحقيبة يسبب إصابات في الأكتاف والعمود الفقري للأطفال، والأمر غير مقبول منطقيًا، فالطالب الذي سينهي مراحل تعليمه، عليه أن يكون سليمًا بدنيًا، ليستطيع حمل هموم الحياة والمعيشة على ظهره لاحقًا، وخاصة إذا قرر البقاء في البلد.. وهو ما أخذني لتصنيف ذلك الخبر بالهام.. أو شديد الأهمية.
أما في التفاصيل فيقول الخبر إن الوزارة حددت أوزان طلاب المرحلة الأساسية، وأكدت أن الحقيبة لا يجب أن يتعدى وزنها 12-15% من وزن الطالب، ووضعت جدولًا لأوزان الطلاب من الصف الأول وصولاً إلى الصف السادس. فتقول مثلاً:
متوسط وزن تلميذ الصف الأول هو 22.456 كغ، ووزن الحقيبة وفق المعايير العالمية هو 2.24 – 3.36 كغ، أما وفق معايير وزارة التربية السورية فوزن الحقيبة هو 2.600، ليوم الأحد (6 حصص دراسية) كمثال.
دقة الأرقام المكتوبة تدفعنا لممارسة التحكيم المنطقي عليها، والمدهش هنا كيف استنتجت الوزارة متوسط وزن الطالب بالغرام؟!.. وأساسًا هل تقاس أوزان البشر بالغرام الواحد، كما يقاس الذهب أو المعادن الثمينة؟ ففي جميع الدراسات والأبحاث الطبية وغير الطبية، يقاس وزن الأفراد بالكيلوغرام وأجزاءه العشرية، ويمكن تجاوزًا للدقة، وفي بعض الحالات النادرة جدًا، القياس بالأجزاء المئوية للكيلوغرام. أما أن يقاس وزن الإنسان بالأجزاء الألفية للكيلوغرام، أي بالغرام الواحد، فتلك الدقة لم تحدث إلا عند علماء وزارة التربية السورية.
الأمر الثاني، أن الوزارة أكدت في بيانها أن هناك معايير عالمية للأوزان، لكن بالبحث، نجد أن منظمة الصحة العالمية قد وضعت جدولًا حددت من خلاله متوسط الأوزان الطبيعية عند الأطفال، ولا أعتقد أن هناك معايير عالمية أكثر من معايير منظمة الصحة العالمية، حيث حددت مثلًا وزن الطفل الطبيعي بعمر 6 سنوات (صف أول)، من 16 كغ إلى 27 كغ، والمتوسط هو 20 كغ للإناث و21 كغ للذكور. فمن أين جاءت وزارة التربية بتلك المعايير العالمية؟
بحثت طويلًا، ووصلت إلى عدد لا بأس به من الأبحاث التي تخص وزن الحقائب المدرسية، ومنها أبحاث عربية طبعًا، وجميعها يعتمد على دراسات ميدانية، وبالأرقام الإحصائية، ولم يذكر أي بحث منها أن هناك معايير عالمية. وعلى الرغم من أن الأرقام كانت شديدة التباين في جميع الأبحاث، إلا أن النتائج جاءت متفقًا عليها، وبعضها يفرض وجوب عدم تخطي وزن الحقيبة ما نسبته 10% من وزن الطالب، أي بمخالفة ما حددته وزارة التربية السورية.
ولا يكفي أن الوزارة لم تقم بإجراء أي دراسة ميدانية، بل حتى أنها لم تشر إلى مصدر الدراسة التي اعتمدت عليها، وعن أي جهة صادرة، لنعلم من هي الجهة التي تجري دراساتها على الأطفال والحقائب بالمختبرات المعقّمة، وبموازين الذهب. والدهشة لم تتوقف عند دقة أرقام وزارة التربية، فبالعودة إلى نتائج منظمة الصحة العالمية، ومقارنتها مع أرقام وزارة التربية السورية، نكتشف أن أطفالنا في سورية، الذكور منهم يعانون من السُمنة، أما الإناث فيعانون من سُمنة زائدة، بفرق 1.456 كغ للذكور، و2.456 كغ للإناث، عن نتائج أبحاث منظمة الصحة العالمية، والأمر يتطلّب إما إعادة النظر بالواقع الاقتصادي شديد الرفاهية الذي يعيشه المواطنون السوريون، والمسبب الرئيس للسمنة الزائدة، أو إعادة النظر بالدراسة التي اعتمدت عليها وزارة التربية. أما أن نحل مشكلة وزن الحقيبة، بعيدًا عن دراسة حجم المعلومات التي تحملها كل سنة، فهذا أبعد ما يكون عن المنطق، بغض النظر عن أي دراسة للأوزان العالمية نستند إليها.