القسم الأول
المقدمة
في عدد مجلة الفينيق اﻟ 46 والصادر عن شهر كانون الأول 2020، قدم لنا الرفيق شحادة الغاوي مداخلةً سمَّاها، “قراءة في النص: دراسة الرفيق حنّا الشيتي“؛ شن فيها حملة شعواء على شرحي للديمقراطية التعبيرية، معتبراً أنني قد “تورطت في زج مسألة [الديمقراطية] في موضوع لا علاقة لها به ولا علاقة للموضوع بها“. وكنت قد تطرقت إلى إعطاء فكرة موجزة عن الديمقراطية التعبيرية في القسم الخامس من دراستي الاقتصادية المنشور أيضاً في مجلة الفينيق في العدد 44 لشهر تشرين الثاني.
المؤسف أن مداخلة الرفيق شحادة كانت مليئة بالمغالطات المنطقية والتشويهات للحقائق، والأخطاء العلمية وتحوير أقوال سعاده، ومسخ فِكَر في دراستي، بل إنها فوق ذلك لم تلتزم حصر النقاش ضمن حدود صوابية الأفكار فتعدته إلى ما هو شخصي. كالقول مثلاً بأنني لا أفهم معنى الديمقراطية التعبيرية، والحكم بأنني جاهل بكون موضوع الديمقراطية ” موضوع علمي لا يحسن أخذه دون تدبّر وإنتباه ودون الحفاظ على معنى مصطلحاته العلمية“؛ وبأنني لا أعرف كيف أبحث عن معاني مصطلحات سعاده الفلسفية، وأيضاً أقول كلاماً أعرف سلفاً أنه غير صحيح، وبأنني قد ابتعدت كثيراً عن الصواب! هذا عداك عن عبارات “التريقة” والاستهزاء. بدهي أن كلاماً من هذا القبيل، وخلافاً لما يدَّعيه الرفيق شحادة، لا يكون في سياق الاشتراك في الحوار، ولا روحيته روحية الأخذ والرد فيه لإغنائه؛ بل أشبه ما يكون بقتال أو ربما حتى بدفاعٍ مستميت. والفكرة السائدة في مداخلته، ليست فكرة الحوار بل فكرة البطش بتهميش السمعة، واغتيال الشخصية؛ بينما المفروض أن كلانا يعمل لهدف واحدٍ، راقٍ ونبيل، ألا وهو شرح فكر سعاده، والاجتهاد لتفسير الغامض في فلسفته. لذا لم يكن هناك من مبرر مطلقاً للعدائية في التعامل.
بأية حال، في ما يلي ردي على مداخلة الرفيق شحادة، وقد جعلته في ثلاثة أقسام. في القسم الأول هنا، أتناول انتقادات الرفيق شحادة في أسلوب البحث، واستخدام القاموس، وماشاكل. وفي القسم الثاني أظهر خطأ مفهومه في الديمقراطية عموماً، وكذلك خطأه التام في معنى الإرادة العامة. كذلك أيضاً في هذا القسم أعمد إلى شرح مفهوم الفلسفة المدرحية في كيفية تركب المصلحة المشتركة، والإرادة المشتركة، والعلاقات التفاعلية بنوعيها، مع إلماع بسيط إلى كيفية تركُّب العلاقة البيولوجية المثلثة الأضلاع الجسم- النفس- المحيط. أما في القسم الثالث فأظهر بطلان كل التفسيرات التي قدمها الرفيق شحادة لمعنى الديمقراطية التعبيرية، وأؤكد صحة ما أوردتُّه في دراستي الاقتصادية، موضحاً معنى الديمقراطية التعبيرية وكيفية انبثاقها.
في استخدام القاموس
خلال بحثي المذكور فوق، وتحت باب “لمحة موجزة حول فكرة التعبير عن الإرادة العامة“، تطرقت إلى شرح فكرة سعاده هذه، وتمييزها عن “فكرة تمثيل الإرادة العامة. فذكرت أن كلا الفكرتين تستندان بالضرورة إلى ثقة الشعب، إلا أننا نجد فكرة تمثيل الإرادة العامة وقد أستندت إلى إرادة الشعب على ما هو عليه في واقع الحال، بينما نجد فكرة التعبير عن الإرادة العامة لا ترضى بكل أمرٍ واقعٍ مفروض. فبحسب الفكرة التعبيرية، اجتماع العامة على أمرٍ ما، قد لا يعني بالضرورة أنه الحق، لأن “الباطل لا يظهر بلباس الباطل بل بلباس الحق؛ ولهذا هي تعكف على توليد الإرادة التي يجب أن تكون! ثم قلت، أنه “بحسب قاموس محيط المحيط، ” المعبِّر يفسِّر ماهو مستور”، وعليه، فالتعبير عن الإرادة هو تفسير إرادة مستورة أو كامنة وغير فاعلة. وبالتالي، فهي إرادة غير موجودة بالفعل، ولكنها موجودة بالقوة! ولهذا يقول سعاده إن ” التمثيل هو دائماً أهون من التعبير، لأن التمثيل شيء جامد يتعلق بما قد حصل، أما التعبير فغرضه الإنشاء وإدراك شيء جديد”.
هذه الكلمات القليلة من القاموس التي استعنت بها ، كانت كافية للرفيق شحادة كي يقيم الدنيا دون أن يقعدها؛ فإذا بنا وعلى مدى صفحات عديدة من مداخلته نقرأ التالي فيها:
-
إن الرفيق حنا يستند في تعريفه الى قاموس المحيط، وبالتحديد الى جملة: “المعبِّر يفسر ما هو مستور“. بينما سعاده قد أفصح لنا وأوضح ما يعنيه بالتعبير عن الإرادة العامة والفرق بينها وبين تمثيل الإرادة العامة، بكلام هين وسهل لا يحتمل تأويلاً أو إلتباساً أبداً؛
-
لا ندري لماذا أغفل الرفيق حنا علّة الجمود في فكرة تمثيل الإرادة العامة، وأيضاً لا ندري لماذا فضّل فكرة تفسير المستور التي لقاموس المحيط على فكرة الإنشاء وإدراك الشيء الجديد (للخروج من الجمود) في التعبير عن الإرادة العامة، التي لسعاده؛
-
إن معنى “التعبير عن الإرادة العامة”، أي تنفيذها وتحقيق المصلحة العامة التي كانت وراءها، نجده في كتاب نشوء الأمم العلمي، ولا نجده في القواميس؛
-
أما الالتجاء الى قاموس اللغة فيوقعنا في حيص بيص ولن يدلنا على المعنى الحقيقي لفكرة التعبير عن الإرادة العامة ومضامينها الفلسفية الجديدة؛
-
إن اعتماد قاموس المحيط قد أدى بالرفيق حنا الى القول: “التعبير عن الإرادة هو تفسير إرادة مستورة أو كامنة وغير فاعلة، وبالتالي فهي إرادة غير موجودة بالفعل ولكنها موجودة بالقوة!” فأخذ بفكرة التفسير وأغفل فكرة التنفيذ. وهذا يفترض أن لا إرادة ظاهرة وموجودة وفاعلة يجب التعبير عنها. يفترض أن الشعب هو دائماً غير ذي إرادة واعية وغير متنبه لوحدة مصالحه وغير شاعر بها وغير عارف وغير مدرك لمصالحه الحقيقية في الحياة، وهو بحاجة دائمة لمن يكتشف له مصالحه الحقيقية المستورة ويدله عليها ويفسر له إرادته الكامنه غير الموجودة بالفعل!
وكأن كل هذه لم تكن كافية لتشفي الرفيق شحادة غليله، فإذا به يسترسل في تأويل التأويلات وتحميلي تبعاتها، حتى وصل به الأمر للإستنتاج أن اعتمادي على قاموس المحيط قد أدى إلى إنكاري وجود القومية من أساسها! أوليس هذا ما نفهمه من قوله بأن تأويلي ” لمعنى التعبير عن الإرادة معناه أيضاً أن لا وجود حتى لقومية“؟
ولا أخفي أن هذا الحَنَق الغريب والغير مبرر لاستخداميَ القاموس قد أدهشني فعلاً، إذ أن الرفيق شحادة وفي جميع مقالاته عن الديمقراطية دون استثناء ومنذ زمن بعيد، يواظب على استخدام القاموس، بل هو يستخدم إضافة للمعاجم العربية، القواميس الإنكليزية بما فيها قواميس المفردات (Thesaurus). صحيح أنه عندما أعاد نشر دراسته في الديمقراطية التعبيرية على موقع مؤسسة سعادة للثقافة، والتي كان قد نشرها قبل ذلك على موقع مجلة الفينيق، حذف منها كل ما له علاقة باستخدام القواميس، لكنه في كل مقالاته الأخرى، بما فيها آخر مقالة له عن الديمقراطية التعبيرية [1]، يعود ويبحث في المعاجم. في تلك المقالة يستخدم قاموس كامبردج الانكليزي لإسناد المعنى الغريب العجيب الذي كان قد ابتدعه للديمقراطية التعبيرية، مبرراً فعله هذا بأن البعض قد رجَّح أن ” سعاده قد أخذ كلمة “التعبيرية” ترجمةً عن كلمة “أكسبرسّف” بالإنكليزية“. هذا دون أن يخبرنا من هم هؤلاء اﻟ “بعض” ولا عن سبب ترجيحهم. قل هي حجةٌ أطلقها على عاهنها، أقلُّ ما يُقال فيها أنها أبعد ما تكون عن العلمية. ثم يتابع بعدها ليقول التالي:
“وإذا تركنا الكلمة الانكليزية (أكسبرسِّف) وذهبنا الى التفتيش في معاجم اللغة العربية عن معنى كلمة “تعبير”، فإننا الى جانب معاني جمال التعبير الكلامي وحسن استعمال العبارات لنقل الأفكار والآراء، نجد أيضاً ما يدلّ على المعنى الذي يريده سعاده. فموسوعة الفقه الكويتية مثلاً، وفي ترجمتها لكلمة تعبير، تصنف وتفرِّق بين شيئين …الخ”.
ثم يردف قائلاً:
” أثبتنا هذه المراجع لنقول أنه حتى في المعنى القاموسي لكلمة تعبير، يمكننا أن نجد في “التعبير عن الإرادة” ما يعني الفعل وبالتالي الإنشاء والتحقيق والوصول الى شيء جديد “.
لن نسأل الرفيق شحادة عن إهماله لكل القواميس الهامة والمعروفة مثل قاموس المحيط، والوسيط، والرائد، والمنجد، واختياره لموسوعة الفقه الكويتية تحديداً التي تعطيه المعنى الذي يريده هو؛ لكن لا بد أن يستوقفنا قوله أنه يمكننا أن نجد في القاموس ما يفيدنا! أوليس هذا مناقضاً لما ذكره في مداخلته، محذراً إيَّانا ومخوِّفاً بأن عاقبة مستخدمي القواميس، الوقوعَ في “حيص بيص“؟
في دراسةٍ قديمة له أسماها “هذه هي الديمقراطية التعبيرية”، وتحت باب “ما هو التعبير”، يقول أن “القاموس يفيد ولكنه لا يعطي معنى الفكرة الجديدة من الناحية الفلسفية”، ثم وبعد أن يُغالط القارئ بمداخلة غريبة عجيبة عن أساليب الفلاسفة في اختيار مصطلحات مفاهيمهم الفلسفية، ينفلت لتحوير معنى كلمة “تعبير” ويخلط بينها وبين كلمة عبور. علماً أن كلمة “تعبير” هي مصدر الفعل “عبَّر” (بتشديد الباء)، بينما كلمة “عبور” هي مصدر الفعل “عَبَر” (بتخفيف الباء)، ومن نافل القول أن معنى هذه الكلمة هو غير معنى تلك. لكنه يفعل كل هذا كي يخلص إلى النتيجة أن كلمة “التعبير” بعِرف سعاده تعني التنفيذ! وهذا هو ” الحيص بيص” عينه.
للرفيق شحادة، دراسة أخرى أسماها “نظرة سعاده إلى الديمقراطية”، وقد نشرها على حلقات في مجلة الفينيق، ثم عاد ونشرها على موقع مؤسسة سعادة للثقافة بعد أن أدخل تعديلات عليها، كما ذكرنا فوق، والتي هي إن لم أكن مخطئاً، أيضاً نسخة منقحة لدراسته القديمة. في نسخة مجلة الفينيق، يعود ويكرر فيها كل ما أورده سابقاً عن معنى التعبير. لكن، مما يستحدثه في هذه النسخة هو أنه يستعين هذه المرة بالقواميس الأجنبية أيضاً، معللاً فعله بأن سعاده ربما “اختار كلمة تعبيرية ترجمة لكلمة expressive حيث تعني: Effectively conveying, demonstrative, moving, stirring powerful “. وغنيٌ عن البيان ان كل هذا الجهد الذي يبذله هو لجعل كلمة “تعبير” مرادفة لكلمة “تنفيذ”، رغم أنه لم يوفق كثيراً أيضاً، لأن الكلمة التي كان على ما يبدو يحب أن يجدها هي “Execute”. بأية حال ما فات الرفيق شحادة أن المرادفات الإنكليزية لكلمة “إكسبرسف” قد لا تكون معانيها العربية بالضرورة مرادفة أيضاً لكلمة تعبير؛ كما هو الحال مثلاً مع “moving, stirring powerful”.
في هذه الدراسة نقرأ أيضاً للرفيق شحادة أن ” كلمة تعبير وحدها تعني البيان والشرح والتوضيح، لكن متى قُرِنت بكلمة الإرادة يصبح معناها التنفيذ والتحقيق“! أوليس هذا التعريف لكلمة “تعبير” شبيه بالتعريف الذي أعطيته أنا، عندما قلت، أنه “بحسب قاموس محيط المحيط، ” المعبِّر يفسِّر ماهو مستور”؟ فعلام إذا هذا الحنق، وهذه “التريقة” على كلمة “مستور”؟ نعم، أنا لم أوافقه على العبارة الأخيرة من الجملة، لكنه في هذه هو أعطى رأيه، لا رأي سعاده، والتعليل الذي أعطاه كان ضعيفاً وغير مسند، وغير مقنِع! وهذا يعني أن ما أثار غيظه لم يكن على المعنى الذي استخرجته من القاموس، بل لأنِّي لم آخذ برأيه في العبارة الأخيرة، فهل مخالفة الرأي تسوِّغ كل هذا الغضب؟
بناء عليه لا بد لي من أن أسأل الرفيق شحادة عن السبب الذي أجاز له استخدام القاموس، دون أن يكون لي مِثل هذه الشرفية؟ ترى، ألا ينطبق على هذا التصرف، قول السيد المسيح “لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟” [2] على الأقل، لا بد وأن يكون الرفيق شحاده قد قرأ مقالة سعاده المشهورة “عود على النزعة الفردية في شعبنا”، حيث يردد فيها الكلام نفسه، بأن ” لا تبحث عن القذى في عين أخيك قبل أن تزيل الغشاوة عن عينيك” [3].
والحقيقة أنه لا ضير مطلقاً من الاستعانة بالقواميس أسواءً كان ذلك في سياق درس مفهوم فلسفي ما؛ أم في سبيل شرح ما أوصل إليه هذا الدرس. بأية حال، ما كانت استعانتي بالقاموس إلا في سبيل إيصال فكرة إلى القارئ، بطريقة مقتضبة وسهلة دون المساس بدقة معانيها. أما تفاصيل شرح الفكرة والتعابير التي استخدمتها في الشرح، فهي كلها صحيحة ومأخوذة عن سعاده، لا من القاموس. فالتعابير مثل كمون الإرادة العامة، أو توليدها، او صراعها مع الباطل، مقتبسة كلها إما من نشوء الأمم وإما من مقالات أخرى له، وسوف نذكر هذه في سياق الدراسة لاحقاً.
قراءة سعاده كله
ليست صحيحة أيضاً مداخلة الرفيق شحادة عن أساليب الفلاسفة في اختيار مصطلحات مفاهيمهم الفلسفية، والتي لا ينفك يرددها على مسامعنا، في كثير من كتاباته. كما في ادعائه مثلاً ” أن للفلاسفة لغتهم وموحياتهم وفهمهم لأبعاد أفكارهم وطريقتهم في التعبير عنها. وإذا كنا نصر على فهمها فهماً عادياً، وليس فهماً فلسفياً لأننا نحن بشر عاديون ولسنا فلاسفة، فإننا قد نقع في الالتباس ونكون سذّجاً وسطحيين إذ نطلب من الفلاسفة أن يعلموننا لغتهم ويترجمونها لنا بلغتنا، إن هذا غير ممكن… و“لفهم الفيلسوف وفهم عباراته وأفكاره يجب علينا أن نقرأه كله “.
كلا، كل هذا الكلام غلط ولا أساس له من الصحة!
الفلاسفة يحتاجون البشر العاديين! هكذا قال سعاده لأستاذ الفلسفة الدكتور شارل مالك، ثم أضاف “حيث يوجد معطٍ يجب أن يكون هنالك متسلِّمٍ يقبل“[4]، لذا لا بد لهؤلاء الفلاسفة من التكلم بلغة عادية يفهمها الناس العاديون. على الأقل، فكرة الرفيق شحادة لا تنطبق على الفلاسفة العظام الذين فرضوا افكارهم على هذا الوجود، وهي حتما لا تنطبق على سعاده. أوليس سعاده القائل: “التعيين هو شرط الوضوح“، واﻟ “لا وضوح لا يمكن أن يكون أساساً لإيمان صحيح“، وأن الحزب السوري القومي الاجتماعي امتاز “على غيره بأنه حدد وأوضح ــ أعطى الـ Definition التحديد ــ للقضايا والأمور التي تواجه الحياة السورية والمجتمع السوري“[5]؟ أيعقل بعد هذا، وهو العامل لأجيال لم تولد بعد، أن يطلِق مصطلحات مفاهيمه الفلسفية على عواهنها ليقع بعدها، فريسة رجالٍ مختلفي المشارب والمآرب، يدَّعون معرفة بواطن أفكاره؟ أولن يأوِّلوا عندها، كل واحدٌ منهم أقواله كلٌ على طريقته ووِفقاً لما سطع له من نورها، ولوجهة نظره فيها؟ نعم، الفلاسفة العظام شأن سعاده قد يحتاجون إلى نحت مصطلحات جديدة لمفاهيم جديدة يبتدعونها، لكنهم يحرصون عندها أن يعطوها هم التحديد الذي يريدون. ونعم أيضاً، هناك جزءٌ هام في فلسفة سعاده وفي النظام الجديد الذي أتى به، بقيَ غامضاً ويحتاج منا إلى الكثير من الدرس والتفكير والاجتهاد، بل وحتى إلى التعاون والنقاش فيما بيننا، لكن ما وصلنا منه من آثار، يبقى واضح الفكر، دقيق العبارة وملتزماً قواعد اللغة ومعاني المفرادات!
ولن نجادل الرفيق شحاده فيما إذا كان قد قرأ كتابات سعاده كلها أم لا، لكننا نؤكِّد له عدم صحة إدعائه أن فَهم سعاده يكون بأن ” نقرأ كل أقواله وندرسه جيداً ونقرأه كثيراً ونتتبع عباراته أينما قيلت على لسانه أو كُتِبت بقلمه، حتى نفهم ما يريد أن يقوله لنا ويعلمنا إياه“. لا، ما هكذا تورد الإبل يا رفيق شحاده! ويبدو لي أنه غير فاطن بقول سعاده “علينا أن نفهم فلسفة الحركة لندرك كيف يمكن أن نعالج الأمور“[6]. ففهم الفلسفة المدرحية، وبناء قواعدها، هو الشرط الذي يجب أن يحققه من أراد الاجتهاد في شرح مفاهيم الفلسفة المدرحية والعقيدة القومية الاجتماعية؛ إلا أننا لا نجد في كتابات الرفيق شحاده ما يعبِّر عن أي فهمٍ محتملٍ له فيها!
المراجع
[1] شحادة الغاوي، “لماذا اختار سعاده كلمة “التعبيرية” في وصف نظرته الفلسفية إلى الديموقراطية”، مجلة الفينيق.
[2] (إنجيل لوقا 6: 41)
[3] سعاده، المجموعة الكاملة، مؤسسة سعاده للثقافة، المجلد السادس، عود على النزعة الفردية في شعبنا، ص 190.
[4] سعاده، المجموعة الكاملة، مؤسسة سعاده للثقافة، المجلد الثالث، من الزعيم إلى الدكتور [شارل] مالك “، ص 259.
[5] سعاده، المجموعة الكاملة، مؤسسة سعاده للثقافة، المجلد الثامن، المحاضرة السادسة، صفحة 135.
[6] سعاده، المجموعة الكاملة، مؤسسة سعاده للثقافة، المجلد الثامن، المحاضرة الأولى، صفحة 4.