شغل الحيّز الحزبي الراهن جملة إشكالات دستورية ونظامية نتج عنها ما يشبه الانشقاق النظامي في الإدارة الحزبية وصولاً الى إقامة دعاوى من قبل قوميين اجتماعيين بوجه الحزب أمام القضاء في لبنان.
بداية نشير الى أن المدّعيين في تلك الدعاوى نصّبوا أنفسهم مدّعين ضد الحزب السوري القومي الاجتماعي كمدّعى عليه بمعنى أن مصلحتهم في الإدّعاء هي من خارج مصلحة الحزب ومتصدّية له في مسألة تتعلق بمصلحة حزبية داخلية محضة. كل ذلك بسبب النتائج الانتخابية التي حصلت في 13/9/2020 وعصف الجدل حول دستوريتها وعدم صحتها.
- في دستورية الانتخابات:
لاشك أن المجلس الأعلى السابق والمنتهية ولايته هو من دعا الى هذه الانتخابات التي حصلت من غير ذي صلاحية. هذه الانتخابات تمت خلافاً للدستور في نص المادة الأولى من القانون الدستوري عدد /10/2001/ التي توجب أن تحصل الانتخابات بعد انعقاد المؤتمر القومي العام وغاية ذلك أن يشهد القوميون الذين يشكّلون الهيئة الناخبة للطروحات والبرامج والخطط المعدة من قبل المرشحين للمجلس الأعلى بحيث تكون هذه الأفكار والآراء الأساس المكوّن للقناعة والإرادة المحفزة لاختيار المرشحين عند الناخبين. وعليه فإن إجراء الانتخابات سواء من قبل مجلس أعلى غير ذي صلاحية لإجرائها أو خلافاً لأحكام الدستور يجعل من هذه الانتخابات غير دستورية. ولايجوز في هذا الصدد الاجتهاد في معرض النص الدستوري الواضح والصريح. وكل واقعة غير دستورية تنتهي حكماً الى نتيجة غير دستورية.
- في شرعية ما نتج عن الإنتخابات:
من المفيد القول إن المجلس الأعلى المنتهية مدته يفقد شرعيته ودستوريته وصلاحيته عند انتخاب مجلس أعلى جديد وعند الاختلاف حول صحة الانتخابات يفصل القضاء الحزبي تحديداً بالطعون الموجهة إلى هذه الانتخابات.
وعليه فإن الانتخابات الحزبية التي جرت في 13/9/2020 هي انتخابات نتجت عنها سلطة شرعية وإن كانت غير دستورية فهي أمر واقع استوجب تشريعها انعدام وجود سلطة حزبية غيرها فيقتضي اعتبارها شرعية ومؤقتة استجابة لمصالح الحزب العليا ودرءاً من الوقوع في الفراغ السلطوي المؤدي الى الفوضى بحيث لايوجد في الحزب سلطة عليا غير هذا المجلس الأعلى المنتخب بصرف النظر عن دستورية الانتخابات لأن مصالح الحزب العليا واقتضاء استمرار المؤسسات يستوجب تجاوز الأخطاء الدستورية لضمان استمرار الحزب ومؤسساته وهذا مايعرف بالعلم الدستوري “Raison d etat”.
فالجنرال ديغول أعلن نفسه قائداً لفرنسا الحرة كسلطة أمر واقع عند اجتياح النازيين لفرنسا استجابة لأحرار فرنسا وصوناً لشخصيتها التاريخية وقرارها المستقل ليبقى قرارها وموقفها قائماً ومستمراً بين الأمم ولوفي ظل الاحتلال ومن تحت الركام. رضخ أحرار فرنسا لنداء ديغول التزاماً بمصلحة فرنسا العليا متجاوزين مسألة قيادة ديغول وانبثاقها بالانتخابات الدستورية كل ذلك منعاً للفراغ في قيادة مؤسسات الدولة والجيش. ولكن بعد الحرب وتحرير فرنسا من الاحتلال النازي اجرت الحكومة المؤقتة التي يرأسها ديغول استفتاء ً شعبياً وجرت انتخابات دستورية في فرنسا أفضت إلى وجود جمعية تأسيسية (برلمان ذو صلاحية تغيير الدستور) أخذت بدستور جديد وأسست الجمهورية الرابعة.
- في عدم إلزامية توصيات المؤتمر:
دار جدل واسع حول إلزامية أو عدم إلزامية توصيات المؤتمر القومي العام ومدى نفاذ هذه التوصيات سلباً أو ايجاباً على السلطات الجديدة المنتخبة (المجلس الأعلى ورئيس الحزب).
تدعو السلطات الحزبية في نهاية السنة الرابعة من انعقاد المؤتمر العام الى مؤتمرات فرعية في المنفذيات يقدم فيها القوميون الاجتماعيون دراساتهم وأبحاثهم وآرائهم حول أوضاع حزبهم ودستوره وبالتالي رسم الآفاق الجديدة التي يتلمسون تحقيقها من قبل الادارة الجديدة المنبثقة بالانتخابات التي تعقب المؤتمر وترفع هذه التوصيات الى هيئة مكتب المؤتمر الذي ينسقها ويوزع مواضيعها على لجان المؤتمر ويصدر خلاصاتها كتوصيات الى السلطات الحزبية الجديدة لأجل تنفيذها وتحقيقها.
هذه التوصيات هي بمثابة اقتراحات تلقي أضواءاً على إشكالات حزبية حاصلة وتطرح حلولا لها. ويعود للمجلس الأعلى أو لرئيس الحزب أن يأخذ بها أو ببعضها بإعتبارهما السلطتين الأعلى في الحزب تشريعاً ومراقبة وتنفيذا. وتلك التوصيات – الاقتراحات هي بمثابة مساعدة للسلطتين وليست املاءات يقتضي تنفيذها علماً أنه اذا لم يأخذ بها، يعود في هذه الحال للقوميين المحاسبة في المؤتمر القومي العام القادم. وعملاً باحكام النظام الداخلي تكون التوصيات بمثابة ابداء الرأي في ما يراه المؤتمرون مناسباً من سياسات يرون فيها مصلحة الحزب العليا. وعليه تكون التوصيات المرفوعة من المؤتمر غير ملزمة.
- العفو العام :
نصت الفقرة /20/ من المادة /19/ من القانون الدستوري عدد /9/ الناظم لأحكام المجلس الأعلى بأنه يعود للمجلس الأعلى اصدار عفو عام بناءاً على اقتراح رئيس الحزب.
هذا النص هو دخيل على القواعد والأحكام التي تسود الفلسفة القومية الاجتماعية في نظرتها الى العضوية الحزبية والى السلوكيات التي يأتيها الأعضاء في مجرى آدائهم النظامي والأخلاقي للمهام المناطة بهم.
في المبدأ أن الانتماء الى الحزب يكون فردياً وبموجب تعاقد مستقل بين الشارع والمقبل على الانتماء للحزب. بينما العفو العام يطال الذين طردوا من الحزب أو فصلوا لأجل غير مسمى وانقطعت كل صلة لهم بالحزب. والعفو العام ينطوي على إعفاءات تقدمها السلطة الحزبية عن ارتكابات وجرائم طالت الحزب ونظامه ومؤسساته حتى من قبل الخونة والمطرودين. ولهذا لا يستسيغ النظام القومي الاجتماعي عودة هؤلاء الى الصفوف الحزبية بحكم العفو العام. فبينما يساوي النص الدستوري بين دعوة طالب الانتماء إليه بكل اخلاص وعزيمة صادقة انتماءاً فردياً خالصاً وبين العفو العام الذي يقبل القوميين المرتكبين والمطرودين جماعة. هذا التناقض في التعاطي مع العضوية الحزبية يقتضي معالجته دستورياً بما يحفظ صيانه المبادئ والقواعد النظامية التي استقامت عليها العضوية في الحزب.
نشير هنا الى أنه لو تناول العفو العام مسألة أو حادثة معينة استوجبت فصل أو طرد عدد من الأعضاء فإن العفو عن هؤلاء لا يتسم بالصفة العمومية ويبقى بكل حال عفواً خاصاً لا صلاحية للمجلس الأعلى بإصداره.
ومن المتعارف عليه أن نظام الحزب كان سابقاً يسمح لكل عضو في الحزب بالعودة فردياً الى صفوفه إذا أبدى رغبة صادقة بالعودة اليه وندماً على فعله الذي أدى الى فصله أو طرده من الحزب وكما طرد أو فصل افرادياً يعود الى الحزب افرادياً وليس جماعة كما في العفو العام.
ولتنقية الدستور من العفوالعام ومن الشوائب المخالفة للنهج وللنظام الحزبي يقتضي العودة الى القانون الدستوري عدد /15/2001/ الباب الثالث منه والذي يعالج حالات المطرودين والمفصولين من الحزب ومبدأ اعادة المحاكمة منصوص عنه في المادة /35/ من القانون الدستوري عدد /15/ بحيث يحق لكل من صدر بحقه حكم اكتسب الدرجة القطعية أن يطلب اعادة محاكمته وفق شروط عددتها تلك المادة. وبتوافر النص الدستوري بإعادة محاكمة كل محكوم ولم يعد جائزاً القول بالعفو العام الدخيل على مفاهيم الحزب.
0 Comment
لا أدري..ولكن ألا يستوجب بعد ما قدّمه حضرة الأمين ميشال الحاج من هذه المقتطفات الدستورية (المعدّلة)إعادة النظر بكل التعديلات الدستورية التي لم تستند إلى الدستور الأساسي الذي وضعه الشارع صاحب الدعوة فأنا شبه متأكد انه حتى الامين الحاج وهو المحامي البارع إذا سألته ما الحل لازمتنا بوجود هذه الموادالدستورية سيقول كل حل لازمة سيولّد أزمة أخرى وانا لا أشك للحظة بنوايا الأمين ميشال الحاج….ولكن هل نجرؤ على التغيير؟؟؟؟!!!!