مع ميلياغروس*.. ضدّ الشنفرى

Share

 

كلما كتبتُ “سوريا” بالألف الممدودة، بدّلها المدقق اللغوي في الجريدة إلى “سورية” بالتاء المربوطة!

أقول له: يا أخي إن تسمية “سوريا” ليست عربية، وفي اللغات القديمة ليس هناك تاء مربوطة مثل “شبعا، داريا، حرستا، كفر شوبا..” حيث الإطلاق في الأسماء سمة معروفة.

يقول: يا أخي، هذه “سوريا، الخاصة “بالقوميين السوريين” وهناك تعميم بكتابتها بالتاء المربوطة كي تتميز عن سوريتكم التي تقصدون.

.. كلما كتبتُ تسمية “العالم العربي”، بدّلها المدقق اللغوي إلى “الوطن العربي”! فأقول له: يا أخي، لماذا غيرتها هكذا؟ يقول: إن تسمية “العالم العربي” تنفي عنه صفة الأمة، وبالتالي فإن استخدام مصطلح “الوطن العربي” هو الأفضل أيديولوجياً لأن الأمة العربية لا جدال حول وجودها تاريخياً ومنطقياً!

أقول له: يا أخي، إن تسمية “الوطن العربي” أيديولوجية، وإن استخدام “العالم العربي” هو الأنسب علمياً، لأنه يتصل أيضاً بمفهوم “العروبة الواقعية” التي وجدت بديلاً لعروبة الشعارات والدبكة، لأن واقع الحال عند العرب يشير إلى أربع أمم موغلة في التاريخ ولم أخترعها أنا شخصياً.. لكن الأخ يتذرع بالتعاميم التي هي بالنسبة إليه، صاحبة الكلمة الفصل في تحديد الخطأ من الصواب!

..  غيابُ سوريا ما قبل الميلاد عن مناهج التربية والثقافة، يبدو مريباً، فدائماً هناك إصرار على تسويق ذائقة الشنفرى وتأبّط شراً داخل «مولات» الأدب، على حساب جلجامش وميلياغروس وآراتوس وبوسيدونيوس الذين نضطر للبحث عن ترجماتهم في مؤلفات المستشرقين أو في المكتبات الخاصة وعلى البسطات. حتى عندما بدأت الهيئة العامة السورية للكتاب سلسلتها المسمّاة الكتاب الناطق، اختارت عروة بن الورد سليلَ عبس، كي تنقله إلى الأجيال المسكينة حتى لا تنقطع صلتها بالنوق والإبل والحنين إلى داحس والغبراء.

بحسبة جغرافية وحضارية بسيطة، تظهر الذائقة السورية غير مغرّدة في سرب حداء العيس وكتابة الشعر على أصوات أقدام البعير، فأبناء النهر والغابة ومروج الزرع، كانوا يُجبرون في كل مرحلة على قطع أشجارهم لمصلحة الصحراء والانصياع لأكبر عمليات تجفيف تجري للمخيلة في التاريخ. رغم ضرورة الإطلاع على أدب الآخرين باعتباره وافداً من ثقافات أخرى، إلا أن تقديم ثقافة نجد والحجاز وعسير على أنها الأحادية الجمالية التي لا ينابيع سواها، كان له الدور الأهم في خلع الكثير من السوريين جلودهم في مسالخ الانتماء وتسويق الفصام الثقافي وتهجين الأجداد وتزوير دفاتر العائلة، والدليل الأبرز على هذا كله، أن حركات التمرد والانتفاضات التي تمت ضد الكتابة الصحراوية انطلقت من هذه المنطقة بالضبط، حيث كان اللوغوس السوري مثل طائر الفينيق ينهض في كل مرة كي ينفض الغبار عنه.

من الغريب فعلاً أن نسوّق الربابة على حساب القيثارة السومرية. ونحفظ الخنساء على حساب الشاعرة إيرينا السورية، والصعاليك على حساب أوبيانوس وأرخياس وبيون وغيرهم من شعراء سورية المغيبين عن المشهد.

.. مع ميلياغروس ضدّ الشنفرى! هذه الذاكرة المنفية أو المدفونة في الحياة، لابد من نبشها.. الآن. عرفتوا كيف؟

* للمزيد من المعلومات عن ميلياغروس يرجى النقر على هذا الرابط.

0
0

1 Comment

عروة 8 أغسطس، 2021 - 10:38 م

سوريا هي ما يسميها العرب الشام. اما العراق ومعظم بلاد الرافدين فهي بلاد مختلفة عن سوريا في الحضارة والطبيعة والثقافة منذ اقدم العصور. هذه هي الحقيقة التاريخية التي يعرفها الشخص البسيط والتي امن بها انطون سعادة معظم حياته قبل ان يغيرها اخر عمره لسبب ما. سعادة استمد شعبيته من الفكرة السورية الشام لا من فكرة الهلال الخصيب. بدون اعادة النظر في هذه المسألة لن يستطيع القوميون جذب اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين كما فعل سعادة في ثلاثينات القرن الماضي. وستبقى الفكرة العربية مسيطرة على عقول ابناء الامة السورية.

Post Comment