في مطلع العام 1991، وجد الأمين عصام المحايري رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي (الطوارئ) نفسه مضطراً للرد على تساؤلات وشكوك داخلية تتناول الحكمة والفائدة من انخراط الحزب في اللعبة النيابية والوزارية داخل التركيبة السياسية والأمنية التي كان غازي كنعان “المندوب السامي الشامي” يعمل على إقامتها في لبنان آنذاك.
وكان الحزب يومها قد دخل عالم السلطة بتعيين بعض قيادييه في مقاعد نيابية ووزارية في إطار صفقة اتفاق الطائف الذي أعاد إنشاء التوازنات الطائفية وفق معادلات جديدة تعكس موازين القوى بعد هزيمة المشروع الإنعزالي المدعوم إسرائيلياً.
ألقى المحايري كلمة مطولة في “المؤتمر الدراسي النوعي” المنعقد في أيار سنة 1991، محدداً فيها ما يطمح الحزب إلى تحقيقه من خلال إنخراطه في لعبة السلطة اللبنانية. قال: “إننا حركة النهضة في شعبنا، ونحن اليوم نشارك في موقع المسؤولية السياسية في النظام اللبناني. وإنه لتحدٍ كبير لفكرنا السياسي ولفكرنا الثقافي ولخطط نضالنا أن نعالج بجدٍ ومسؤولية هذا الجانب (يقصد التخلف) في تحقيق التطور في شعبنا”. ثم أضاف بما يشبه التعهد والالتزام: “إن التطورات التي جعلتنا نشارك في النظام السياسي في لبنان تفرض فكراً سورياً قومياً اجتماعياً مُهيئاً للدخول في لعبة السلطة والقبض على مفاتيح تساعده وتساعد الحركة في تنمية قدراتها، وتساعد الأمة على تحقيق تطورها السياسي والعلمي والثقافي”.
وعلى هذا الأساس خاض الحزب السوري القومي الاجتماعي الانتخابات النيابية العامة في أواخر سنة 1992 بموجب التعديلات الشكلية التي أدخلت على قانون الستين. وقد فاز الحزب بالمقاعد التالية: أسعد حردان (مرجعيون)، أنطوان خليل (بعبدا)، حسن عز الدين (عكار)، سليم سعادة (الكورة)، غسان الأشقر (المتن)، وغسان مطر (بيروت). كما تمثل لاحقاً في الوزارة بحردان ثم بعز الدين. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن بعض الأحزاب، مثل الكتائب والشمعونيين، قاطعت الانتخابات لأنها رفضت في الأساس “إتفاق الطائف” على غرار ميشال عون قائد الجيش المتمرد الذي بات في المنفى الفرنسي آنذاك.
سنتجاوز في هذه العجالة الحديث عن كل الدورات الانتخابية خلال السنوات الست والعشرين الماضية لأنها جرت كلها وفق قانون الستين، حيث المحادل الطائفية تجرف في طريقها كل القوى الأخرى. لكن انتخابات أيار 2018 اختلفت في كونها اعتمدت النسبية وإن بشكل جزئي. وكان من المفترض أن تعكس الأحجام الحقيقية للأحزاب والمنظمات السياسية المختلفة، خصوصاً الأحزاب غير الطائفية مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ظل ممثلاً في مجلس النواب ومجلس الوزراء منذ العام 1991 وحتى اليوم. وكانت التوقعات ترجح فوزه بكتلة من ستة نواب على الأقل في الانتخابات الأخيرة.
غير أن التوقعات خابت كلها، ولم يَرجعْ الحزب إلى الندوة النيابية إلا بمقعدين هما أسعد حردان (مرجعيون) وسليم سعادة (الكورة).
ولن نقف كثيراً عند الطرفة التي تريد أن تقنع القوميين الاجتماعيين بأن النائب ألبير منصور (بعلبك ـ الهرمل) هو من الكتلة القومية الاجتماعية، فهذه لا تنطلي إلا على السُذج! ومهما حاول بعض المسؤولين الحزبيين “الاحتفال” بالنصر وتلقي التهاني، فالحقيقة المرة هي أن مؤسستي الحزب السوري القومي الاجتماعي (الروشة والدورة) منيتا بهزيمة ذات مغزى عميق أبعد بكثير من لعبة الأرقام، خصوصاً إذا استرجعنا ما تعهد به المحايري في العام 1991.
بعد ست وعشرين سنة على انتخابات 1992، وفي ظل قانون جديد يُفترض فيه أن يبرز قوة الحزب، نرى أن التمثيل الحزبي في المجلس النيابي تراجع دورة بعد أخرى. كما أن الحضور الوزاري تقهقر بدوره من وزارة ذات حقيبة إلى وزارة من دون حقيبة. أما الوجود القومي الاجتماعي الفاعل في المؤسسات الحكومية المختلفة فهو مجرد أضغاث أحلام لم تتحقق أبداً.
المحايري كان واضحاً عندما اعتبر أن معالجة التخلف في مجتمعنا هي “التحدي الكبير لفكرنا السياسي ولفكرنا الثقافي ولخطط نضالنا”. فهل كان وجودنا النيابي والوزاري خلال ربع قرن على مستوى هذا التحدي؟ وهل تمكن الحزب من “القبض على مفاتيح تساعده وتساعد الحركة على تنمية قدراتها وتساعد الأمة على تحقيق تطورها السياسي والعلمي والثقافي”، حسب تعهدات رئاسة الحزب في مطلع التسعينات؟ وهل تعكس نتائج صناديق الاقتراع نظرة المواطنين إلى الحزب من حيث هو حركة نهضة أم أنها (أي النتائج) مرتبطة بالممارسات السياسية من جهة، وبإدارة المعركة الانتخابية من جهة أخرى؟
هذه الأسئلة مطروحة بقوة في الصف القومي الاجتماعي الذي يطالب بأجوبة واضحة وإن كانت مؤلمة. إذ من غير المقبول أن نحمّل “فكرنا السياسي وفكرنا الثقافي وخطط نضالنا” مغبة أخطاء الإدارة الحزبية وخطاياها. وليس الهدف من المحاسبة توجيه الاتهامات والإدانات بقدر ما هو كشف الأخطاء واستيعاب الدروس والاستعداد للمعارك السياسية المقبلة. فإذا كانت الخطة الحزبية المتفق عليها تتضمن الأنخراط الجاد والقوي في “لعبة السلطة”، فالأولى أن يكون ذلك من موقع الفكر القومي الاجتماعي بكل أبعاده المناقبية… وليس من منطلق حماية المصالح الفردية على حساب المصلحة القومية الاجتماعية.
المراجعة مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن تشمل كامل “التجربة” النيابية والوزارية منذ العام 1990 وحتى اليوم. لكن تُرى مَنْ يقوم بالمراجعة، ووفق أية صلاحيات، وتحت سقف أية مرجعية؟
لندن في 25 أيار 2018
0 Comment
وحتى الإنتخابات في الشام ، كانت فشلاً
لم نستطع الوصول إلى وجدان الشعب ، لنعترف
و لنجد وسيلة تجعل حزبنا مفهوماُ لدى الناس
في لبنان إعراضٌ عن الحزب .
الحياة لسوريا و الخلود لسعادة