في الحقيقة، كُثر وأنا منهم، لم يتفاجؤوا بعدم نجاح أيّ من مرشحي الحزب لعضوية البرلمان اللبناني. وكثر توقعوا هذه الخسارة، وكثر ناشدوا القيادات الحزبية بتغيير قرار الترشّح أو على الأقل التنسيق بينها في المناطق والمرشحين.
بعيداً عن أي تفاصيل ميدانية ظرفية وقتية أو تحاليل وتعاليل بالأسباب والنتائج، أرى أن ما حصل هو عرض من أعراض ضعف وتهلهل الحزب على الساحة الوطنية السورية بالعموم، ويا ليت أن خسارتنا البرلمانية هي أكبر الخسارات، لا بل إنّي أجدها أقلّ الخسارات.
لفتني وآلمني من بعض الأعضاء من تشفّى بفلان أو علّان من المرشحين، والبعض الآخر استغلوا المناسبة ليدخلوا في سجالات وتقاذفات لا تليق بنا، وأظهروا مجدّداً أن ابتعادنا عن عقليتنا الأخلاقية التي سعى المعلم لزرعها فينا لهو من أبغض ما يمكن أن يتصف به قومي إجتماعي. هذا مظهر من عدة مظاهر يمكن أن يدلّل بها على مكامن الخلل الخطير التي بدأ يجتاح حزبنا بعدّة أسلحة فتاكة، تصعب النجاة منها سيّما إن بقينا على استهتارنا وتراخينا وانجرافنا بما يجري، دون التوقّف مع ذواتنا لنسأل أنفسنا أسئلة مصيرية من مثل:
- لماذا حلّ بالحزب ما حل به؟
- ما هي المنافذ التي دخلت عبرها هذه الأخطار إليه وباتت تهدّد دوره لا بل مصيره؟
- هل مازالت لدينا الفرصة للعودة بالحزب لمستوى من اللياقة يكفل تجانسه مع غايته؟
- ما دور كلّ من أعضائه لإنقاذ الحزب ممّا وصل إليه؟
- هل نحن قادرون بالفعل على تنكّب مسؤولية الدفاع عنه من خطر ما يهدده؟
- هل نحن بذواتنا قادرون على اجتراح العلاجات العميقة الفعّالة بعد وضع التشخيصات الواقعية والجريئة؟
وغيرها من الأسئلة التي أصبحت مفروضة علينا وعلى القيادات الحزبية!
كنت قد اقترحت وأكدّت من سنة ونيّف على ضرورة عقد مؤتمر تاريخي استثنائي شامل (لكل التنظيمات والأعضاء خارجها)، يُدرس فيه تاريخُ الحزب بمفاصله المضيئة وتلك المظلمة، وتقييم مسار الحزب بعد هذه العقود الطويلة من تأسيسه، ووضع الخطط للعودة ببنيته لحالة الصفاء والقوة التي أرادها له المؤسس سعاده. واليوم أرى أن ذلك أصبح ضرورةً حتمية لحزب بات على ضعف يهدّد مصيره.
الانتخابات وإن كانت محطة بسيطة غير مفصلية في مسيرة حزبنا العظيم، وكما طرح عديد ممّن تثنى لي متابعة كتاباتهم أن عضوية البرلمانات ما قدّمت للحزب أي فوائد لا رسمية ولا شعبية بل على العكس… وإن جاء رأيهم للدلالة على ضعف دورِ ممثليه داخلها، إنّما في الحقيقة لشأن مهم أن يكون الحزب له وزنه في كل البرلمانات.
مهما كان فقد أعطت نتيجة الانتخابات الأخيرة، مؤشراً لموقع وموضع الحزب في ساحاتنا الوطنية شعبياً ورسمياً، وفرصة لمقارنة امتداده الشعبي مع غيره من التنظيمات الأخرى، ويكون من زيادة الإمعان بضعفنا أن نبرّر بأنّ المال الانتخابي أو غيره هو ما كان له الباع الكلّي في ذلك، غير مقرّين بحالة الضعف التي وصلنا إليها.
نعم نحن بحاجة ماسة من إدارات تنظيماتنا إن كانت تتمتع ببعض الحس بالمسؤولية، أن تبادر مباشرة لعمل مكاشفة ونقد ذاتي حقيقي صريح كما يُفترض، لتحديد أسباب ما وصل إليه الحزب انتخابياً في لبنان وغير انتخابياً في كل الكيانات. وإن كانت محطة الانتخابات الحزبية في أيلول من عام 2020 تستدعي التمحيص بذلك أكثر من غيرها لكنها حتماً ليس المحطة الوحيدة التي تستلزم البحث بمقدماتها وما ترتب عليها. وأن تطرح هذه القيادات ما تتوصل إليه بتقييمها على القوميين الاجتماعيين، وما هي خططها الكفيلة للخروج من هذا الواقع إن وضعت خططاً لذلك، والطلب من القوميين أن يشاركوا بآرائهم بفعالية وتعمّق، وإلا فنحن نكون أمام استهتار فاضح بواقع ومصير الحزب!
هذا الحزب وجد ليحيا بنفسه وأمته، ويشكّل دولتَها القومية، ولا يجوز أن يكون هذا الهدف وهذه الغاية الجليلة رهناً بأفراد تتحكم فيهم كيدياتٌ متنابذة، ونزعاتٌ سلطوية هدّامة، وقصورٌ في فهم المعنى الحقيقي والغاية الأساسية لوجود الحزب.