تسعون عامًا مرت على إطلاق عملية الوعي القومي في الهلال السوري الخصيب، من قبل باعث نهضة الأمة انطون خليل سعاده. مذاك التاريخ والأمة في عملية صراع يومي على كامل مساحتها، حتى إنه لا يكاد يمر يوم إلا وهناك حدث ما يجري على ترابها. المستهدِفون بكسر الدال، هم هم. والمستهدَفون بفتحها، ما زالوا قابضين على الجمر كما لو كانوا في يومهم الأول، حين لبوا نداء الباعث، مطاردين ملاحقين مشردين جيلاً بعد جيل. لم يقنطوا ولم ييئسوا من تقديم التضحيات. يتبدل قادة الأنظمة يتبدل أشكال الأحزاب والمؤسسات التي طرحت نفسها منقذة للأمة من الأخطبوط الصهيوني ومن العفن السياسي المتمثل بالطائفية والمذهبية والاقطاع وحملة المباخر والزحفطونيين. أما القابضون على الجمر قد يسقط أحدهم، قد تلعب المفاسد في بعضهم، لكنهم متى كانت أمتهم وشعبهم في خطر، تجدهم في طليعة المتصدين، ينفضون عنهم الغبار الذي لحق بهم جراء التشرد والملاحقات والتشرذم الذي يطال مؤسساتهم كلما لحقت بها بارقة أمل، حاملين الراية من جديد سائرين في الدرب الذي خطوه لأنفسهم كمنقذين لشرف الأمة، وحيدين معيدين للأمة وديعتها، كما عاهدوا الشارع حين رفعوا يدهم اليمنى مقسمين على ذلك.
رفقائي، أحفاد سرجون وهنيبعل ونبوخذنصر، أحفاد عشتار واليسار وزنوبيا، رفقاء وجدي وسناء ومالك.. ولائحة تطول من الذين ردوا الوديعة. الأمة في خطر، سرطان يفتك بها منذ وعد بلفور المشؤوم. دعاوى أجنبية من خلف الجبال، من طوروس وزغاروس لأنطاكية والبختياري، من خلف سيناء الى العربة، ذئاب تتربص وتعوي تريد حصتها من الفريسة. داخل تنهش به نيران المثالب من إقطاع سياسي ومالي، لطائفية ومذهبية ترفع لواء الدين والدين منها براء، لحكام لاهثين خلف سلطة يبيعون ويشترون في أسواق النخاسة، معرضين شعوبهم وبلادهم للأخطار لتأمين كراسيهم ومواقعهم من خلال زبانية يدعون أنهم رجال أمن يتركون الغرباء ليعبثوا بكل ما هو حق وخير وجمال.
ما أحوج الأمة اليكم اليوم، أكنتم بالداخل، أم عبر الحدود، فالداخل يئنّ من أمراض عضال، ووصفتكم له جاهزة شريطة تفعيل دوركم بجعل الشعب يأخذ الترياق، بعد أن عانى الأمرّين من سياسيي وقادة ما يسمى بالرأي وحكام يسترضون الخارج لبقائهم حيث هم، والخارج يمكنه أن يشكل سندًا بنقل النماذج الكفيلة بإعادة دورة الانتاج والتنمية في شتى ميادين الاقتصاد والاجتماع والتربية والتعليم، كما ورصد ما يحاك للأمة من قبل الدول الاستعمارية وجماعات تقدم نفسها لشعبنا كمنقذة من الضلال وهي تعمل لخدمة مصالح شركات النهب الدولية منها والقارية.
عانت حركتنا الكثير منذ انطلاقها، بسبب رؤية باعثها الثاقبة، الأمر الذي جعل أعداء الأمة وبعض الطفيليين ممن يعملون في الشأن العام، عن جهل أو عن إدراك، يعرقلون مسارها ويحيكون لها المكائد، مستغلين ضعف بعض القيادات أو جهلها وعدم نضوجها ثوريًا وعقدياً. لكن والحق يقال، إن أبطال الحركة، لم يضيّعوا بوصلتهم يومًا خصوصًا عند اشتداد الصعاب والمحن، فكانوا يتناسون جراحهم النازفة لبلسمة جراح الأمة البالغة. جراح الأمة البالغة اليوم عليها أن تحثنا جميعًا على نفض الغبار عما علق بمسيرة كل منا، والقبض مجددًا على جمر العقيدة التي وحدها كفيلة بإعادة الحياة لأمة ظن أعداؤها أنها مندثرة. بالجهد والتضحية والعطاء، كما والمحاسبة بعيدًا عن الكيدية، والمساءلة بعيدًا عن العرقلة، نعيد لشعبنا الأمل بأن هناك من هم مؤمنون به وبحقه في الوجود بكرامة وعزٍ وإباء.