مانيكان الطفلة التي قُطع رأسها في إحدى عمليات الشحن، يتصدر المشهد بعد مقهى الهافانا، فرغم ثوب الشيفون والدانتيل المطرز الذي ترتديه، إلا أن الرأس المستعار الذي تم زرعه ببراغٍ وكلّابات على الكتفين، ظهر ذكورياً غاضباً وكبيراً جداً على جسدها النحيل وذراعيها المقطوعتين.. تقول زهور: “لقد رمونا بشكل عشوائي في صناديق السيارات أثناء عمليات التهريب، ففقد العديد من أصدقائي أذرعهم ورؤوسهم أو أقدامهم، حيث خضعوا إلى عمليات زرع مستعجلة بعد أن ضاعت معظم الأعضاء على الطريق!”
تطالب زهور بقانون يحمي المانيكانات الأطفال من الاضطهاد والتشويه والعمالة بشكل مجاني بلا تحديد لساعات للعمل، وتضيف: “لقد كبرتُ على الرصيف ولم أدخل مدرسة أو أتعلم الموسيقا أو الرسم أسوة ببقية أطفال البشر، حتى الألبسة التي يجعلوني أرتديها تبدو سيئة الاختيار بسبب عدم التناسق في الألوان ونوعية الأقمشة الرديئة.” تقول زهور بأسى: “أريد أذرعي المقطوعة التي ضاعت أثناء عبور الحدود!”
المانيكان كامل، صاحب الوجه المشوّه بسبب قذيفة طائشة، يحدق بعين واحدة تم رسمها بعجل على وجهه الأبيض، وقد حاول أكثر من مرة أن يمشي ليتفقد منزله الذ
بالفعل، أسس كامل مع أصدقائه جمعية تضم المانيكانات المشوّهة لكنهم لم يتمكنوا من الحصول على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بدعوى أن الكائنات البلاستيكية لا يحق لها تأسيس الجمعيات، فلجؤوا إلى العمل السريّ والاجتماع بشكل خفي عن عيون أصحاب المحلات والزبائن وموظفي البلديات الذين سيطلبون مبالغ طائلة إذا تم ضبطهم مجتمعين!
أمام الواجهات الفارهة في الصالحية، وقفت مانيكانات سمينة بأسعار مرتفعة وكنزات ذات ماركات عالمية وسراويل من الجوخ الإنكليزي، واللافت أنها كانت مكتملة الأعضاء مسرّحة الشعر وصاحبة عطر مميز. صاحب المحل قال إن هذه المانيكانات من فئة التجار وأصحاب المسؤوليات وأبناء الذوات، وبالفعل عندما شرعنا بالحديث إلى المانيكان جودت، تردد بالكلام وسألنا عن سياسة الموقع، ثم أشار إلى أن قضايا المانيكانات تحتاج إلى أسلوب علمي لإيجاد الحلول المتعلقة بمشاكلهم الكثيرة التي يرجع أساسها إلى الوضع الاقتصادي وسوء مادة البلاستيك التي يُصنع منها المانيكانات حيث تتعرض لكسر الأعضاء وتشوه البشرة بسرعة كبيرة أثناء الطريق الذي عليها سلوكه قبل الوصول إلى واجهات الزجاج التي تتصدر المحلات. جودت تحدث بالسياسة وقوانين الاستثمار وتوفر المواد الأولية والطاقة ودور كل ذلك في تصنيع جيل جديد من المانيكانات التي تتحمل أعباء المرحلة.
أنصاف المانيكانات تركونا في حيرة للأسف، فالجذوع أو الأرجل المعروضة وحتى الرؤوس المقطوعة، كانت صاحبة أوجاع مختلفة، البعض طالب بأقدامه التي سرقت منه وآخرون ضلوا الطريق لأن ما تبقى لهم هو نصفهم الأسفل فقط.. الرؤوس طالبت بأجسادها لأن التفكير يقض مضجعها ولا يجعلها تنام..
في شارع الحمرا، كان الوضع مختلف تماماً، فالمانيكانات النسائية ظهرت في وضع باذخ مقارنة بما يعانيه مانيكانات الرجال في الصالحية.. المجال مفتوح هنا، والمانيكانات النساء قادرات على ارتداء الموضة وكنزات الحفر والتنانير القصيرة إلى جانب المحجبات اللواتي يعرضن الشالات والمانطوات وجرابات الليكرا.. حتى إن بعض المانيكانات لنساء ظهرن شبه عاريات في الطابق الثاني لأحد محلات شارع الحمرا، تسببت بنشوب خلاف بين المحافظين الذين طلبوا من أصحاب المحلات إلباسهنّ وتستير مفاتنهنّ لأن الأنباء تقول إن مانيكانات الصالحية تحاول ترك أعمالها والذهاب إلى الحمرا.. حتى إن البعض تحدث عن علاقات غير مشروعة بدأت تتسبب بتردي واقع العمل في المنطقتين..
المانيكان لوزية، تهكمت بسبب غياب الحلول الاقتصادية وتردي حال الناس، وقالت: “لو تعطونا الفرصة لأنهينا الحرب وأعدنا بناء الاقتصاد وفكّينا الحصار بدقيقة واحدة!”
بعض الناس العابرين في الشارع أخبرونا بأن المانيكانات تجتمع ليلاً في إحدى القاعات حيث يخططون ويحيون الحفلات، وقد رآهم الناس فعلاً يمشون في آخر الليل ضمن المنطقة!
أحد المانيكات الشباب كشف الكثير من أسرار الناس العابرين الذين يتحدثون بأسرارهم أمام المانيكانات اعتقاداً منهم أنهم لا يسمعون، ففضح الجرائم والسرقات
المانيكانات سخروا من الرز المسوس الذي يقول المسؤولون إنهم سيعقمونه ثم يبيعونه للناس، كما تحدث بعضهم عن البطاقة الذكية التي ظهرت غبية في كثير من الحالات، ثم تساءل بعضهم: هل يعقل أنكم لم تجدوا حلاً لتوزيع السكر والغاز ومكافحة الفساد المستشري؟
يطمح المانيكانات لإنشاء معمل لتصنيع الأعضاء وتحسين نوعية البلاستيك المستخدم في أجسادهم.. يقولون إن صناعة الأجيال المانيكانية محلياً أفضل بكثير من استيرادها أو تهريبها عبر الحدود، وذلك نظراً للأضرار التي يتعرضون لها بسبب القسوة أثناء الشحن.. المانيكانات تتطلع إلى حياة مثلى تنقذهم من الانتظار الممل على واجهات المحلات بينما الدنيا تركض في الخارج!